خبر الصوراني: حصار غزة يستهدف تفكيك بنيان المجتمع ودفعه للإحباط واليأس

الساعة 02:10 م|07 سبتمبر 2009

فلسطين اليوم – غزة

أكد مسؤول الدائرة الثقافية في الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين غازي الصوراني أن الحصار المفروض على قطاع غزة، جزء لا يتجزأ من الحصار المفروض على أبناء الشعب الفلسطيني كله، سواء بصورة مباشرة كما هو الحال في الضفة الفلسطينية، عبر الاعتقالات اليومية والحواجز والجدار، أو بصورة غير مباشرة كما هو حال اللاجئين الفلسطينيين في المنافي، الذين يتعرضون للعديد من الإجراءات التي تكرس معاناتهم الاقتصادية والسياسية والاجتماعية.

 

واعتبر الصوراني في ورقة عمل له بعنوان "الحصار والانقسام وآثارهما الاقتصادية والاجتماعية على قطاع غزة" أن الحصار الإسرائيلي لقطاع غزة يتميز في كونه الأكثر بشاعة وهمجية سواء في دوافعه وأسبابه الاقتصادية والسياسية المباشرة أو الآنية، أو في دوافعه السياسية البعيدة المدى وفق المخطط الإسرائيلي، مشيراً إلى أنه حصار يستهدف تفكيك البنيان السياسي الاقتصادي الاجتماعي الثقافي للشعب الفلسطيني كله، وإيصاله إلى حالة من الإحباط واليأس عبر تراكم عوامل الإفقار والمعاناة والحرمان التي تمهد بدورها إلى إرباك الأولويات في الذهنية الشعبية الفلسطينية تجاه الصراع مع العدو والصمود في مواجهته ومقاومته، ليصبح أولوية ثانية أو ثانوية، لحساب أولوية توفير الحد الأدنى من مستلزمات الحياة ولقمة العيش، ارتباطاً بانسداد الأفق السياسي، وتفاقم مظاهر البطالة والفقر التي تراكم بدورها مظاهر الإحباط واليأس.

 

ولفت الصوراني أنه في ظل انسداد الأفق باتت "الكابونة" أو "سلة الغذاء" المدفوعة الثمن من الخارج، ملاذاً يسعى إليه المحرومين مع اضطرارهم إعلان الولاء لهذه الجهة "المغيثة" أو تلك من الأحزاب والفصائل أو المنظمات غير الحكومية لا فرق عندهم في ظل تراجع الآمال بالنسبة للاستقلال والوحدة الوطنية، حسب قوله.

 

وأضاف أنه في ظل انتشار البطالة والفقر المدقع والعوز والحرمان بصورة غير مسبوقة في قطاع غزة، تعمقت وتزايدت بعد العدوان الهمجي نهاية كانون أول (ديسمبر) 2008 وأول كانون ثاني (يناير) 2009 الذي أعاد إلى أذهان العالم صور ومشاهد المحرقة النازية في القرن الحادي والعشرين الأكثر بشاعة من سابقتها، بما يؤكد على أن الهدف الإسرائيلي منذ فرض الحصار والعدوان والعودة مجدداً للحصار، هو تحديداً استمرار تفكيك النظام السياسي الفلسطيني وانقسامه، بما يضيف إلى الذرائع الإسرائيلية في رفضها لمبدأ قيام دولة فلسطينية مستقلة، ذرائع فلسطينية داخلية تتقاطع مع الرؤية الإسرائيلية بطريق مباشر أو غير مباشر.

 

وأشار الصوراني في ورقته إلى عدد من الحقائق أهمها أن الاقتصاد الفلسطيني يعتمد بدرجة عالية على الدول المانحة المنحاز القسم الأكبر منها لسياسات العدو الإسرائيلي، والتي أدت إلى مزيد من مظاهر التبعية والتخلف والخضوع، كما أن هناك تراجعاً حاداً في الدور العربي الرسمي، لافتاً أن هذا أمر غير مستغرب بالنظر إلى خضوع وارتهان النظام العربي الرسمي عموماً، وأنظمة النفط خصوصاً للسياسات الإمبريالية وشروطها، مشدداً على ضرورة وجود دور عربي لفك الحصار وفتح سوق العمالة العربي لعمالنا العاطلين عن العمل .

 

وأكد الصوراني أن الاقتصاد الفلسطيني يتعرض لحالة من التراجع الكبير في كل أنشطته، الأمر الذي يكرس العديد من الصفات التي تميز الاقتصاد الهش والضعيف والمأزوم وتميز المستقر، من أهمها أن معدلات البطالة والفقر العالية تضعف من ترابط النسيج الاجتماعي، وتؤدي إلى تشويه كبير في البنية الهيكلية للاقتصاد، تتجسد في انخفاض مساهمة القطاعات الإنتاجية (الصناعة، الزراعة) في الناتج المحلي الإجمالي، لصالح الأنشطة المنخفضة الإنتاجية والمتدنية الأجور، وانتقال أعداد كبيرة من العمال في القطاع المنظم إلى القطاع غير المنظم، وانتقال منشآت عديدة إلى البلدان المجاورة، ولجوء آخرين إلى الاستثمار في الخارج، فضلاً عن حدوث هجرة أصحاب الكفاءات إلى الخارج، واستمرار سوء توزيع الدخل والاستهلاك وبروز شرائح جديدة من أثرياء الأنفاق وتجار السوق السوداء والتهريب، مقابل ازدياد عمليات التهميش والإقصاء في الشرائح الفقيرة والمعدمة.

 

أما بالنسبة للمأزق الاقتصادي الذي يتعرض له قطاع غزة اليوم أشار الصوراني إلى أنه يتمثل في مجموعة من المؤشرات، مثل انخفاض الدخل الحقيقي للفرد إلى أكثر من 50 % عما كان عليه عام 1999، إذ أنه بلغ في ذلك العام حوالي 1750 دولار للفرد في السنة، هبط في قطاع غزة إلى حوالي 850 دولار فقط عام 2008.

 

ولفت إلى أن الفقر لا يتوقف عند نقص الدخل أو البطالة و انخفاض مستوى المعيشة، بل يشمل أيضا غياب الإمكانية لدى الفقراء وأسرهم من الوصول إلى الحد الأدنى من فرص العلاج وتأمين الاحتياجات الضرورية، مشيراً أن الأخطر من هذه الظاهرة من استفحال الفقر و البطالة قد ساهمت في توليد المزيد من الإفقار في القيم مما سهل و يسهل استغلال البعض من الفقراء والمحتاجين في العديد من الانحرافات الأمنية و الاجتماعية بحيث لم تعد ظاهرة الفقر مقتصرة على الاحتياجات المباشرة، بل أصبح مجتمعنا الفلسطيني عموماً يعيش فقراً في القيم و فقراً في النظام و في القانون والعدالة الاجتماعية والسبب الرئيسي في ذلك لا يعود إلى الحصار الأمريكي الإسرائيلي فحسب، بل أيضاً إلى الانقسام واستمرار الصراع بين "فتح" و"حماس"، والآثار السياسية والاقتصادية الضارة الناجمة عنه.

 

وتطرق الصوراني في ورقته إلى دراسة أعدتها جامعة "هارفارد" الأمريكية التي حذرت من احتمال زيادة دراماتيكية في أعمال العنف وعدم الاستقرار في قطاع غزة وانهيار البنى التحتية لخدماته العامة إذا ظل الوضع الاقتصادي والمعيشي والأمن الإنساني على حاله.

 

وأشار الصوراني أن الحصار المفروض على غزة دفع بنحو 84 % من الأسر الفلسطينية إلى تغير أنماط حياتها فيما تنازل 93 % منهم عن المتطلبات المعيشية اليومية، وعبر 95 % عن استيائهم الشديد لتحويل القطاع إلى سجن كبير كما تؤكد تقارير "برنامج غزة للصحة النفسية" الصادرة خلال عامي 2008/2009، مشيراً إلى تأثير الحصار على المرضى وخاصة مرض الفشل الكلوي والسرطان والمرضى المحولين للخارج ، إلى جانب نسب النقص في الأدوية وانقطاع التيار الكهربائي عن المستشفيات، وتأثير الحصار على البيئة، حيث أكدت العديد من المصادر أن مياه البحر تلوثت بشكل حاد حيث تصب فيه 50 % من مياه الصرف الصحي (ما يعادل 77 مليون لتر من المياه العادمة).

 

أما انعكاس الآثار السلبية للحصار والعدوان على الأطفال من النواحي الصحية والاجتماعية والنفسية، أشار إلى نتائج دراسة للدكتور سمير قوته أكد فيها أن 51 % من الأطفال لم تعد لديهم الرغبة في المشاركة في أية نشاطات وأن 47 % منهم لم يعودوا قادرين على أداء الواجبات المدرسية والعائلية، وأصبح 48 % منهم يعانون من أمراض سوء التغذية إلى جانب بروز علامات الخوف والقلق على 61 % منهم، بالإضافة إلى انتشار ظاهرة التسول المباشر وغير المباشر بصورة غير مسبوقة وخاصة بين الأطفال دون الخامسة عشر في شوارع غزة وخانيونس ورفح بعد أن فقدوا بهجة الحياة نتيجة الحصار والفقر وسوء التغذية الذي أدى إلى انتشار أمراض فقر الدم (الانيميا) في المناطق الفقيرة .

 

وفي محاولة منه للخروج من المأزق المعقد الراهن، دعا الصوراني لبذل الجهود المكثفة من أجل إعادة الاعتبار لتوصيف المرحلة بوصفها مرحلة تحرر وطني وديمقراطي، وتفعيل مشاركة الجماهير، والعمل على مواجهة العراقيل والأعباء الناجمة عن مواقف العدو الإسرائيلي/الأمريكي والقوى العربية الرسمية والقوى الإقليمية والدولية الداعمة أو المنسجمة مع تلك المواقف.

 

كما طالب بضرورة تشكيل حكومة ائتلاف وطني، أو "حكومة وحدة وطنية"، على أساس وثيقة الوفاق الوطني، لحماية المشروع الوطني وثوابته وحماية المجتمع الفلسطيني وتفعيل مضمون الوحدة الوطنية، حسب قوله.