خبر مناشدة مواطنة فلسطينية عبر صحيفة محلية تفتح ملف مستشفى الولادة بغزة

الساعة 06:09 ص|07 سبتمبر 2009

مواطنون: التقصير موجود وسوء المعاملة سمة بارزة

أطباء: أنقذنا حياة ما لا يحصى من الأمهات والمواليد

مدير المستشفى: الأطباء المختصون في المستشفى يفوق الأطباء العامين

مدير المستشفيات: يتم تشكيل لجنة تحقيق في أي شكوى عن الخدمات الصحية

فلسطين اليوم – صحيفة فلسطين

فتحت مناشدة المواطن عبد الرحمن الخضري، لرئيس الوزراء، والتي نشرتها صحيفة "فلسطين" واتهم فيها مستشفى قسم الولادة بمشفى الشفاء بغزة، بالإهمال الذي أودى بحياة مولودته، ورد الوزارة التي نفت فيه هذه الاتهامات، ولامت الصحيفة على نشر المناشدة، الباب على مصراعيه للتحقيق في حقيقة الأوضاع داخل المشفى، لاسيما في ظل وجود كثير من الملاحظات للمواطنين عليه.

 

ومما لا شك فيه أن مستشفى الولادة بغزة، يلعب دورا مهما، في توفير خدمات التوليد للكثير من الفئات الفقيرة، في المجتمع، بالاضافة إلى خدمة النساء ذوات الحمل الخطر. لكن المواطن عادة قد ينظر إلى الجزء الفارغ من الكأس، والمتمثل بخشونة المعاملة من قبل بعض العاملين، والشعور بالإهمال من قبل طواقم المشفى.

 

"فلسطين" جمعت روايات لمواطنين اشتكوا من وجود إهمال وتقصير متعمد من قبل أطباء عاملين في مشافي قطاع غزة، بالاضافة الى تأكيدهم على وجود "سوء معاملة" من قبل بعض طواقم المشفى.

 

لكن إدارة المشفى، والعاملين فيه، ينفون بشدة هذه الاتهامات، لافتين إلى الدور الكبير والحمل الثقيل الذي تحمله المشفى، في خدمة المواطنين، وإنقاذها لما لا يحصى من الأمهات والمواليد، خاصة من أصحاب الحالات الحرجة، وخدمتها لقطاعات واسعة من أصحاب الدخل المحدود.

 

شهادات المواطنين

 

المواطنة حنين (ح)، تقول إنها فقدت طفلها نتيجة عدم متابعة الأطباء لحالتها رغم علمهم بوجود ثقب في إحدى رئتي الجنين، حيث تأخر الأطباء في تقرير العملية القيصرية لها حتى خرج الجنين متعباً وتوفي بعد يومين-حسب قولها. وتقول لـ"فلسطين":" قرر الأطباء أن أجري عملية قيصرية بعد ثلاث ساعات من وجودي في المستشفى، وبعد أن توسع الرحم أكثر وقارب الجنين على النزول".

 

وتضيف: "لما أنجبت، كان الطفل مرهقاً جدا، لأنه يعاني من ثقب في إحدى الرئتين، وكان الأطباء على علم بذلك، فوضع في حضانة المستشفى، وتوفي بعد ذلك بيومين".

 

"كان بإمكان الأطباء القيام بعملية الولادة في مدة زمنية أقل، مما يحمي الطفل من الإجهاد ويحافظ على حياته، لكنهم لم يفعلوا"، تتابع حنين.

 

في هذا المجال يؤكد د. بهاء الغلاييني، مدير مركز البسمة للإخصاب، أن اتخاذ القرار بالعملية القيصرية من عدمها يرجع لتقدير الطبيب المشرف على الحالة، ومتابعته لفحوصات الحامل ونبض الجنين وتوسع الرحم وحجم الجنين. واعتبر أنه من الأفضل القيام بخطوات احترازية كتجهيز غرفة العمليات، وإعلام طبيب التخدير بموعد العملية لمنع وقوع الأخطاء في عملية الولادة.

 

فاقدة الوعي

 

أما المواطن أسامة السعداوي فما زال حتى اليوم يتنقل بين مراكز العلاج الطبيعي، والعيادات الطبية في محاولة منه لعلاج ابنه الذي أصيب (بخلع في كتفه)، نتيجة عملية ولادة قاسية مرت بها زوجته وطفله الثامن.

 

ويقول لـ"فلسطين" :" أخذت زوجتي وابني إلى البيت بعد يوم كامل في المستشفى، وفي الطريق لاحظت أن إحدى يدي الطفل لا تتحرك، اعتقدت أن ذلك طبيعي لأنه نائم، وفي البيت اكتشفنا أن يده لا تتحرك أبدا". ويضيف: "أخذناه على طبيب خارجي، وهناك أخبرنا أن الطفل يعاني من خلع الكتف، نتيجة الولادة، ولما راجعنا التقرير الطبي لم نجد ذاك مدوناً في التقرير".

 

أشد غرابة

 

ومن الحالات الأخرى، وربما هي أشد غرابة من سابقتها، أن تنجب الأم واقفة، فالمواطنة أية (ب) بعد دخولها المستشفى وإتمامها كافة الإجراءات، قرر لها الطبيب الولادة بعد أقل من ساعة وتركها وغادر المكان.

 

وتقول شارحة الموقف لـ"فلسطين":" بعد أن فحصني الطبيب، أخبرني أني سألد بعد قليل وتركني وغادر، ولما لم أستطع التحمل، وقفت حتى أنادي على الممرضات، وحدثت عملية الولادة".

 

والمواطن رامز صبح توفيت ابنته بعد ولادتها فاقدة الوعي نتيجة تلف حاد في خلايا الدماغ، ناتج عن خلل وراثي حسب ما أخبره الأطباء في المستشفى، وعندما أخذها للعلاج في "إسرائيل" تبين له أن ابنته توفيت بسبب نقص حاد في الأكسجين أتلف خلايا دماغها، وأدخلها في موت سريري.

 

يقول صبح " توفيت ابنتي بسبب نقص الأكسجين، ولم يكن السبب مرض وراثي، كما أخبرني الطبيب المسئول عن الولادة" وأضاف " حاولت أن أشكو الطبيب لكن بصورة غير رسمية، مع العلم أنه لم يذكر سبب مرض ابنتي في تقريره".

 

سوء المعاملة

 

أما عن سوء المعاملة داخل القسم، فتتباين الشهادات، حيث يؤكد الكثير من زوار المشفى وجود معاملة إنسانية واهتمام من بعض العاملين. لكن شهادات أخرى كثيرة ومتواترة تؤكد فيها الكثير من النساء اللواتي زرن المشفى لغرض الولادة أو مرافقة المريضات، أن بعض العاملين، (بعض الأطباء والقابلات والممرضات) يتلفظون بألفاظ غير لائقة في كشك الولادة للنساء بعضها تخدش الحياء وتفقد السيدة كرامتها وخاصة عندما تكون في وضع لا يحسد عليه من شدة الآلام والأوجاع .

 

فتقول المواطنة "هبة" أنها دخلت المشفى بغرض ولادة ابنها البكر، كانت تبكى من شدة الألم والخوف، فما كان من الطبيبة إلا ان قامت بقرصها وضربها على قدميها، الأمر الذي زاد بكاءها، وأصرت على زوجها أن يخرجها فورا من المشفى، وهو ما حدث، حيث قام بنقلها إلى مشفى خاص، أكدت فيه أنها وجدت كامل الاحترام والتقدير وحسن المعاملة.

 

أما سمير منصور، فأكد أنه سمع بأذنه احدى القابلات، تتلفظ بعبارات خادشة للحياء، تعتذر الصحيفة عن نشرها، بحق احدى النساء التي كانت تصرخ من شدة ألم المخاض.

 

وكان المواطن عبد الرحمن الخضري، قد اتهم في مناشدته لوزارة الصحة، أحد الأطباء بشتم النساء اللواتي كن في حالة المخاض، بألفاظ جارحة. لكن وزارة الصحة في ردها الذي نشرته صحيفة "فلسطين" نفت بشدة هذا الأمر.

 

اعتراض وامتناع

 

وردا على شكوى عبد الرحمن الخضري، وشكاوي المواطنين المختلفة، توجهت "فلسطين" إلى مستشفى الشفاء، للقاء د. أكرم الشيخ خليل رئيس قسم الولادة في مكتبه في المستشفى للاستيضاح عن بعض القضايا المثارة حول القسم، وبالمصادفة كان رقيب وزارة الصحة يجتمع مع الأطباء المختصين للتحقيق في شكوى الخضري، ولمّا حاولنا التحدث معهم، رفض الأطباء الإدلاء بأي تصريح يخص الموضوع، قائلين "الصحيفة لم تكتف بالتشهير بنا، وأرسلت لنا من يحقق في الموضوع"، مهددين أنه في حال ثبت بالتحقيق بطلان الشكوى، سيقاضون صحيفة "فلسطين" بتهمة التشهير.

 

واستغرب الأطباء قول المواطنين بوجود باعة متجولين أو قطط في قسم الولادة، قائلين "زمن الإهمال ولى، ونحن لا نرى قطط في الشوارع حتى نراها في القسم"، داعين لجنة المراقبة بإيقاف التحقيق بحجة أن المواطن مُقدم الشكوى ضد المستشفى "أخد حقه بالتشهير".

 

واستهجن الأطباء الإدعاء بأنهم تلفظوا بألفاظ بذيئة للنساء، معتبرين ذلك تحريضا وكذب، ولا أساس له من الصحة، قائلين "عملنا مع مختلف الديانات، من مسلمين ومسيحيين وهندوس وملحدين، ولم ننقص من احترامهم بالألفاظ أو التصرفات" متسائلين " لماذا ننقص من قدر أبناء شعبنا".

 

وتابعوا يقولون:" المشفى أنقذ ما لا يحصى من أرواح النساء والمواليد، خاصة من أصحاب الحمل الخطر، ووجود بعض الأخطاء لا ينقص المشفى دورها الرائد في خدمة المجتمع.

 

ومن جهته رد  د. الشيخ خليل على الاتهامات الموجهة لقسمه قائلا " في بعض عمليات الولادة، يلجأ الأطباء لاستخدام مساعدات صناعية "كالتحاميل" لمساعدة المرأة على الإنجاب، وهذه المساعدات تأخذ من 4إلى 6 ساعات، مما يشعر المرأة أن الطبيب قد أهملها"، مضيفا " صحة الأم والجنين تهم الطبيب كما تهم الأم نفسها، لذلك من الخطأ نعته بالمقصر إذا ما طال الوقت قليلا".

 

وعن الاتهامات بسوء معاملة نزيلات المشفى رد قائلا: " نتيجة الازدحام والضغط الذي يتعرض له الأطباء والممرضين في عملهم، يتحدثون مع المرضى بصوت عالٍ، مما يدفع الأهل إلى تفسيرها على أنها شتائم، وعدم احترام"، مضيفا " راجعنا الأطباء في الشكاوي حول الألفاظ غير اللائقة، وأكدوا أنهم لا يتلفظون بها، حتى في أكثر  الأوقات عصبية وضغط".

 

اهتمام وتجهيزات

 

وأكد الشيخ خليل على أن عدد الأطباء المختصين في المستشفى، يفوق بكثير عدد الأطباء العامون، وأغلبهم حاصل على درجات جيدة من التعليم الأكاديمي.

 

وفي معرض رده عن استفسارنا حول ترك النساء يتألمن لساعات دون اهتمام أو رعاية قال " لأول مرة منذ استلام السلطة الفلسطينية لغزة والضفة، تجري عمليات الإجهاض تحت التخدير الكامل، بالإضافة إلى أن المسكنات متوافرة لجميع الحالات بدون أي استثناء"، مؤكدا على أن أخطاء الولادة كخلع الكتف مثلا، أصبحت نادرة الحدوث، نظرا لوجود عدد من الطرق الصحية للتعامل مع الأجنة في حالة الولادة.

 

وأشار الشيخ خليل إلى أن معظم حالات الولادة المتعسرة تحول من مستشفيات أخرى في القطاع ويتم التعامل معها بحرفية وأمانة بمستشفى الشفاء، على حد قوله.

 

وتابع يقول" :" القسم مزود بعدد من الأجهزة اللازمة أثناء عملية الولادة، للحفاظ على سلامة الأم والجنين"، معددا " جهاز إمداد الأكسجين، وجهاز مراقبة الجنين، وجهاز تلفزيون متنقل داخل "الكشك" لمراقبة الحالات، بالإضافة إلى الأسرة المرتبة، والأغطية النظيفة، ووجود ممرضات لمراقبة الحالات عن كثب".

 

وأضاف " كشك الولادة مقسم إلى عدة أقسام تفصل بينها ستارة، وليس كما يدعي البعض أن أقسامه مفتوحة على بعض، فهو قسم مختص".

 

وأكد الشيخ خليل على أن أي حالة يرى الأطباء أنها على قدر كبير من الخطورة، يتابعها الطبيب المناوب، والمختص، ورئيس القسم، ورئيس المستشفى شخصيا، مشيرا إلى أن قسم الحضانة داخل المستشفى يهتم بالجنين، ويتابع حالته سواء كان مريض أو صحيح، قائلا " قسم الحضانة يتجاوز تعامله مع الطفل بعد الولادة إلى ما قبلها، فهو يتابع الطفل وهو في بطن أمه إلى حين نزوله".

 

وزارة الصحة

 

كما تحدثت "فلسطين" إلى مدير عام مستشفيات القطاع الدكتور محمد الكاشف، حول شكاوى المواطنين، الموجهة إلى مشفى الولادة، والذي رد قائلا: "أي شكوى عن الخدمات الصحية في مستشفيات القطاع تأخذها الوزارة بعين الاعتبار ويتم تشكيل لجنة تحقيق من إدارات مختلفة، وإذا ثبت وجود خطأ ما يتم التعامل معه".

 

وأضاف: "إذا ثبت وجود خطأ من طبيب معين، تقدم الوزارة لفت نظر له، وهناك حالات يتم فيها التوقيف عن العمل العام والخاص، وأحيانا سحب رخصة مزاولة المهنة، أو تحويله إلى عمل إداري بعيدا عن عمله كطبيب".

 

واعتبر أن الشكاوى تعد "لاغية" إذا كان سبب وفاة الجنين تشوهاً خلقياً مثلا، أو حالة تؤدي إلى الوفاة في الأصول الطبية والعلمية، "أو إذا تناقضت أقوال المواطن والطبيب، وثبت براءة الطبيب، أو كانت الوفاة في الرحم، قبل عملية الولادة".

 

وعن الحالات التي لا يكتب فيها الطبيب تقريراً بالخطأ الذي حدث، قال:" هناك بعض الأطباء ينسون كتابة التقارير نتيجة زحمة العمل، والبعض يعرض عن كتابتها متعمدا"، وأضاف: "حاليا قمنا بإتباع سياسة جديدة في مجال الصحة، تفيد بإلزامية كتابة المراحل العلاجية للحالة على ظهر تذكرة الخروج".

 

وعن دور وزارة الصحة في محاربة الإهمال الذي يتعرض له المرضى في الأقسام المختلفة في المستشفى، وخاصة أقسام الولادة، أضاف:" تقوم الوزارة بالتفتيش الليلي على المستشفيات، وتركب صندوق للشكاوى في كل مستشفى يكون مفتاحه بحوزة مكتب الوزير".

 

وشدد على أن الوزارة لا يمكن لها ترك الأطباء والممرضين تحت "رحمة الخلافات الشخصية"، وقال:" لا يمكن ترك الطبيب للتعامل مع الجمهور مباشرة أو تعريضه لمحاكمات جنائية ونيابية، فهو في حماية وزارة الصحة". وبرر الأخطاء التي تحدث في مستشفيات القطاع، قائلاً: "نسبة الأخطاء في غزة أقل بكثير من غيرها، ونحن نسعى إلى تقليلها أكثر".

 

وعن المعاملة السيئة التي يتعرض لها المواطنون في أقسام الولادة، قال: "العاملون في وزارة الصحة يكتسبون أخلاقهم وثقافتهم من الوسط المحيط"، مؤكداً أن الوزارة تلفت العاملين إلى ضرورة معاملة المرضى بصورة إنسانية، "والمراقبة تبقى من ضمائرهم"، حسب قوله.