خبر استقرار ميزان الردع..هآرتس

الساعة 10:37 ص|04 سبتمبر 2009

بقلم: يئير عفرون

بروفسور في جامعة تل ابيب وباحث كبير في معهد بحوث الامن القومي

بعض من البحث في مسألة النووي الايراني يعنى بمسألة كيف يمكن وهل هو ممكن على الاطلاق منع التسلح النووي الايراني؛ وبعضه الاخر يعنى بمسألة ماذا ستكون نتائج هذا التسلح اذا ما حصل حقا. سأتناول هنا القسم الثاني من البحث. اولا، التشبيه المتكرر بين التسلح النووي لايراني وبين الكارثة ليس فقط غير صحيح بل انه يضر التفكير العقلاني والبارد، والذي هو ضروري في كل بحث في مواضيع الامن القومي ولا سيما في المواضيع النووية.

ثانيا، ايران بدأت تطور بنية تحتية نووية اولا وقبل كل شيء كي تتصدى للتهديدات، وليس لهدف ابادة اسرائيل. اولا تجاه العراق وقدرته المتوقعة بتطوير سلاح نووي، وبعد ذلك كردع تجاه دول نووية، في محيطها الاستراتيجي. وأخيرا، وأساسا، اسرائيل تعتبر في العالم كصاحبة قوة نووية بارزة جدا وذات قوة الضربة الثانية.

النظام الايراني ينتهج سياسة متطرفة وعدوانية تجاه اسرائيل، ولهذا فان ايران نووية هي تهديد وجودي كامن على اسرائيل. ولكن، في الرؤية الايرانية، بذات المدى  فان القدرة النووية الاسرائيلية هي تهديد وجودي على ايران، اذا ما فشل الردع. هكذا هو الوضع بين كل خصمين. المسألة المركزية في العلاقات هي استقرار ميزان الردع المتبادل.

درس أساس من تاريخ العصر النووي بين القوتين العظميين إبان الحرب الباردة كان أن استقرار الردع النووي منوط بجملة عوامل سياسية، استراتيجية وتكنولوجية. في ظل غياب هذه، في اوضاع الازمة تتصاعد جدا احتماليات التصعيد لدرجة الصدام النووي. وهذا حصل بالفعل في ازمة كوبا في 1962. الكثير قيل وكتب عن هذه الازمة؛ وها هو كتاب نشر قبل نحو سنة "One Minute to Midnight" يصف، على اساس مواد جديدة، احداث الازمة ولا سيما 27 تشرين الاول. ويتضح منه أن احداثا لم يكن ممكنا التحكم بها رفعت القوتين العظميين الى درجة حرب نووية تقريبا. وعليه، فمنذ تلك الازمة بدأت عملية بطيئة من الجهود بين القوتين العظميين، عرفت لحظات صعود وهبوط، لانتاج ظروف الاستقرار النووي.

في الشرق الاوسط المليء بالنزاعات والتوترات فان ميزان ردع اسرائيلي – ايراني من شأنه أن يعاني من نقص واضح في الاستقرار. والمعنى هو انه في اوضاع الازمة من شأن اصحاب القرارات (في الطرفين) ان يفسروا على نحو غير سليم سلوك الطرف الاخر، وسيتعين عليهم أن يتخذوا، في فترة زمنية من دقائق، قرارات مصيرية.

هذا وضع شبه متعذر. وهاكم مثالا واحدا من طيف من السيناريوهات المحتملة: لنفترض أن جهاز الرادار الاسرائيلي التقط اخطارا بحركة صواريخ من الشرق باتجاه اسرائيل. ليس واضحا اذا كانت هذه تحمل رؤوسا متفجرة نووية، او ربما تقليدية، او مصدر اطلاقها. فهل ينبغي المسارعة الى الرد على مثل هذه الحركة؟ في هذا السياق جدير بالذكر أن منظومات الانذار المبكر من شأنها ايضا ان تخطىء (هكذا كان في حالة "الاوز البري" في 1979، حين فشلت منظومات الانذار المبكر الامريكية).

الخطر الكامن في ايران نووية لا ينبع من الكراهية المتطرفة والتزمت الديني اللذين من شأنهما أن يؤديا ظاهرا الى هجوم نووي مفاجيء على اسرائيل. هذا لن يحصل بسبب التهديد المتبادل. التهديد كامن في أوضاع أزمة من شأنها أن تؤدي الى قرارات مغلوطة واخفاقات فهم بالنسبة لنوايا الخصم.

يمكن تلطيف حدة هذه المخاطر. اولا، من خلال تطوير منظومات متطورة من القيادة والتحكم، سواء في الجانب التكنولوجي ام في الجانب البشري. ثانيا، من خلال ترتيبات امنية اقليمية. ثالثا، من خلال محاولة فتح قنوات اتصال – ربما من خلال أطراف ثالثة – بين اسرائيل وايران في ادارة اوضاع الازمة.

ولكن الخطوة الاهم يجب أن تكون تقليص احتمالية اندلاع ازمات اقليمية قد تقع فيها اخفاقات الردع. يجب بذل جهد كبير للتعزيز قدر الامكان للاستقرار السياسي في المنطقة. وهكذا مثلا، تسوية امريكية – اسرائيلية – سورية هي حيوية للغاية لتوسيع الاستقرار في الجبهة السورية – اللبنانية.

لمثل هذه التسوية، المرغوب فيها على أي حال من ناحية المصلحة الاسرائيلية، أهمية حاسمة في سياق الردع الاسرائيلي – الايراني. غريب أن حكومة اسرائيل التي تصرخ بالتهديد الايراني، لا تفهم بان تسوية سياسية باعثة على الاستقرار مع سوريا أهم بكثير من الجدال على قطع من الاراضي الاقليمية.

وأخيرا، كدرس عمومي من العصر النووي: السلاح النووي يستهدف فقط الردع ولا يستهدف الاستخدام الحقيقي.