خبر كتب : عريب الرنتاوي .. أية مصائر تنتظر «غزيّي الإمارات»؟!

الساعة 08:16 ص|04 سبتمبر 2009

أية مصائر تنتظر «غزيّي الإمارات»؟!

كتب : عريب الرنتاوي

لا ندري أية "أسباب أمنية" تدفع بدولة الإمارات العربية المتحدة للاستغناء عن خدمات مئات الفلسطينيين من حملة الوثائق ، وكيف صادف أن تورط جميع هؤلاء في مؤامرة للمس بأمن الدولة الشقيقة ، ولماذا هذا الاستهداف المركز لحملة وثائق السفر المصرية والفلسطينية والأردنية بالذات ، وهل لتوقيت عمليات الطرد والتسفير صلة بالأزمة المالية والاقتصادية العالمية ، أم أن الأخيرة تتخذ غطاء لتمويه الأهداف الحقيقية لهذه العمليات ، هل للمسألة صلة بما يقال ويشاع عن "فرصة أوباما للسلام في المنطقة" ، هل هي إجراء استباقي للحيلولة دون توطين هؤلاء او طلب توطينهم في دولة الإمارات مستقبلا؟،.

 

أسئلة وتساؤلات ، ما انفكت تلاحقنا منذ عدة أسابيع ونحن نستمع لأنباء متواترة عن إنهاء خدمات دفعات متتالية من الغزيين ، والطلب إليهم مغادرة البلاد على عجل ، وأحيانا في غضون أيام وساعات معدودات ، مع كل ما يترتب على ذلك من قصص وكوارث إنسانية واجتماعية ، ناهيك عمّا تشيعه من مناخات خوف وقلق وتحسب يعيشها آلاف الفلسطينيين من حملة الوثائق.

 

لا يمكن لكل ذي عقل سليم أن يصدق بأن تكون شريحة من الشعب الفلسطيني (في هذا الحالة الفلسطينيين من حملة الوثائق) متورطة بجملتها في أعمال مخلة بأمن الإمارات ومهددة لاستقرارها ، ولا يمكن لشريحة بأكلمها أن تستفيق ذات صباح ، وبعضها قضى في الإمارات أربعة عقود أو يزيد ، فتجد نفسها على قارعة الطريق عقابا لها على ذنب لم تقترفه ، ولا يمكن تصور أن تكون المساعدة العربية لأهل غزة وسكانها المجوعين والمحاصرين ، بإلقاء المزيد من أبنائهم المغتربين والمشردين على قارعة معبر رفح المغلق بإحكام ، وهل نكافئ أهالي غزة البواسل على صمودهم الأسطوري بزيادة معاناة إخوانهم المغتربين ، وتقطيع آخر شرايين الدعم والتحويلات التي تقتات منها مئات العائلات الفلسطينية التي يعمل أبناؤها في الخليج.

 

الفلسطينيون في الخليج تعلموا الدرس من تجاربهم المريرة خلال السنوات الخمسين الماضية ، وهم دفعوا أثمان بقائهم او في دول الخليج أو تسفيرهم عنا من جيوبهم وأكياسهم ، وباتوا بعد "درب الجلجلة" الطويل هذا ، قوة استقرار في دوله ومجتمعاته ، وهم الذي كانوا قوة مؤسسة لنهضته ومدنيته ، والغزيّون من بين الفلسطينيين جميعا ، هم أكثر الناس جنوحا للتزام بالقوانين المرعية والتقيد بها ، فهم يعرفون ماذا ينتظرهم إن هم واجهوا محنة التفنيش والإبعاد والتسفير ، لذا تراهم يعملون بالمثل الشعبي الفلسطيني: "إمشي الحيط وقل يا رب السترة" ، و"اربط الحمار محل ما بدّه صاحبه" ، ولهذا نجد صعوبة في تصديق "حكاية الأسباب الأمنية" ، ونرجح عليها "رواية القرار السياسي" النابع من بعض الحسابات والتخوفات.

 

وفي ظني ، وليس كل الظن إثما ، أن المحرك الأكبر لعمليات الإبعاد والتسفير لحملة الوثائق بالذات ، إنما يكمن في انتباه العالم على "مشكلات العمالة الوافدة" في الإمارات مؤخرا ، وتنامي المطالبات الدولية بإعطاء هؤلاء حقوقهم العمالية والمدنية ، واستتباعا - ربما في وقت لاحق - حقوقهم السياسية كذلك ، الأمر الذي يثير قلق الدولة قليلة السكان ، ويدفعها للتصرف بهذا الطريقة أحيانا.

 

وإذ يتزامن كل ذلك مع انتعاش رهانات عملية السلام ، واحتمالات التوصل لاتفاق نهائي ينص من ضمن ما ينص على توطين الفلسطينيين في الدول التي يقيمون فيها ، فإن تسفير من لا يحمل "جنسية موثوقة" ، وقادر بموجبها على العودة إلى بلده في أية لحظة ، يبدو إجراء استباقيا ووقائيا في الوقت ذاته ، يقطع الطريق على أية مطالبات لاحقة بتوطين هذه الشريحة من الفلسطينيين ، لا سيما أن بعضهم لم يعرف له بلدا غير الإمارات ، وربما لم يغادرها منذ أن أطلق صيحته الأولى طفل رضيع.

 

مؤسف أن يدفع الفلسطينيون عموما - والغزيون على وجه الخصوص - الأثمان الباهظة لعجز العرب وتخاذلهم مرتين ، الأولى ، حين يطلب إليهم التخلي عن حقهم في العودة إلى وطنهم ، والثانية حين يساقون إلى دفع ثمن "رفض التوطين" في الدول التي يقيمون بها ، سلفا ومقدما ، ومن حقوقهم المدنية وحياتهم اليومية ولقمة عيشهم ومدارس أبنائهم.

 

نأمل أن تصل صرخات الغزيين واستغاثاتهم إلى أسماع المسؤولين في دولة الإمارات الشقيقة ، التي يكن لها الفلسطينيون ولمؤسسها الشيخ زايد بن سلطان آل نهيّان ، كل مشاعر الود والتقدير والاحترام ، ويتمنون على خليفته وأبنائه وأشقائه في الإمارات السبع ، السير على طريق الحكمة والعقل التي شقها الراحل الكبير باقتدار وتبصر.