خبر أفغانستان.. بلـقان جديدة تصنعها الدول الكبرى ..أيمن خالد

الساعة 07:48 ص|21 أغسطس 2009

أفغانستان.. بلـقان جديدة تصنعها الدول الكبرى ..أيمن خالد

21/08/2009

مدارات – القدس العربي

من يستطيع التصديق؟؟ أن بضعة آلاف من المقاتلين الأفغان، يتوزعون على أراضٍ اغلبها مقفرة، ويملكون سلاحا فردياً أغلبه من مخلفات الروس، من يصدق أن هؤلاء هم الخطر على السلم العالمي، وان الأمر يستوجب أن تحضر جيوش الدول الكبرى للحرب هناك وتوريط من لا يريد الحضور بالمشاركة بشكل أو بآخر، وإغراق قبائل المنطقة ودويلاتها، وغيرها بهذه الحرب.

فلو كان هذا المنطق صحيحا، فان كل مجموعة مسلحة في هذا الكون تستوجب حشدا أُممياً لسحقها. فمثل هذه السذاجة لا يراها الذين يطرحون الأسئلة المثيرة للشكوك، فماذا يريد الغرب من الحرب في أفغانستان، فما فعلته القاعدة في أمريكا وغيرها، إذا أردنا رؤيته من حيث المنطق العلمي في مواجهة الخصم، أو الإرهاب من وجهة نظر هذه الدول. فالأمر إنما يفرض صحوة في أجهزة الأمن في تلك البلدان للحفاظ عليها من الداخل، لأن جر الجيوش لمطاردة القاعدة في كهوف وتلال تورا بورا لا يحقق الحماية لهذه البلدان من الداخل مطلقاً، فما جرى في داخل تلك الدول، يندرج من باب العمل الأمني لا غير، ويستوجب صحوة أمنية مماثلة لمنع تكرارها، كما ان قصف أفغانستان كان في ذلك الوقت مجرد عملية ثأرية، يمكن أن يرى البعض له مبررات معينة، رغم أن الخاسر الأكبر كانوا مدنيين لا غير، وأما أن تزحف الجيوش العظمى، وتجتمع طاقات هائلة بغاية هزيمة رجال يعيشون في الجبال فذلك سخف، وأقل من أن نصدقه.

أنا لا أرى، أن هناك حربا أمريكية أو صليبية كما يقال موجهة إلى الإسلام عبر تلك المنطقة، ولا أرى أن أمريكا تستهدف الإسلام كدين هناك، فمثل هذه الصورة غير منطقية، فأطماع تجار الحروب، لا يحركها استعجال نزول المسيح، فالنبوءات كلها لم ولن تتوصل إلى نزول المسيح في تورا بورا ولذلك من هذه الناحية نحن مطمئنون.

أفغانستان اليوم، تعيدنا بالذاكرة إلى حرب البلقان التي وقعت قبيل الحرب العالمية الأولى، ثم أنتجت فيما بعد الحرب العالمية الأولى، التي خلفت عشرة ملايين قتيل وضعفهم من الجرحى، ودمارا هائلا في البنى الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والنفسية وغيرها. غير أن أفغانستان هذه، ليست مجموعة من القوى البلقانية تتنافس على أملاك إمبراطورية متهالكة، وليست قوى تتصارع نيابة عن الدول الكبرى، لكنها بلقان جديدة، تصنعها الدول الكبرى، وتظن هذه الدول أنها ممسكة بخيوط اللعبة، لذلك فهي تسعى للبحث عن مبررات الصراع الداخلي، والعمل على تأجيج أشكال الاختلاف أو التناقض الاثني وغيره في المنطقة، بما يصل إلى مستوى بلقان جديدة، تعني انشغال المنطقة بنفسها وبتناقضاتها، وإدخالها في هاجس الدفاع عن الوجود، وهذا الهاجس، يتفشى داخل دول المنطقة، بسبب التواجد القبلي والاثني والديني، على تلك البقعة، أو بسبب المجاورة لها، ومثل هذا الهاجس، سيخلق بشكل طبيعي نوعا من سباق التسلح، وحالة من فقدان الثقة، والاستعداد لحرب ربما هي لم تكن في الأذهان، لكن الصراع القائم في أفغانستان، له تفاعلاته في الباكستان والهند، وله هواجس القلق في الصين، التي من الممكن أن تتحول فيها أي مطالبة اثنية لتحسين الظروف المعيشية، إلى هاجس كبير لدى الدولة، سوف تضربه بشدة، وبيد من حديد، وهو ما ستعيشه دول المنطقة مجتمعة، التي ستعيش هاجس الدولة البوليسية الخائفة، وهو ما يعطل عملياً أو يعرقل مسيرة التنمية في أي بلد.

 

ثقافة الحرب والسلاح

 

عشرات القوميات في الصين، وعشرات القوميات في الهند والباكستان وأفغانستان، وكل هذه الجغرافيا التي لا تستطيع الاستقرار في حال وجود شعلة في المنطقة، وسوف تبقى تتسلح، وبالتالي المستقبل يعني المزيد من التوتر، والمزيد من القلق في عالم السياسة والذي بدوره يولد حجما كبيرا من الربح في سوق السلاح الغربي.

الصراع في أفغانستان هو مجرد تعبير عن حالة من الهدم، وفقدان الثقة بين الاثنيات والأعراق، وكان يعني دعم جهة على حساب أُخرى مجرد تغذية وإشعال لهذا الفـــتيل، وكان احتلال أفغانستان لتسريع تحقيق هذه الغاية، أما الحرب الحالية، فأبسط ما يقال عنها أنها حرب بلا جبهات ولا محاور، فلا يوجد جيش لطالبان يقف على محاور قتالية في مواجهة جبهة الحلفاء، ولو كان كذلك، لكنا شاهدنا قاذفات الـ ب 52 تتدخل، ولكن في ظل غياب هذه الطائرات، نعلم أنه لا دور لها أمام أرض شاسعة، يتـــنقل فيها أفــــراد ومجموعات صغيرة.

فما بين خروج الروس ودخول الأمريكيين لم تتعلم المنطقة غير ثقافة الحرب والسلاح والاختلاف والمخدرات، والفوضى الاثنية داخل أفغانستان والتي انتقلت منها إلى الباكستان والهند وقريبا في الصين وربما كل المنطقة بلا استثناء، ومن لم تصله الفوضى وصله الخوف من المحيط الذي هو فيه، فمسألة مقتل بضع مئات من جنود الأطلسي ليست كبيرة، قياسا بدفع قارة بأكملها وملايين الشعوب، نحو هذا الخوف، الذي بدوره سيولد كل أشكال الاستعداد للحرب، وضخ الإمكانات الاقتصادية فيه.

لم تبن أمريكا مدرسة في أفغانستان، ولم تقم بإصلاح طريق الحرير لكي يمر الحرير، لكنها تبني طريق الحروب التي لا تنتهي.

البلقان في أوروبا، كانت نقطة انعدام الثقة، وكانت هاجس التسلح، ثم أصبحت بحارا من دماء، وأفغانستان هي بلقان جديدة تصنعها الدول الكبرى، بغية دفع هذا الجزء الآسيوي الطامح للصعود للعودة إلى ما دون القرون الوسطى، وسباق التسلح لن يكون هندياً باكستانياً، لكن كل قبيلة في المنطقة تعيش هذا الهاجس.

كاتب من فلسطين