ملامح خطة أوباما للتحرك في الأشهر المقبلة
عاطف الغمري
الأهرام المصرية 19/8/200
الشواهد تشير إلي أن خطة أوباما بتفاصيلها, لحل النزاع العربي الإسرائيلي, لاتزال قيد البحث, وأن الصياغة النهائية لها, ستتم بعد اكتمالها بما تجريه إدارته من اتصالات وحوارات مع مختلف الأطراف, اتصالا بطريقة أوباما في إدارة هذه العملية, والقائمة علي التركيز أساسا علي الاقناع والتقريب بين وجهات النظر.
وهذه الطريقة ـ علي ما يبدو ـ تنبع من محاور رئيسية يدور حولها منطق أوباما في التفكير, وتتمثل فيما يلي:
1 ـ اقتناع أوباما وادارته, بأسلوب لملمة الأجزاء, وليس عزلها عن بعضها, بمعني النظر إلي مشاكل المنطقة المتعددة, باعتبارها كلا متكاملا, يتأثر ببعضه. وهو نفس منطق تفكير المدرسة الواقعية في السياسة الخارجية في الولايات المتحدة, التي ينتمي إليها ديمقراطيون وجمهوريون منهم بوش الأب, وبيل كلينتون, وهو المنطق الذي سبق أن طالبت بالسير علي هديه, بعثة بيكر/ هاملتون, التي تم ايفادها عام2007 إلي العراق لدراسة الوضع هناك. وعادت بتقرير شهير ذكرت فيه أن القضية الفلسطينية هي القضية المركزية لمختلف المشاكل التي تواجهها السياسة الأمريكية في المنطقة وهو الرأي الذي رفضته إدارة بوش, والتي كانت تجزيء المشاكل, وتعزل كلا منها عن الأخري.
2 ـ التوقف عن التعامل مع المسار الفلسطيني الإسرائيلي, علي أساس كونه مسارا ثنائيا بين الجانبين, وإنما بتوسيع دائرة المشاركة العربية, من أجل تحريك هذا المسار بقوة دفع اقليمية, وهو ما وصفه مسئول كبير بالخارجية الأمريكية, بتوظيف الطاقة الاقليمية في عملية السلام.
3 ـ يرتبط بما سبق, ما استقر عليه أوباما من أن الحل الشامل, وليس الجزئي, وما يلحق به من حل الدولتين, هو مصلحة أمن قومي للولايات المتحدة, وفي هذا السياق دخلت الولايات المتحدة عن طريق مبعوثين آخرهم جورج ميتشيل, في مباحثات مع الجانبين السوري واللبناني.
4 ـ إن أوباما يتصرف بناء علي استراتيجية, هدفها مصالح الأمن القومي لبلاده, ولا تنفصل عنها, حقيقة ثابتة, هي أن إسرائيل سوف تبقي حليفا له خصوصية لدي الولايات المتحدة, وواحدة من أهم مصالحها الاستراتيجية في المنطقة, وبالتالي فإن سعي أوباما لحل النزاع, يضع في اعتباره أن ذلك في مصلحة إسرائيل, حتي ولو كان الائتلاف المتطرف الحاكم في تل أبيب, يعارض هذا التوجه, وهو الذي عبر عنه أوباما, وما أبلغه جورج ميتشيل لنتنياهو في زيارته الأخيرة, بقوله إن السلام هو الضمان الحقيقي الوحيد, الذي يحمي أمن إسرائيل علي المدي الطويل.
5 ـ إن دبلوماسية أوباما تسعي إلي اعادة إحياء مبدأ في السياسة الخارجية, كان قد تم اقراره منذ عهد بوش الأب, وهو أن الاستقرار الاقليمي, مصلحة أمن قومي للولايات المتحدة, وأنه يتحقق بايجاد حل شامل ودائم للنزاع العربي الإسرائيلي, وهو المبدأ الذي كانت قد تصدعت أركانه, علي يد حكومة بوش, من خلال تطبيق سياستها التي دفعت الدبلوماسية إلي ترتيب متأخر بعد الحرب كأولوية للسياسة الخارجية.
وهذا التعديل للمبدأ, وما ارتبط به من تطبيق نظريات الفوضي الخلاقة, والتدخل بعمليات خاصة في دول دون علم حكومات هذه الدول, والتحريض من الداخل ضد الأنظمة, كل هذا استتبعه التعامل مع الاستقرار الاقليمي كمطلب مؤجل, وغير مرغوب فيه في حينه.
6 ـ الاتجاه إلي تطوير مؤتمر مدريد حسب ما جد من تطورات لاحقة لانعقاده عام1991, مع المحافظة علي مرجعياته الأساسية, والتفكير في عقد مؤتمر دولي علي غرار مدريد, خلال الشهور القليلة القادمة, تعقبه مفاوضات مباشرة.
ـ إن سياسة أوباما في الشرق الأوسط, والتي تمثل علي الأقل خروجا كاملا علي سياستهم في المنطقة التي أدارها في عهد سلفه جورج بوش فريق المحافظين الجدد, الذين يوصفون في القاموس السياسي الأمريكي بـالصهاينةZionists, والذين انتقلوا بالموقف الأمريكي من النزاع, من حالة التحيز الإسرائيلي إلي وضع المشاركة التامة مع الاسرائيليين في وضع السياسات, هذه السياسة من جانب أوباما, كان لابد أن تقابل بموجة من الضغوط المضادة, خاصة من اليمين الجمهوري, ومن قيادات ومفكري المحافظين الجدد, وهو ما يحدث فعلا الآن.
ومن تبسيط الأمور, تصور أن ما يريده أوباما, سيمضي في طريق بلا عقبات وعراقيل, فالقوي والمؤسسات المناصرة لإسرائيل, كثيرة ومنظمة, ووراءها تمويل هائل, ويصعب عليها أن تستسلم بسهولة وبلا مقاومة. وإن كان ما يقوي من موقف أوباما, حدوث تغيير في اتجاهات الرأي العام, وبين النخبة التي تعد شريكا في صناعة السياسة الخارجية.
لكن ما يعتبر منافيا للمنطق, ولطبيعة الأمور, أن يلقي من الجانب العربي عقبات وعراقيل مضافة إلي ما يواجهه أوباما هناك.
فإن استمرار الانقسام الفلسطيني, وغياب استراتيجية تلم شتات السياسات العربية المتشرذمة, لتتكامل وتتآزر, يعتبر اضافة تطوعية من جانبنا, لما يقوي جانب الذين يقاومون استراتيجية أوباما في المنطقة.