خبر طبعاً، الاستسلام أفضل ..حازم صاغيّة

الساعة 06:57 ص|18 أغسطس 2009

طبعاً، الاستسلام أفضل ..حازم صاغيّة

الحياة اللندنية

هذا ما يحصل دوماً منذ بواكير احتكاكنا بالغرب، وفي عداده، في وقت لاحق، إسرائيل: نبدأ مسيرة ما نضع لها هدفاً وشعارات. لكنْ في منتصف الطريق يحصل انحراف ما أو انتكاس ما. نبدأ مريدين محاربة الاستعمار وننتهي واحدنا يحارب الآخر. نبدأ مريدين مكافحة إسرائيل وننتهي يرشق واحدنا الآخر بكفاحه. نبدأ منتصرين لإسلام واحد نظنّه يوحّدنا وننتهي فِرقاً متناثرة متشرذمة تتصارع في ما بينها.

هذا ليس صدفة. هذا جزء من المسار نفسه، ومن العقليّة التي تديره وتتحكّم به وتنظّر له.

بموجب هذا المسار لن نصل، عرباً كنّا أو مسلمين، إلى أيّ مكان. سنمضي في تفتيت كلّ ما بقي موحّداً أو قليل التفتّت في بلداننا.

ما حصل في غزّة مؤخّراً آخر التجارب وآخر الشواهد. وهو ينبغي ألاّ يفاجىء في حال من الأحوال: ذاك أن عالماً تسيطر عليه «حماس»، يقاتل المانكان ولبس النساء للبنطلون، لا بدّ أن يلد «جند أنصار الله». وهو مثل عالم «المجاهدين» الأفغان الذي ولد «طالبان»، ومثل حروب «التحرير» الصوماليّة التي أكرمتنا بـ «الشباب»، ومثل تصعيد المشاعر والغرائز المناهضة للمسيحيّين في نيجيريا، المرفق بالتذكير بحرب بيافرا «المجيدة»، مما أتحفنا بـ «باكو حرام».

بين ليلة وضحاها يصير في غزّة تنظيم يقوده عبد اللطيف موسى ومعهم آخرون وصلوا عبر الأنفاق إلى غزّة. وهو تنظيم يكلّف التخلّص منه عشرات القتلى والجرحى. ماذا في رصيد هذا التنظيم الذي أعلن غزّة «إمارة إسلاميّة»؟ هجوم قبل شهرين، شنّه عناصره من على ظهور الخيل، على معبر حدوديّ بين غزّة وإسرائيل!

كان يُستحسَن، والحال هذه، ألاّ «تنتصر» حركة حماس في الحرب التي قالت إنّها «انتصرت» فيها وهزمت العدوان الإسرائيليّ. ففضلاً عن آل دغمش وآل حلّس وبين فترة وأخرى «الجهاد الإسلاميّ» وتنظيمات لا تُكاد تُسمّى حتّى يُمحى إسمها، يتقدّم «جند أنصار الله» ليرسموا لوحة الانتصار والتمتّع بثماره! ألا يمهّد الانتصار العسكريّ لاستثماره في السياسة وعلى سائر مستويات الوجود الوطنيّ؟.

لكنْ لنلاحظ كيف أن من يتّهم غيره بالضلوع في التسوية يجد من يتّهمه هو بالضلوع في التسوية. ومن يستخدم المساجد لغير أغراض العبادة يجد من يستخدمها ضدّه ولغير أغراض العبادة أيضاً. ومن يدين غيره بأن إسلامه غير كافٍ يجد من يدينه بأنّ إسلامه، هو الآخر، ناقص، ومن يبني سياسته وقوّته على الأنفاق يجد من يستعمل الأنفاق لتقويض سلطته.

فلا بدّ، أمام هذا الانحدار المتمادي، من موقف شجاع ومؤثّر يُخرج هذه المنطقة من دوّامتها التي يُطحَن فيها الدم والكذب والبله، فضلاً عن المصالح الصغرى الجامعة بين سائر الأطراف حتى لو تناحرت في ما بينها. فالذي يريد خوض معركة للتحرّر الوطنيّ عليه أن يثبت، أوّلاً، أنّه يملك صلة، مطلق صلة، بمفهوم الوطن. والذي يسعى إلى الإمساك بمجتمعه ينبغي أن يربطه رابط، مطلق رابط، بمفهوم حديث عن الشرعيّة السياسيّة. أمّا أن تمضي الأمور هكذا جيلاً بعد جيل، وأن يتدحرج الفلسطينيّون من ياسر عرفات إلى خالد مشعل واسماعيل هنيّة إلى عبد اللطيف موسى، فالأفضل الاستسلام، نعم الاستسلام، مهما بدا التعبير كريهاً ومكروهاً.

فإمّا أن تموت هذه العقليّة وهذه المرحلة بـ «الانتصارات» الكثيرة التي نحرزها فيها!، وإمّا أن نموت شعوباً ومجتمعات، وبالطبع عقولاً.