خبر السلطة الفلسطينية وتجاربها الثلاث الفاشلة .. بلال الحسن

الساعة 10:56 ص|02 أغسطس 2009

كتب: بلال الحسن

يجتمع مؤتمر حركة فتح السادس بعد يومين في مدينة بيت لحم حسب ما هو مقرر، وتحيط بأجواء المؤتمر خصومات وخلافات وعمليات منع، أبرزها: منع تمارسه إسرائيل ضد مناضلين فلسطينيين، بسبب قيامهم في مراحل سابقة بتنظيم عمليات فدائية ضد إسرائيل، ومنهم ثلاثة مناضلين ومسؤولين في لبنان. منع ثان تمارسه حركة حماس المسيطرة في غزة، إذ قامت علنا بالإعلان عن أنها لن تسمح لأعضاء مؤتمر فتح في غزة بالانتقال إلى الضفة الغربية، إلا إذا قامت السلطة في رام الله بالإفراج عن أعضاء حماس المعتقلين هناك، ويبلغ عددهم حوالي ألف معتقل. وهناك منع ثالث شبه اختياري، يمارسه أعضاء مؤتمر فتح في البلاد العربية والأجنبية، الذين يرفضون مبدأ عقد المؤتمر في ظل الاحتلال، كما يرفضون الدخول إلى الضفة الغربية بإذن إسرائيلي.

وبعمليات المنع الثلاث هذه، يكون مؤتمر فتح السادس، قد تعرض إلى عملية شرخ حادة، وهناك من يستنتج أن مؤتمرا بهذا الوضع، وبغض النظر عن الخلاف السياسي المحيط به، هو مؤتمر مجزوء، لا يعبر إلا عن أعضاء فتح في الضفة الغربية، لا بل عن أعضاء فتح في الضفة الغربية المؤيدين لخط سياسي واحد، هو خط الرئاسة الفلسطينية. وفي النتيجة.. فإنه من الصعب القول إن المؤتمر حين ينعقد، سيكون مؤتمرا يعبر عن حركة فتح. أولا من حيث الشكل، وثانيا وثالثا ورابعا من حيث المضمون السياسي والنضالي. وليس من المستبعد إذا ما تواصلت عمليات المنع الثلاث هذه أن يتم تأجيل عقد المؤتمر، مع الخشية من أن تلجأ سلطة رام الله إلى اتخاذ إجراءات عقابية ضد سلطة حركة حماس في غزة، من نوع وقف دفع بعض الميزانيات التي يتم دفعها الآن، أو تعطيل شمول غزة بأرقام الهاتف الدولية، أو بشبكة التلفونات المحمولة، أو تعطيل تعاون بنوك المنطقتين.

تطرح هذه الصورة إذا حصلت، أجواء قاتمة حول سلطة الرئيس محمود عباس، فقد واجهت هذه السلطة منذ أن وجدت مشكلات صعبة ومعقدة، ترافقت مع فشل في الحصول على أي إنجاز إيجابي. ويمكن أن نسجل هنا ثلاثة أنواع أساسية من الفشل:

أولا الفشل في التفاوض مع إسرائيل. ومن المعروف هنا أن الرئيس محمود عباس هو صاحب نظرية تقول بضرورة وقف الانتفاضة الفلسطينية، ووقف العمليات الفدائية ضد إسرائيل، والتركيز على المفاوضات والمفاوضات فقط. وهو فاوض الجنرال آرييل شارون، وفاوض رئيس الوزراء إيهود أولمرت، وهو مدعو الآن لمفاوضة رئيس الوزراء الجديد بنيامين نتنياهو. والصفة الجامعة بين هؤلاء المفاوضين الإسرائيليين، أنهم كلهم يرفضون مناقشة قضية القدس، ويرفضون أي تنازل في موضوع الاستيطان، ويرفضون حق العودة من حيث المبدأ، ويجعلون المفاوضات بالتالي قضية عبثية، تماما على غرار الوصف الذي يطلقه الرئيس عباس على عمليات إطلاق الصواريخ، حيث يكرر أنها عمليات عبثية.

وحين تكرر فشل المفاوضات بين الرئيس عباس والمسؤولين الإسرائيليين، برزت حتى داخل صفوف مؤيديه، دعوة إلى ضرورة وقف هذه المفاوضات، ولكن الرئيس عباس أصر على المتابعة، وكان يردد دائما القول بأنه إذا فشلت المفاوضات، فسيواصل المفاوضات، وإذا فشلت أيضا، فسيواصل المفاوضات. وكان يبرر موقفه هذا بالقول: إن العالم بأكمله يراقب هذه المفاوضات، ويراقب استمرار الفلسطينيين بالمفاوضات رغم فشلها، وهذا هو بالذات ما سيدفع دول العالم للضغط على إسرائيل. وكان يقول أيضا هذه هي وسيلتنا الوحيدة للضغط على إسرائيل. إلى أن وصلت الأمور إلى إنتاج حكومة إسرائيلية لا تريد حلا، ولا تريد المفاوضات، إلا من أجل تحقيق أهداف إسرائيلية فقط، من نوع "يهودية" دولة إسرائيل.

الفشل الثاني الذي عايشه الرئيس عباس، تمثل في تطورات الوضع الداخلي الفلسطيني. في هذا الإطار حقق الرئيس محمود عباس (ومن خلال وحدة حركة فتح) إنجازا ملحوظا في انتخابات الرئاسة، إذ نال فيها ما يزيد على 60% من الأصوات، ولكن ما هي إلا أشهر قليلة، حتى جرت انتخابات المجلس التشريعي، وبرزت أثناءها خلافات حادة داخل حركة فتح حول من يترشح ومن لا يترشح للمجلس التشريعي. وبرزت أيضا ظاهرة التمرد على أوامر القيادة، حيث رفض البعض تنفيذ أوامر الانسحاب من الانتخابات التي دخلوها بصورة فردية، وكانت النتيجة أن حركة حماس حققت فوزا ملحوظا في تلك الانتخابات، وأصبحت تملك الأغلبية داخل المجلس. وهكذا.. ابتعدت حركة فتح عن موقع القيادة في الوضع الفلسطيني، لأول مرة منذ أربعين عاما.

أحدث هذا التطور هزة عميقة داخل حركة فتح، ودفعها إلى ردود فعل غير متزنة. ولم تستطع الحركة لا على مستوى القيادة، ولا على مستوى الأعضاء، ولا على مستوى نوابها الجدد في المجلس التشريعي، أن تتقبل فكرة أنها لم تعد الحركة القائدة، وأن حركة حماس تقدمت لاحتلال هذا الموقع. وهي عبرت عن عدم تقبلها هذا بأشكال عدة. رفضت أولا التعاون مع حركة حماس لتشكيل حكومة وحدة وطنية. ودخلت ثانيا في عمليات مواجهة أمنية مع حكومة إسماعيل هنية الأولى، بعد أن رفضت التسليم لها بالسيطرة القيادية اليومية على أجهزة وزارة الداخلية الأمنية. وتطورت المواجهات الأمنية بين الطرفين إلى حد التدخل العربي ممثلا بالسعودية، التي استطاعت إقناع الطرفين بتوقيع "اتفاق مكة"، والذي أسفر عن إنشاء حكومة وحدة وطنية.

ولكن مرة ثانية، تطورت المواجهات الأمنية، وشهدت المواجهات عاملا جديدا تمثل بدور أمني مارسه الجنرال كيث دايتون الذي تولى إعداد قوات أمنية جديدة تابعة للسلطة وللرئاسة، وكان يشرف على هذه القوات محمد دحلان. وعندما وقعت مواجهة حاسمة بين قوات السلطة وحركة حماس، استطاعت حركة حماس السيطرة على الوضع في غزة، وشكل ذلك فشلا ثانيا للرئيس محمود عباس، الذي أصبح في تلك اللحظة فاقدا للمجلس التشريعي، وللحكومة، ولقطاع غزة.

الفشل الثالث الذي واجهه محمود عباس ولا يزال يواجهه الآن، هو فشله في السيطرة على حركة فتح (حركة فتح في أراضي الحكم الذاتي، وفي البلاد العربية، وفي البلدان الأوروبية والأميركية)، وهو اختار في النهاية أن يحاول السيطرة فقط، على حركة فتح داخل الضفة الغربية.

ومهما كانت درجة النجاح الذي سيحققه محمود عباس في أعمال مؤتمر بيت لحم، فسيكون من الصعب عليه القول إن هذا المؤتمر هو مؤتمر حركة فتح السادس. إنه مؤتمر الآلام قريبا من كنيسة السيد المسيح، إنه مؤتمر بيت لحم، وما سيصدر عنه يمثل المؤتمرين وتوجههم. وستكون نتائجه في أفضل الظروف، انبثاق تنظيم سياسي جديد، يعمل كحزب سياسي للسلطة الفلسطينية، ويكون محاطا بإطار من المعارضين له، خلافا لتاريخ طويل سابق، كانت فيه قيادة حركة فتح تحيط نفسها دائما بتأييد تنظيمي شبه جماعي.

إن هذا الوضع بمظاهر فشله الثلاثة التي أشرنا إليها، ربما يستدعي من الرئيس عباس أن يعيد النظر بأسلوب معالجته للمشكلات التي يواجهها. فهو كثيرا ما يلجأ للاستعانة بمراكز القوى الخارجية للسيطرة على أوضاعه الداخلية، وهو نهج لا يحظى بالرضا، حتى لو مورس بنجاح، فكيف يكون الوضع حين تفشل النتائج؟

لقد لجأت السلطة الفلسطينية إلى الاستقواء باللجنة الدولية الرباعية لمواجهة مشكلات المواجهة بينها وبين حركة حماس.

ولجأت قيادة السلطة الفلسطينية إلى الاستقواء بتحالفاتها العربية لمواجهة مشكلاتها مع تنظيم حركة فتح.

وقد آن الأوان للتفكير بضرورة الحوار، والتوافق، على خطة وطنية شاملة، تكون هي الأداة الجامعة، بديلا عن ضغوط تمارسها أطراف من الخارج.