خبر الفلسطينيون ينتظرون وسط أنقاض غزة بدء إعادة الإعمار

الساعة 05:23 ص|02 أغسطس 2009

فلسطين اليوم – قسم المتابعة

في صبيحة كل يوم يتوجه ثائر الشيخ للجلوس بجانب أنقاض منزل أسرته المكون من طابقين الذي دمرته القوات الإسرائيلية في الأيام الأخيرة من عدوانها على قطاع غزة الشتاء الماضي الذي استمر 22 يوما. لا يستطيع ثائر أن يفسر السر وراء قدومه إلى هنا، فهو لا يقوم بأي عمل هناك، لكنه يقول إن ذلك يشعره بالارتياح.

تعيش عائلته الكبيرة في شقة مستأجرة في مكان قريب من بقايا المنزل، وأخيرا خيّر أولادها بين قضاء العطلة الأسبوعية على الشاطئ أو إلى جوار الركام.

وقال ثائر، الذي يبلغ من العمر 27 عاما، الذي هيأ مكانا للجلوس فيه بجوار الأنقاض عبارة عن أريكة من أنقاض الطوب المسقوفة بملاءة بلاستيكية مثبتة بقوائم انتزعها من شرفة الدور الثاني.

وقال: «هذا لا يزال بيتي ويوما ما سأبنيه ولكن حتى الآن ما من أمل في ذلك». بعد 6 أشهر من انتهاء وقف إطلاق النار الذي أنهى الاعتداء الإسرائيلي على تلك المنطقة، التي تسيطر عليها جماعة حماس، تجري بعض أعمال إعادة الإعمار على استحياء لما يقرب من نحو 6.300 منزل دمر أو تعرض لتخريب كبير.

وتشير تقديرات الأمم المتحدة والمنظمات غير الحكومية إلى تضرر نحو 30.000 شخص جراء تلك الاعتداءات انتقل غالبيتهم وأفراد أسرهم إلى سكن مؤقت، لكن البعض منهم لا يزال يعيش في خيام أو مقطورات متنقلة من دون ماء أو كهرباء. ويشير المسؤولون إلى أنه لم يوزع سوى جزء قليل من المعونات الدولية التي تبلغ 4 مليارات دولار، منها 900 مليون دولار من الولايات المتحدة. ويعود ذلك جزئيا إلى أن المانحين مترددون في الإفراج عن الأموال طالما أن حماس لا تزال في السلطة وكذلك بسبب الحصار الذي تفرضه إسرائيل ومصر التي فرضت قيودا على حدودها، وأشار الفلسطينيون ومنظمات الإغاثة إلى أنها حرمت 1.5 مليون شخص في غزة من تلقي الكثير من الغذاء الأساسي والرعاية الصحية.

ويشمل الحصار الذي ضرب بهدف شل قدرة حماس على إطلاق الصواريخ على إسرائيل الأسمنت والزجاج والصلب والمواسير ومواد البناء الأخرى، كما منعت أيضا كثيرا من الأدوات المنزلية والمنتجات الغذائية من عبور نقاط تفتيش غزة مثل القهوة والشاي والمصابيح الكهربائية والبطاطين والطباشير.

وتقول الوكالات التابعة للأمم المتحدة إنه على الرغم من أن 80% من السكان يعتمدون على الطعام والمساعدات الطبية التي تقدمها، فإنهم عاجزون عن المساهمة في عملية إعادة الإعمار، حيث يسمح لـ75 شاحنة تابعة للأمم المتحدة تحمل الغذاء بالعبور إلى غزة يوميا مقارنة بـ400 قبل بدء الحصار.

وأوضح كريس غونيس المتحدث باسم الأمم المتحدة أن وكالة غوث وتشغيل اللاجئين لتابعة للأمم المتحدة التي تساعد الفلسطينيين النازحين خصصت مليار دولار لإعادة بناء المنازل في غزة، من بينها 370 مليون دولار للترميمات والإصلاحات الطارئة. وقال: «لقد قدم لنا المانحون الدوليون المال، لكننا عاجزون عن القيام بأي شيء».

وقد ناشدت الأمم المتحدة ومنظمات الإغاثة الأخرى إسرائيل، يوم الثلاثاء، استثناء المدارس من الحصار، وقالوا إن ما يقرب من نصف مدارس غزة تعرضت لأضرار بالغة، من بينها 18 مدرسة دمرت، لكن الطلبة لا يزالون يتكدسون أمام الفصول الباقية أو يدرسون في فترتين صباحية ومسائية.

فرضت قيود على غزة عام 2007 عندما استولت حماس على القطاع من خصمها الفصيل الفلسطيني الآخر، فتح. وكان أعضاء منظمة حماس التي ترفض الاعتراف بحق إسرائيل في الوجود قد فازوا في الانتخابات البرلمانية في غزة عام 2006 بعد انسحاب إسرائيلي من جانب واحد من الأراضي الفلسطينية عام 2005.

لكن الحصار على غزة بات أكثر تسببا في المعاناة في أعقاب الاعتداء الإسرائيلي على القطاع الشتاء الماضي، الذي قتل خلاله 13 مواطنا إسرائيليا و1.400 مواطن فلسطيني ودمرت غالبية البنية الصناعية في غزة.

وقد شنت إسرائيل، التي أثار استيلاء حماس على السلطة في غزة انزعاجها، هجومها على القطاع ردا على استمرار الهجمات الصاروخية التي تستهدف المدنيين في الأحياء الجنوبية من إسرائيل. كما ألقت الحكومة الإسرائيلية باللوم على حماس في عملية أسر الجندي الإسرائيلي جلعاد شاليط الذي لا يزال أسيرا منذ ثلاثة أعوام.

وعلى الرغم من إعلان إسرائيل هذا الأسبوع أنها خططت للسماح بمرور كميات محدودة من الأسمنت إلى غزة لإصلاح الكهرباء ومنشآت الصرف الصحي، فإنهم يقولون إن القيود العامة على الأسمنت وأنابيب الصلب ستستمر كما هي لأن كثيرا من هذه المواد يمكن استغلاله من قبل حماس في بناء الغرف المحصنة والقنابل والأنفاق.

وقال الميجور غاي إنبار، المتحدث باسم وزارة الدفاع الإسرائيلية: «إن دخول المواد ذات الاستخدام المزدوج ـ المواد التي تأتي بغرض استخدامها في أغراض مدنية ويمكن استخدامها من قبل الإرهابيين ـ تم منعها باستثناء الحالات الإنسانية الخاصة».

وأشار إلى تقديم استثناءات في بعض الأحيان بشأن «الأدوية ولعب الأطفال والمنتجات الصحية، لكن المواد ذات الاستخدام المزدوج ستظل ممنوعة لأن الحكومة الإسرائيلية تعتقد أن تلك المواد لن يستخدمها المواطنون الفلسطينيون العاديون، وإنما سيستخدمها القادة الأثرياء والفاسدون من حماس».

ويقول أهالي غزة إنهم من دون الأسمنت أو الصلب الكافي لن يتمكنوا من إعادة بناء منازلهم ولن يتمكنوا من استئناف حياتهم السابقة.

وقالت سعاد عبد ربه، التي تبلغ من العمر 53 عاما، التي قالت إن الجرافات الإسرائيلية هدمت منزلها خلال الاعتداء: «عايشت حرب عام 1967، لكني لم أرَ أياما مثل هذه من قبل». تنام سعاد الآن هي وزوجها في خيمة على مراتب متهرئة بجانب الركام لأنهما، كما يقولان، غير قادرين على إيجاد شقة لهما.

وقد تلقى الزوجان، مثل كثيرين من أبناء غزة، 5.000 دولار نقدا كإعانة طارئة من الأمم المتحدة والمنظمات الأخرى، لكنهما يمتلكان مساحة خالية من الأرض يمكنهما البناء عليها، لكن من دون المواد اللازمة لا يسعهم سوى الانتظار.

وقالت سعاد: «لقد ذبحنا أمام أعين العالم أجمع ولا أحد يهتم».

وتقول هي والآخرون إن حماس تتحمل اللوم على فشلها في حماية ودعم مواطنيها، وقالت إنها طردت مقاتلي حماس من الحي لأنها خشيت أن يجذب ذلك انتباه الإسرائيليين الذين يتهمون حماس بإخفاء فرعها العسكري بين الأحياء المدنية. ويقول البعض إن مساعدة حماس للمتضررين من الاعتداء تركز على أعضاء الجماعة، فيقول أحد أصحاب المنازل: «إنهم يساعدون الأفراد التابعين لهم».

وقد رفض المتحدث باسم حماس الرد على المكالمة الهاتفية للرد على ذلك. وقد بلغ اليأس ببعض العائلات الفلسطينية مبلغه في إعادة بناء منازلهم لدرجة أنهم لجأوا إلى صنع الطوب اللبن وهو أمر لم يشاهد هنا من نصف قرن.

وقال ثائر: «الطوب اللبن ليس حلا، هل يفترض بنا أن نعود 50 عاما إلى الوراء؟».

من ناحية أخرى، ساعد الحصار في ازدهار السوق السوداء للبضائع المهربة من مصر عبر شبكة الأنفاق الممتدة. ومن ثم عادت بعض المؤشرات الطبيعية إلى القطاع. ففي مدينة غزة تقدم المقاهي القهوة والفطائر. ويقوم باعة الآيس كريم بالتجوال بحرية على الشاطئ، كما تتوافر الخضراوات والفاكهة.

لكن الأسعار تفوق متناول كثير من الأسر الفلسطينية في قطاع غزة حيث يعيش غالبية السكان تحت خط الفقر، ويتكلف كيس الإأسمنت المهرب عشرة أضعاف سعره العادي.

ويقول بعض الناشطين إن الحصار لا يخدم الوضع الأمني ولا يضر بحماس التي تستغل الأنفاق في إعادة التزود بالسلاح ومواد البناء، ولذا فإن تلك القيود أصبحت أشبه ما يكون بعقوبات جماعية.

وقال ساري باشي، مديرة «غيشا»، الجماعة الإسرائيلية التي تُعنى بحقوق الفلسطينيين: «الأمر لا يتعلق بالأمن، إنما هو محاولة للضغط على حماس ومحاولة تعزيز أهداف السياسة على حساب 1.5 مليون فلسطيني». وقد حذرت هي وآخرون من أن الزج بغزة إلى فوضى اقتصادية وحرمان أهلها من التعليم وأسباب المعيشة يمكن أن تكون له انعكاسات خطيرة من خلال تعميق الحقد تجاه إسرائيل. وقال غونيس المتحدث باسم الأمم المتحدة: «إن وجود 1.5 مليون يائس في غزة لا يصب في صالح سلام دائم».

وقال مسؤول بوزارة الدفاع الإسرائيلية، الذي لم يصرح له بالحديث إلى الصحافة: «إن الفلسطينيين في غزة يتحملون مسؤولية اختيار حماس، فهم الذين قرروا ترك حماس تتولى السيطرة على القطاع واستمرار العنف».

ويقول أصحاب الشركات في غزة إن الحصار وأعمال القتال الأخيرة قضت على القطاع الصناعي في غزة وقضت على قدرتهم على المساعدة في إعادة انتعاشة القطاع. وعلى أطراف قطاع غزة تقف مصانع الأسمنت والمصانع الأخرى أطلالا شاهدة على النزاع.

وقال وديع المصري، المدير العام لمنطقة غزة الصناعية، التي أصبحت الآن منطقة صناعية خالية كان يعمل بها من قبل 3.000 شخص: «الصناعة متوقفة الآن في غزة، وسوف يتطلب الأمر أعواما كي يعاد بناؤها. إنني غير متفائل حقا. كانت إسرائيل تمارس في الماضي بعض التضييق ثم تعود الأمور إلى طبيعتها، لكنهم هذه المرة يضيقون ويضيقون ويضيقون».