خبر « وثيقة جنيف 2 »...ماذا تبقى من حقوق ؟! ..كتب: عريب الرنتاوي

الساعة 05:50 ص|27 يوليو 2009

"وثيقة جنيف 2"...ماذا تبقى من حقوق ؟!

 كتب: عريب الرنتاوي

لكأنه لا يكفي الشعب الفلسطيني، ما تضمنته "وثيقة جنيف 1" من تنازلات شاملة، بالأخص في موضوع اللاجئين وحقهم في العودة والتعويض، حتى تأتي "وثيقة جنيف 2" لتكمل على البقية الباقية من حقوق شعب فلسطين الوطنية، التي قيل ذات يوم في وصفها بأنها "ثابتة وغير قابلة للتصرف"، في حين تظهر المواقف والسياسات والممارسات الرسمية التي تصدر عن أوساط قيادية فلسطينية مختلفة، أنها قابل للصرف والتصرف والتصريف، وعلى يد كل من هب ودب، تارة تحت غطاء رسمي كامل وصريح، وإخرى تحت عناوين ومسميات و"مبادرات" مموهة وملتبسة، تقضم في نهاية المطاف، حقوق الشعب الفلسطيني وعناوين سيادته وحريته واستقلاله، قطعة قطعة.

 

ستكون في الدولة الفلسطينية ثلاثة شوارع محظور على الفلسطينين استخدامها وهي مكرسة لاستخدام المستوطنين الاسرائيليين الذين سيكون بمقدروهم عبورها من دون جوازات سفر، تماما مثلما كان الحال في جنوب أفريقيا زمن التمييز العنصري، مع فارق واحد أن الأمر كان مفروضا على الأفارقة حتى أطاحوا به، في حين يبدو مقبولا على قيادة الشعب الفلسطيني أو من ينوب عنها في التفاوض غير المباشر، بل وممهورا بخاتمها.

القدس ستكون كقطعة الجبن السويسري، مستباحة للإسرائيليين، وسيترك للفلسطينيين سلوك الأنفاق والجسور العلوية، والطرق الالتفافية، وضع القدس سيكون مدولا وفقا لأكثر القراءات تفاؤلا لترتيبات "الوثيقة الأمنية" وإجراءاتها، والتي يقال بأن القيادة الفلسطينية تواكبها عن كثب في مختلف مراحلها، وأنها تحظى بتأييد أوساط نافذة في إدارة باراك أوباما ناهيك عن بعض الأوساط القيادية الإسرائيلية الحاكمة.

"وثيقة جنيف 2" تحيل السلطة إلى مجرد ذراع مكمل لاحتياجات الأمن الإسرائيلي، مناطق منزوعة السلاح، كتائب شرطية (الإنسان الفلسطيني الجديد – وفقا لتعبير دايتون) محددة بالأسم والنفر وعدد قطع الأسلحة وأنواعها وأرقامها المتسلسلة (؟!) وكميات الذخيرة التي تحتفظ بها، والآليات التي تحملها، وكل ما من شأنه أن يحول دون تطور الأوضاع بصورة تمس أمن إسرائيل.

 

وتقترح الخطة تدويلا لأمن إسرائيل، فكل دولة تشترك في "قوات حفظ السلام متعددة الجنسيات" ملزمة في المستقبل بالتعامل مع أي مستجد، ومن منظور حفظ أمن إسرائيل، والمستجد هنا لا يشمل الضفة فقط، بل الأردن والإقليم كذلك، فإمن إسرائيل يجب أن يأخذ بنظر الاعتبار ما قد يطرأ على أوضاع الأنظمة العربية الحاكمة من اختلالات في السنوات والعقود القادمة، وعلى السلطة أن توقع على اتفاق يحفظ هذا الأمن في الظروف الإقليمية المتغيرة كذلك.

 

وإذا ما أجرينا جردة حساب لما سقط من حقوق وطنية وما تبقى منها في ضوء ما نشر وما عرف عن "وثيقتي جنيف" الأولى والثانية، سنجد أن موضوع اللاجئين قد بات وراء ظهورنا والقدس لم يبق منها إلى بعض الأطراف التي سنضحك بها على أنفسنا ونسميها عاصمة دولتنا العتيدة، في حين أن مظاهر السيادة الإسرائيلية على "بقايا القدس الشرقية" ستظل أعلى  في كل الأحوال، وفوق مظاهر السيادة الفلسطينية، والسيادة كلمة ليس لها مطرح في قاموس جنيف ووثائقها وملاحقها، أللهم إلا إذا كان المقصود بها "سيادة إسرائيل"، أما بقية العناوين من نوع المعابر والأجواء والفضاء والحدود الدولية، فالأرجح أننا سنكون أمام صيغ لا تختلف في جوهرها عن الأمر القائم حاليا: مظاهر فلسطينية شكلية وأمامية، في حين أن القرار والسيادة في يد من يجلسون وراء "الزجاج المظلل"، هكذا تشي معلومات يديعوت أحرونوت المسرّبة عن الوثيقة.

ما أكبر الفكرة وما أصغر الدولة، عبارة قالها الراحل المقيم فينا محمود درويش قبل أن يرى التهافت وقد بلغ هذا الحد المروع، ولا أدري ماذا كان سيقوله لو أن الله قد أمد في عمره وشهد على "تهافت التهافت