خبر عدو، اخيرا -هآرتس

الساعة 09:15 ص|26 يوليو 2009

بقلم: تسفي بارئيل

 (المضمون: اليمين الاسرائيلي يستغل الخلاف مع واشنطن لاظهار امريكا كعدو لاسرائيل والحقيقة هي ان امريكا لم تغير سياستها وانما غيرت طريقة ممارسة هذه السياسة - المصدر).

في ظل جس النبض العلني بين بنيامين نتنياهو وبراك اوباما يبدو انه لم يمر وقت طويل حتى تبرز في ساحات اسرائيل لافتات اعلانية كتب عليها: "امريكا انصرفي"، "اوباما – عربي"، "لا وسيط ولا نزيه".

امريكا في الخطاب الاسرائيلي الجديد تبدأ في الظهور كعدو رويدا رويدا، الخلاف معها ينتقل الى خطوط شخصية: رئيس وزرائنا في مواجهة رئيس وزرائهم. بالامس هو طالب فقط بتبني اسرائيلي لحل الدولتين، وبعد ذلك دعى فقط الى تجميد البناء في المستوطنات، من دون الموافقة حتى على حل وسط "فقط" حول استكمال البناء، واليوم هو ايضا يريد تقسيم القدس. ليس نتنياهو – وانما اوباما.

هذا التوتر قد تسبب في مسارعة هيلاري كلينتون للتصريح بأن الولايات المتحدة تمارس ضغطا مشابها على العرب. واشنطن ايضا اصيبت على ما يبدو بالرهبة التي يفرضها عليها اليمين الاسرائيلي الساعي لوصفها كمؤيدة للعرب ومحبة للمسلمين وغازية كاسحة تشكل خطرا على المشروع الصهيوني في المناطق. وعموما كيف يمكن مواصلة الايمان حتى بالالتزام الامريكي بالحرص على أمن اسرائيل، بينما تطالعنا عناوين الصحف في كل صباح حول خلاف جديد بين البيت الابيض والقدس.

اليمين يطرح سلسلة من الاخفاقات في سلوك الولايات المتحدة الامريكية لتأكيد موقفه: التطلع لفتح حوار مع طهران، رفع المقاطعة عن سوريا، الاستعدادية للسماح لحماس بالمشاركة في العملية السياسية، صحيح ان ذلك ضمن قيود، وطبعا تأتينا الهجمة التي تشنها في قضية المستوطنات والقدس. ضمن هذا التوازن الزائف الذي تطالب فيه اسرائيل كما يظهر "باعطاء كل شيء" والعرب "لا شيء"، يحاول اليمين الاسرائيلي اظهار معضلة امام المواطن الاسرائيلي ومفادها ان "تكون مع أوباما" يعني ان تكون مناهضا للصهيونية، وان تكون ضد المستوطنات يعني ان تكون مع اوباما. هذه الدائرة الشيطانية المغلقة التي تحل فيها التشبيهات محل الحقائق والشعارات والسياسة.

هذه المعادلة يجب ان تكون معروفة للاسرائيليين. هي كانت حتى كانون الثاني 2009 هدفا أوحد للعرب عموما والفلسطينيين على وجه الخصوص. هم الذين كانوا يعتبرون امريكا عدوا والرئيس بوش ممثلا للصهيونية اليمينية. وهم الذين ادعوا بان الولايات المتحدة تطالبهم بـ "كل شيء" ولا تطلب من الاسرائيليين "شيئا". من هنا ان تكون فلسطينيا وطنيا كان يعني ان تكون مناهضا لامريكا قبل كل شيء.

ولان الادوار قد تبدلت والفلسطينيون اصبحوا يعتبرون اوباما الان مخلصا، ها هو اليمين الاسرائيلي يسارع الى تبني المعادلة الفلسطينية. عليه ان يقنع الجمهور بتأييد المستوطنات او بوحدة القدس الابدية، وهو لم يعد يطالب ببيع أي نوع من انواع الايديولوجيا. يكفيه ان يظهر اوباما في صورة العدو او على الاقل كجسم مشبوه حتى يبلور من حوله الوحدة العدائية المقدسة. هذه مهمة سهلة نسبيا خصوصا في مواجهة ادارة امريكية، لم تعد مستعدة للتغلف بكلمات مبهمة من اجل طرح اهدافها السياسية.

ولكن آثار هذا الحشد المناهض لامريكا اشد خطورة من تفكيك مستوطنة او حتى المس الجوهري بعملية السلام. هذا الامر قد يدخل اسرائيل في بوتقة واحدة مع عدة دول قليلة في العالم وضعت معارضة امريكا هدفا لنفسها.

الدواء موجودة مرة اخرى في العودة الى الحقائق. اوباما لم يبتدع سياسة امريكية جديدة. المعارضة لقانونية المستوطنات هي موقف امريكي مكرر وكذلك الامر بالنسبة لمكانة شرقي القدس او الجولان. فالولايات المتحدة ما زالت تتمسك بخريطة الطريق التي اعدت قبل سبع سنوات، الا ان اسرائيل لم تلاحظ على ما يبدو ان الفلسطينيين ينفذون البند الاول من هذه الخريطة بصورة كاملة تقريبا. النشاط العسكري ضد اسرائيل قد توقف حتى من غزة وهناك قوة فلسطينية آخذة في زيادة نجاعتها تتصدى للارهاب. في المقابل لم تقم اسرائيل بعد في الوفاء بقسطها في خريطة الطريق وهي تواصل المساومة حول هذه الخريطة وكأنها لم تتبناها ابدا.  كما أنه ليس لمطالبة الدول العربية بتطبيع علاقاتها مع اسرائيل وفقا للمبادرة العربية اي شيء تعتمد عليه. الالتزام بالتطبيع مشروط بالانسحاب من كل الاراضي المحتلة.

الولايات المتحدة غيرت شيئا واحدا بالفعل. هي غيرت سلوكها السياسي ولهجتها في الحديث. ولكن من الصعب حقا توجيه الانتقادات لمن ليس لديه استعداد لمواصلة ابتلاع الخداع والالتواءات والاكاذيب التي اطعمتها اسرائيل للادارة الامريكية.