خبر ما يريده دايتون بعد 60 عاماً على النكبة ..عصام نعمان

الساعة 10:45 ص|25 يوليو 2009

ـ الخليج 25/7/2009

سواء انعقد مؤتمر القاهرة لمصالحة “فتح” و”حماس” أو أرجئ، وسواء انعقد مؤتمر “فتح” في بيت لحم خلال النصف الأول من أغسطس/آب المقبل أو جرى تعطيله، فإن أياً من المؤتمرين لن يكون له تأثير مباشر في صناعة التسوية التي تؤكد صحيفة “معاريف” (17/7/2009) أن الرئيس أوباما سيطرحها ضمن خطته للسلام الإقليمي خلال بضعة أسابيع . وتعزو الصحيفة إلى بعض المسؤولين في “إسرائيل” قوله: “إن الخطة لن تنزل علينا كالرعد في يوم صافٍ، لأن الأمريكيين أطلعوا الحكومة على هذا الموضوع” . حتى لو اقتضى الأمر إيضاحات إضافية فإن الطرفين الأمريكي و”الإسرائيلي” سينجزان ذلك خلال زيارة سرية إلى “إسرائيل” تقول الصحيفة النافذة إن وزير الدفاع الأمريكي روبرت غيتس سيقوم بها قريباً، ويرافقه فيها مبعوث أوباما إلى الشرق الأوسط جورج ميتشل .

صحيح ان مصالحة “فتح” و”حماس” تعزز المركز التفاوضي الفلسطيني، لكن أياً منهما لن يكون الممثل الرسمي للفلسطينيين في المفاوضات . ويعتقد بعض “الخبثاء” ان الطرفين متفقان على ألا يتفقا . لماذا؟ لأن كليهما يريد أن ينأى بنفسه عن مفاوضات وبالتالي عن تسوية يعرف أنها لن تكون في مصلحة الشعب الفلسطيني .

الممثل الرسمي للفلسطينيين في المفاوضات سيكون السلطة الفلسطينية بشخص محمود عباس وحكومتها بشخص سلام فياض . هذا الموضوع حسم من زمان . فلا المقاومة، المقاومة الحقيقية، ترضى بمفاوضة “إسرائيل” في ظل ميزان قوى إقليمي مائل لمصلحة العدو بسبب مواقف بعض العرب “المعتدلين”، ولا “إسرائيل” ترضى بمفاوضة المقاومة تحت أي اسم وبأي صفة . لذلك اشترطت “إسرائيل” ووافقت الولايات المتحدة على أن تأتي التسوية نتيجة غلبة السلطة على المقاومة .

للوفاء بهذا الشرط، بدأ الأطراف المعنيون بالعمل على إيجاد المناخ والظروف الملائمة لتحقيقه . وبصرف النظر عمّن هو المسؤول عن الانشقاق السياسي، بل الوطني الذي أدى إلى إقالة حكومة اسماعيل هنية، فإن “الإنقلاب” الذي كرّس استقلال “حماس” بالسلطة في قطاع غزة رافقه “انقلاب” من طراز مغاير قامت به السلطة نفسها ضد حزبها، أي ضد حركة “فتح”، أدى عملياً إلى إقصائها واستقلال حكومة سلام فياض بالسيطرة على الضفة الغربية، بموافقة “إسرائيل” بطبيعة الحال .

الغاية من تسليط حكومة فياض كانت وما زالت إنهاء المقاومة، خياراً ومناخاً وتنظيماً وطريقاً وسياسة، في إطار تكريس خيار آخر هو خيار التسوية مع “إسرائيل” كامتداد منطقي لاتفاقات أوسلو . وقد تم تحقيق هذه الغاية بإعادة تدريب قوات الأمن الفلسطينية على نحو أحدث انقلاباً جذرياً في عقيدتها القتالية وتربيتها الوطنية ومهامها الأساسية وولائها السياسي وبالتالي في تحديد أعدائها .

بطل الانقلاب الحقيقي على المقاومة في الضفة الغربية هو الجنرال كيث دايتون، رجل أمريكا في السلطة الفلسطينية والمسؤول الرئيسي عن إعادة تدريب وتوجيه قوات الأمن الفلسطينية . من لديه شك في ذلك فيكلّف نفسه “متعة” الاطلاع على المحاضرة التي ألقاها دايتون في معهد واشنطن للسياسات الشرق أوسطية، وهو من أهم مراكز الدراسات المعنية بشؤون المنطقة .

استهل دايتون محاضرته، بل اعترافاته، بتأكيد ما هو من قبيل تحصيل الحاصل: أن الروابط بين الولايات المتحدة و”إسرائيل” غير قابلة للانفصام، وستبقى الى الأبد . صحيح أن مهمته تفرض عليه الاجتماع صباح كل يوم إلى وزير الداخلية الفلسطيني أو إلى قائد قوات الأمن الفلسطينية، إلاّ انه حريص على الاجتماع الى المدير العام لوزارة الدفاع “الإسرائيلية” بعد ظهر اليوم نفسه .

إزاء هذه الخلفية يشرح دايتون طريقته في العمل قائلاً: لقد ركّزنا على تحويل قوات الأمن الوطني الفلسطينية إلى “جندرما” مهمتها السيطرة على تظاهرات الشغب وكيفية التعامل مع الاضطرابات والقلاقل المدنية . كل ذلك بالتنسيق مع السلطات “الإسرائيلية” .

ماذا كانت النتيجة؟

يؤكد الجنرال المزهو بنجاحه أن ما فعله هو بناء رجال جدد، تتراوح أعمارهم بين 20 و22 عاماً، وأنه جعلهم يعتقدون، أفراداً وضباطاً، أن مهمتهم الأساسية هي بناء دولة فلسطينية . وللتدليل على معنى ذلك سياسياً قدّم مثالاً هو عبارة عن اقتباس من كلمة لضابط فلسطيني كبير في حديثه الى خريجين في دورة شهر ابريل/نيسان الماضي قائلاً: انتم لم تأتوا إلى هنا لتتعلموا كيف تقاتلون “إسرائيل”، بل كيف تحافظون على النظام وتطبقون القانون من أجل العيش بأمن وسلام مع “إسرائيل” .

ولا يكتم دايتون فخره بالتعاون الوثيق القائم بين ضباط قوات الأمن الفلسطينية وضباط الجيش “الإسرائيلي” . قال إنه كثيراً ما كان يطلب الضباط “الإسرائيليون” من قوات الأمن الفلسطينية الانتقال من المنطقة الأمنية (أ)  التابعة لسيطرتها (حسب اتفاقات أوسلو) إلى المنطقة (ب) التابعة للسيطرة “الإسرائيلية” وذلك لمساعدة الجيش “الإسرائيلي” على فرض الأمن، كما أكد دايتون انه خلال الحرب الأخيرة على قطاع غزة حصل تعاون وثيق بين قوات الأمن الفلسطينية و”الإسرائيلية” في السيطرة على التظاهرات وضبط الأمن في الضفة الغربية .

يختم دايتون محاضرته بعبارة رامزة: “نحن نتقدم إلى الأمام . إن السلام عبر الأمن “الإسرائيلي” لم يعد حلماً مستحيلاً . أظن ان هرتزل هو القائل: إذا أردت شيئاً فلن يكون حلماً” .

 هل يُعقل أن يصبح حلم الجنرال دايتون هو ما يريده الفلسطينيون بعد ستين عاماً من النكبات والمعاناة والمقاومة؟