خبر « أوباما » للعرب: كونوا شجعاناً لتستسلموا!! .. وحيد عبد المجيد

الساعة 04:47 م|24 يوليو 2009

بقلم: د. وحيد عبد المجيد

ليست هذه إلا بداية، مازال الرئيس الأمريكي الذي فتن به كثير من العرب والمسلمون في مستهل فترة رئاسته الأولي، ولكن قبل أن ينهي شهره السادس في البيت الأبيض، توصل إلى أن القادة العرب لا يمتلكون الشجاعة الكافية لدفع إسرائيل إلي السلام، قالها في لقاء مع بعض قادة اليهود الأمريكيين ليسمعها قادة العرب ويدركوا رسالته فيتحلوا بشجاعة الاستسلام. وهو ينتظر منهم الآن إجابة محددة علي سؤالين دقيقين للغاية أحدهما يتعلق بمسألة إجرائية ولكنها شديدة الحساسية، والثاني يتصل بمسألة مضمونية لا تقل حساسية إن لم تزد، والسؤالان هما: ما هي الخطوات التي يمكن للدول العربية أن تتخذها رداً علي تجاوب إسرائيل مع الجهود الأمريكية السلمية بشكل تبادلي، وهل تقبل هذه الدول حلاً لقضية القدس يقوم علي تدويلها بشكل ما وليس علي تقسيمها؟ وينطوي كل من السؤالين - المسألتين - علي حساسية فائقة، ولذلك فمن الصعب أن تقدم الدول العربية إجابة تفصيلية عن السؤال الأول، أو إجابة مباشرة وصريحة عن الثاني. فبالنسبة إلي السؤال الأول، نص البيان الذي صدر عن الاجتماع الطارئ لوزراء الخارجية العرب في 24 يونيو الماضي علي "الطلب من لجنة مبادرة السلام العربية القيام ببحث الخطوات التي يمكن اتخاذها إذا تجاوبت إسرائيل مع الجهود السلمية". ولا يقدم هذا النص إجابة تفصيلية عن السؤال الأمريكي، وإنما يلجأ إلي تعويم الموضوع علي الطريقة المعتادة في العمل العربي المشترك، وحتى بافتراض أن هناك جدية في بحث الخطوات المشار إليها، فالوقت لا يسمح في ظل الطريقة "السحلفائية" المعتادة أيضاً في هذا العمل العربي. ومع ذلك، فقد يكون هذا النص كافياً بالنسبة إلي صانعي خطة أوباما "السلمية" الذين يريدون تضمينها اتخاذ خطوات تبادلية بين العرب وإسرائيل، بحيث تكون العلاقة بين المفاوضات والتطبيع قائمة علي التبادل وليس علي التعاقب الذي تستند عليه المبادرة العربية، وفي إمكانهم أن يراهنوا علي أن الوضع العربي أضعف من أن يقاوم سيناريو محدداً للمبادلة. وربما تكون الاتصالات التي أجراها المبعوث الأمريكي ريتشارد ميتشيل في هذه المسألة تحديداً مشجعة لهم، فبعد أن كانت مصر قد رفضت طلب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتيناهو "القيام بخطوات متوازية" علي حد تعبيره، وردت عليه بأن هذا لا يصلح لأن خمس دول عربية فتحت من قبل مكاتب تجارية لدي إسرائيل التي لم تقدم شيئاً في المقابل، عادت وقبلت فكرة المبادلة التي هي صياغة أخري لمفهوم الخطوات المتوازية. ولم يكن هذا التحول مقصوراً علي موقف مصر وحدها، فالبيان الصادر عن الاجتماع الطارئ لوزراء الخارجية العرب، تبني جوهر هذا الموقف ولكن بصياغة حذرة. غير أن الوضع يختلف بالنسبة إلي مسألة القدس، التي لم يجد الزعيم الراحل ياسر عرفات دولة عربية مستعدة لتشجيعه علي قبول عرض لحلها علي أساس تقاسم السيادة في القدس الشرقية، بما في ذلك البلدة القديمة، حيث مخزن المقدسات الدينية، في مفاوضات الوضع النهائي "كامب ديفيد 2" في يوليو 2000. إذا كان هذا هو ما حدث قبل تسعة أعوام إزاء مقترح ينسجم مع الرؤية العربية العامة لحل مسألة القدس، ولكن علي أساس حل وسط يفرض تنازلاً جزئياً، فالأرجح أن الوضع اليوم بات أكثر حساسية بعد أن صار تقسيم القدس وتحويلها إلي عاصمتين لدولتين أشد صعوبة. فقد وصلت خطة "القدس 2020" التي بدأت عقب اتفاق أوسلو مباشرة، إلي مرحلة متقدمة للغاية علي طريق هدفها الرئيسي وهو خلق أمر واقع يجعل تقسيم القدس مستحيلاً. ولذلك يميل الرئيس أوباما إلي حل يقوم علي تدويل القدس، وقد أبلغت دول عربية بذلك، وطلب منها أن تحدد موقفها وتبدي رأيها في شأن أكثر من صيغة لهذا التدويل، ولكن إذا كان قبول التقسيم صعباً لأنه يضع من يوافق عليه تحت سيف الاتهام بأنه تخلي للعدو عن بعض المقدسات، فقد يكون التجاوب مع التدويل أكثر صعوبة لأنه قد يعرض من يقبله للاتهام بأنه تخلي عن المقدسات كلها! ولذلك آثر العرب، فيما يبدو حتى الآن، عدم الرد علناً، ولم يأت بيان وزراء الخارجية العرب الأخير بجديد البتة في هذه المسألة، إذ أعاد تكرار النص علي "قيام الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية"، وهذا نص لا معني له في ذاته لأنه يكتسب مغزاه من السياق، فتدويل القدس لا يمنع من أن تعتبرها الدويلة الفلسطينية الناقصة السيادة والمتقطعة الأوصال التي سيعرضها أوباما علينا عاصمة رمزية لها!.