خبر الأردن: حالة اصطفاف رسمي وشعبي ونخبوي غير مسبوقة ضد إسرائيل والتسوية

الساعة 05:16 ص|24 يوليو 2009

فلسطين اليوم-القدس العربي

دخول الصحافة الاسرائيلية على خط مناقشة اوضاع الفلسطينيين في المملكة الهاشمية يربك مجددا اوراقا مرتبكة بطبيعتها ويسبب الاحراج لعدة اطراف رسمية ويخلو من البراءة بكل الاحوال، مع ادراك الرأي العام الاردني بأن من يطارد الفلسطينيين ويقتلهم ويشردهم ويغتضب ارضهم لا يحق له بكل الاحوال مناقشة اوضاعهم في دول الجوار.

وهذا الدخول المصنف محليا في عمان باعتباره استخباريا في المقام الاول يحقق فورا نتائج معاكسة للنوايا الاسرائيلية التي يتعامل معها الاردن حاليا حكومة وشعبا بارتياب واضح، فالانطباع العام المتوافق عليه اردنيا في هذه المرحلة يتمثل في ان اسرائيل تهتم باثارة القلاقل والمشاكل في الاردن لاهداف اقلها الترانسفير وابشعها ما يسمى بالخيار الاردني الذي اعلنت مخيمات الفلسطينيين في المملكة ونخبتها وقوفها في الخندق المعارض لها حتى ان تطلب الامر كل اشكال المقاومة، كما يقول الوجيه خالد عرار احد القادة المحليين في مخيم البقعة للاجئين الفلسطينيين.

عرار يؤكد ان اللاجئ الفلسطيني في الاردن يقف الى جانب شقيقه الاردني في الخندق المرتاب باهتمام الصحافة الاسرائيلية وكل ما تقوله وفي المعسكر المستعد للموت دفاعا عن الاردن وفلسطين مقترحا على الجميع داخل البلاد وخارجها التأكد من عدم وجود فلسطيني واحد في الاردن او العالم يقبل بشطب حق العودة، ومشيرا لان مزاج المخيمات عموما تماما في الجهة المقاومة لاي خيار او سيناريو صهيوني.

ونفس المنطق كان قد استخدمه في واشنطن وزير البلاط والخارجية الاسبق مروان المعشر عندما تمنى الحظ السعيد لاي اسرائيلي يجد اردنيا او فلسطينيا واحدا داخل او خارج فلسطين والاردن يقبل بالخيار الاردني وبأقل من حق العودة.

وعليه يمكن القول ابتداء ان محاولات العبث في معادلة الفلسطينيين في الاردن التي تقوم بها صحف ومواقع اسرائيلية حاليا مكشوفة تماما للقاصي والداني، فالجبهة الداخلية متماسكة تماما كما قال رئيس تحرير صحيفة 'الدستور' محمد التل والاردن خبير بالبقاء كما قال طاهر المصري ولا يوجد ما يبرر الشعور بالقلق من اي تعليق او تعقيب صهيوني واسرائيلي، كما قال لـ'القدس العربي' وزير الخارجية الاسبق صلاح الدين البشير.

ومن هنا لا تصلح مشاركة الصحافة الاسرائيلية في حملة التعاطف مع فلسطينيي الشتات الا كأداة تذكر نصف الشعب الاردني بالوطن السليب والنصف الاخر بضرورة تحريره. فكل دمعة تمساح صهيونية - يقول الباحث والمحلل احمد القيسي - تذرف زورا وبهتانا على اي فلسطيني في الشتات تتحول فورا الى نهر من الدم المتدفق الذي يذكر الجميع بفلسطين التاريخية.

ومع ان الحكومة الاردنية فشلت مؤخرا كما يلاحظ القيسي في تبرير وتفسير تحولاتها المتسارعة في مسألة بطاقات الجسور والتعاطي معها الا ان التشدد الحكومي الاردني في مسألة البطاقات والجسور يتحالف مع المخططات ودموع التماسيح الاسرائيلية في تأطير وصناعة الحالة الفلسطينية اكثر في الاردن وخارجه، وبشكل يجعل الجنسية والرقم الوطني وحقوق الاقامة المدنية مسائل هامشية جدا قياسا بالمسألة المركزية وهي تحرير فلسطين والدفاع عن الاردن والاهم التصدي للسيناريو الاسرائيلي مهما كان.

وهذا التأطير حسب الخبراء والمحللين لا يحقق فائدة للاردن فقط بقدر ما ينعش آمال المقاومة ويقلب معادلات التطرف الاسرائيلية ويحيل الشعب الاردني من جميع الاصول والمنابت الى طاقة كامنة سترفض التسويات هذه المرة وسترفع شعارات التحرير التي لم تعد ترفعها حتى السلطة الفلسطينية ومؤسساتها، وستطالب بفلسطين التاريخية لان الفلسطيني في المنفى لم تعد ـ يقول عرار- تنطلي عليه لعبة السياسة وخياراتها ويرحب بأي تحولات في المواقف العربية تذكره بفلسطينيته.

اذا المعادلة ومن الناحية الاعلامية والعامة على الاقل تشير الى ان احدا في السوق لا يشتري رواية الصحافة الاسرائيلية عندما تحاول التعاطف مع الفلسطيني في منفاه دون ان يعني ذلك بالمقابل ترويج وتسويق الرواية التي تقول بأن تحسين حياة الفلسطيني في الخارج واحترام تضحياته وحقوقه الاساسية بعيدا عن التفريط بهويته وحقوقه التاريخية وارضه يصب ايضا في مصلحة المشروع الصهيوني.

يقول القيسي: استهداف المشروع الصهيوني مسألة واستهداف ضحاياه مسالة اخرى ومن غير المنطقي القبول بالمبدأ الذي يقول بأن حرمان الفلسطيني في المنفى من حقوق الانسان الطبيعية خطوة اساسية في طريق مقاومة المشروع الصهيوني لان مثل هذا الكلام مطابق لحالة التعاطف التي تظهرها صحافة اسرائيل مع اوضاع الفلسطينيين في الخارج ولان الحفاظ على الهوية الفلسطينية وحق العودة ينتج عبر احترام الفلسطيني وتجنب المساس بحقوقه .

هذا النمط من الجدال انشغلت به الاوساط السياسية والاعلامية الاردنية مؤخرا فيما يعتقد على نطاق واسع في اوساط القرار الاردنية بأن الجانب الاسرائيلي بدأ يتحرش ويعبث في شريك السلام الاردني القديم ومصالحه لاسباب لها علاقة على الأرجح بدور القيادة والدبلوماسية الاردنية في ترسيم حدود سقف الموقف الامريكي. عمان عمليا كان لها دور اساسي في انتاج موقف امريكي متصلب من بعض القضايا ولا زالت تراهن سياسيا وبقوة على خطة اوباما المفترضة التي لم تعلن بعد والتصور الرسمي ان هذا الدور ازعج اسرائيل وضايقها فبدأت ترد بمحاولات عبث تطال الاردن والاردنيين.

داخل المؤسسة الرسمية الاردنية هناك من يقرأ الحرائق الاسرائيلية التي اندلعت في منطقة الاغوار بفعل فاعل، كما قال وزير الزراعة الاردني سعيد المصري على اساس انها محاولة للعبث والمضايقة والتذكير بما ينبغي تذكره.. بنفس المستوى تقرأ مسائل اخرى من بينها تلويث اسرائيل لسدود المياه الاردنية على الحدود وكذلك مقالات ظهرت في صحافة تل ابيب تحاول المشاركة في نقاش بعنوان الحقوق السياسية للاردنيين من اصل فلسطيني.

وبنفس المستوى ايضا تقرأ تحرشات الكنيست الاسرائيلي بالاردنيين، الامر الذي انتهى عمليا الآن باصطفاف رسمي وشعبي ونخبوي اردني غير مسبوق يعادي ليس فقط عملية التسوية ولكن فكرة السلام واسرائيل نفسها.. وهذا هو التحدي الأبرز الذي يواجه المؤسسات الاردنية الآن.