أقدم جيش الاحتلال الإسرائيلي خلال الأيام الأخيرة على إضرام النار في مساحات واسعة من الأراضي الزراعية في قطاع غزة وتحديداً تلك الواقعة شمالي وشرقي القطاع، وذلك في إطار عمليات ميدانية يزعم من خلالها الكشف عن مخارج أنفاق وألغام، بالإضافة إلى تحديد مواقع انتشار لمقاتلين فلسطينيين في المناطق القريبة من السياج الحدودي.
ووفقاً لما أوردته القناة 12 العبرية، فإن عمليات الحرق طاولت آلاف الدونمات الزراعية، ويقوم جيش الاحتلال بمسحها ومراقبتها عبر طائرات مسيّرة صغيرة لتحديد الأنشطة في المنطقة، زاعما أن هذه العمليات أسفرت عن الكشف عن عدة فتحات أنفاق عُثر بداخل أحدها على أسلحة.
ويتزامن هذا التصعيد مع تحذير أطلقه برنامج الغذاء العالمي، حيث أعلنت المتحدثة باسم البرنامج أن الوضع الإنساني في غزة وصل إلى مرحلة حرجة للغاية، مشيرة إلى نفاد كامل مخزون المساعدات الغذائية في ظل استمرار إغلاق المعابر ومنع دخول الإمدادات الإنسانية. وبحسب البرنامج، كان نحو 700 ألف فلسطيني يتلقون وجبات غذائية يومياً قبل أن تتوقف المساعدات بفعل الحصار المشدد، في حين تتكدس الشاحنات المحمّلة بالإمدادات عند المعابر في انتظار السماح لها بالدخول إلى القطاع.
الحرق من أجل تجويع أهل غزة
وفي هذا الصدد، قال مزارع اللوزيات في حي الزيتون، جنوبي مدينة غزة، أحمد طافش إنه يرى يومياً حرائق بشكل مستمر من المناطق الشرقية للحي مصدرها الأراضي الزراعية هناك، معبراً عن غضبه وألمه جراء قيام الجيش الإسرائيلي بإحراق أراضٍ زراعية قرب الحدود بزعم الكشف عن أنفاق أو تحركات لمقاتلين.
وأضاف طافش: "يتحدث الجيش عن حرق الأراضي الزراعية للكشف عن أنفاق، ولكن في الحقيقة هو يفعل ذلك لتجويع المواطنين وحرمانهم من زراعة أرضهم والبقاء فيها، وحاليا نجد بوادر المجاعة بدأت تظهر بسبب إغلاق المعابر وعدم وجود خضروات وفاكهة". وأوضح أنه منذ بداية الحرب يحاول ورفاقه من المزارعين الحفاظ على ما تبقى من أراضٍ صالحة للزراعة لتأمين الغذاء لأسرهم ومجتمعهم، لكنهم يواجهون سياسة تدمير ممنهجة، من خلال حرق الأراضي الزراعية بشكل مباشر.
وحسب الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني، كانت قيمة الإنتاج الزراعي في قطاع غزة عام 2022 تقدّر بحوالي 575 مليون دولار، موزعة بنسبة 54% للإنتاج النباتي و46% للإنتاج الحيواني، وهو ما يدل على تنوع الإنتاج الزراعي في المنطقة.
ووفق الجهاز، فإن عدد العاملين في قطاع الزراعة في قطاع غزة بلغ حوالي 6.7% من إجمالي القوى العاملة، ما يعكس أهمية هذا القطاع في توفير فرص العمل وتخفيض نسبة البطالة، فيما يمثّل هذا القطاع قرابة 11% من إجمالي الناتج المحلي الإجمالي لاقتصاد غزة.
في المقابل، حذّر المتحدث الإعلامي باسم وزارة الزراعة في قطاع غزة محمد أبو عودة من الدمار المتسارع الذي يلحقه جيش الاحتلال الإسرائيلي بالبنية الزراعية في شمال قطاع غزة والمناطق الشرقية لمدينة غزة، مؤكداً أن هذه المناطق كانت تشكل العمود الفقري للإنتاج الزراعي في القطاع.
وقال أبو عودة: "شمال غزة والمناطق الشرقية من مدينة غزة هي مناطق زراعية بامتياز، وكانت تزرع فيها معظم المحاصيل الأساسية التي يعتمد عليها السكان في معيشتهم اليومية".
وأوضح أن فترة وقف إطلاق النار خلال شهري يناير/ كانون الثاني وفبراير/ شباط، سمحت بعودة عشرات المزارعين لاستصلاح أراضيهم، لا سيما في منطقة المجرفة، حيث بدأوا بزراعة الحقول مجدداً، إلا أن عودة العدوان الإسرائيلي أدت إلى توقف العمل الزراعي، فيما بدأت قوات الاحتلال بحرق وتجريف ما تبقى من الأراضي.
وأشار إلى أن المحافظة كانت تضم حوالي 30 ألف دونم من الأراضي الزراعية، إلا أن المساحات الصالحة للزراعة اليوم لا تتجاوز 20% فقط، مؤكداً أن ما تبقى منها يتعرض الآن للتجريف والحرق والتدمير الممنهج.
كما أضاف أن "الاحتلال لا يكتفي بتجريف التربة، بل يقصفها ويحرقها بالكامل، ما يؤدي إلى تغيّر طبيعتها الكيميائية والبيولوجية، ويجعلها غير صالحة للزراعة لفترات طويلة"، كاشفاً عن أن القطاع الزراعي في غزة كان يحقق نسبة اكتفاء ذاتي من الخضروات بلغت 115% قبل الحرب، الأمر الذي مكّن غزة من تصدير كميات منتظمة من الخضار إلى الخارج، لكن اليوم وبفعل العدوان، تقلّصت القدرة الإنتاجية إلى نحو 20% فقط، تتركز في مناطق "المحررات"، جنوب القطاع ووسطه.
وتابع أن "الفجوة في توفر الخضروات تصل حاليا إلى 80%، ما يهدد الأمن الغذائي ويزيد معاناة السكان، في ظل نقص حاد في الإمدادات وارتفاع أسعار المواد الغذائية، وهو ما انعكس بشكل كبير على أسعار الخضروات في الأسواق ويهدد المواطنين بالمجاعة مع إغلاق المعابر".
تدمير ممنهج للقطاع الزراعي
بدوره، أكد المنسق الميداني في مؤسسة الإغاثة الزراعية، المهندس أحمد قاسم، أن الاحتلال الإسرائيلي يتّبع سياسة ممنهجة لتدمير القطاع الزراعي في غزة منذ اليوم الأول للحرب، في إطار ما وصفه بـ"سياسة التجويع والإبادة الجماعية".
وأوضح قاسم، أن الخسائر اليومية في القطاع الزراعي تفوق المليون دولار، فيما تجاوز إجمالي الخسائر حتى الآن أكثر من 400 مليون دولار، مشيراً إلى أن الأضرار التي لحقت بالمزارعين والمرافق الزراعية تهدد الأمن الغذائي بشكل غير مسبوق.
وعن الوضع في شمال غزة، ذكر قاسم أن أكثر من 40% من الأراضي الزراعية دُمرت بالكامل بفعل العمليات العسكرية الإسرائيلية، وهو ما أدى إلى اختفاء المحاصيل الزراعية من الأسواق المحلية، وحرمان آلاف العائلات من مصادر رزقها.
أما على مستوى قطاع غزة ككل، فقد طاولت الأضرار البنية التحتية الزراعية بشكل واسع، حيث تم تدمير أكثر من 100 مستودع زراعي، و46 مخزناً، إلى جانب أكثر من 626 بئر مياه كانت تشكّل العصب الأساسي لري المحاصيل وتغذية الأراضي الزراعية، محذراً من أن القصف الصاروخي المباشر وحرق الأراضي ألحق أضراراً بيئية جسيمة، ومؤكداً أن التربة تحتاج لفترة تعافٍ لا تقل عن خمس سنوات لتعود صالحة للزراعة في المناطق التي تعرضت للحرق.
وفي مقابل ذلك، أشار قاسم إلى أن الأراضي التي تم تجريفها وتكديس تربتها بواسطة آليات الاحتلال يمكن إعادة استصلاحها خلال عام واحد على الأقل، لكنه نبّه إلى أن العملية تتطلب جهوداً كبيرة وإمكانات لوجستية وفنية ضخمة.
وقد برز أمس الخميس، إعلان المكتب الإعلامي الحكومي في غزة، أن القطاع دخل "مرحلة متقدمة من المجاعة" جراء الحصار الإسرائيلي المتواصل وإغلاق المعابر أمام دخول المساعدات والبضائع منذ 2 مارس/ آذار الماضي. وقال مدير عام المكتب إسماعيل الثوابتة، في تصريح صحفي، إن "الاحتلال الإسرائيلي يفرض حصاراً خانقاً ويغلق المعابر بشكل كامل منذ أكثر من شهرين". وأضاف أنه "يمنع إدخال المواد الغذائية والمساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة، ما أدخل القطاع فعلياً في مرحلة متقدمة من المجاعة".
المصدر: "العربي الجديد".