خبر زيادة نسبة تلوث وملوحة مياه الشرب في غزة تساهم في انتشار الأمراض

الساعة 05:21 ص|15 يوليو 2009

فلسطين اليوم : غزة

لم تكن نتائج الدراسة الألمانية التي أعدها مركز "هيلمهولتس" لأبحاث البيئة في مدينة لايبزغ في شرق ألمانيا، مؤخراً، والتي نبهت إلى أن تحاليل عينات مياه الشرب في قطاع غزة أكدت وجود نسبة عالية من مادة النيترات المؤكسدة التي تؤدي إلى أضرار صحية لدى الأطفال الصغار، بأحسن حالاً مما أظهرته الدراسة التي أعدها البنك الدولي بمشاركة مؤسسات مختصة محلياً حول مدى خطورة أوضاع المياه في الأراضي الفلسطينية، خاصة في قطاع غزة.

وبينت الدراستان أن النسب الموصى بها من قبل منظمة الصحة العالمية لمادة النيترات في مياه الشرب، وهي 50 ملليغراما في اللتر الواحد، يزداد تركيزها في مياه الشرب بقطاع غزة بنسب تتراوح بين الضعفين وثمانية أضعاف، وأن مشكلة بيئية خطيرة آخذة في التبلور في الضفة والقطاع بسبب وضع مصادر مياه الشرب.

وإزاء ما أظهرته نتائج الأبحاث هذه، من أن التحاليل التي أجريت على الأطفال الصغار في قطاع غزة أثبتت نقص كريات الدم الحمراء لدى نصف الأطفال تقريباً بسبب ارتفاع نسب النيترات في مياه الشرب الـمتوفرة من الينابيع والمياه الجوفية، كان لا بد على المؤسسات الخاصة والعامة، المختصة وذات العلاقة، أن تأخذ بالحسبان ارتفاع معدلات التلوث في المياه في قطاع غزة، والتي تُعد واحدة من أبرز وأخطر أزمات القطاع الذي عانى ولا يزال من احتلال وحصار دفعا بسكانه إلى أوضاع معيشية وإنسانية تكاد لا تصل بمختلف جوانبها إلى أدنى مستويات تلك الأكثر تدهورا في العالم.

وفي هذا السياق، أرجع المختص في الشؤون البيئية مدير مكتب الإغاثة الزراعية في غزة المهندس تيسير محيسن، أسباب تلوث المياه والهواء والتربة إلى ما تمارسه سلطات الاحتلال من انتهاك فاضح وصارخ لحقوق الفلسطينيين في الحصول على المياه في الضفة والقطاع، والذي فاق كل تصور منذ احتلال الأراضي الفلسطينية عام 1967، كما زادت وتيرته بشكل مضاعف ومطرد خلال الأعوام العشرة الأخيرة.

وقال محيسن لـ "الأيام"، إن هذا الانتهاك وصل إلى أقصى مدى ممكن من خلال سيطرة إسرائيل على الآبار الجوفية وإنشاء مصائد للمياه وسرقتها من داخل الأراضي الفلسطينية وتحويلها إلى داخل الخط الأخضر ثم إعادة بيعها للفلسطينيين من جديد بأسعار باهظة الثمن، إذ كان الاحتلال طوال سنوات احتلاله لقطاع غزة يقيم مستوطناته فوق كثبان رملية تعتبر من أفضل التربة لامتصاص مياه الأمطار وتخزينها في باطن الأرض، من أجل سرقتها وضخها إلى إسرائيل، وبالتالي تمتع المستوطن بكمية من المياه يومياً تصل إلى عشرة أضعاف ما يمكن للمواطن الفلسطيني الحصول عليه لأغراض أساسية وهي الشرب والنظافة الشخصية.

وأضاف: ناهيك عن ذلك، أغلقت إسرائيل السدود المقامة على الحدود الشرقية الفاصلة بين قطاع غزة وداخل الخط الأخضر، خاصة المقامة على وادي غزة ووادي السلقا ووادي بيت حانون، وذلك في فصل الشتاء، بهدف منع تدفق مياه الأمطار من جبال الخليل والنقب إلى تلك الوديان ليستفيد منها السكان المحليون في القطاع، مشيراً إلى أن سلطات الاحتلال كانت وما زالت تتعمد فتح هذه السدود في بداية كل موسم شتاء ليس كي يستفيد الفلسطينيون من مياه الأمطار المتدفقة بل من أجل غسل وتنظيف التربة المشبعة بالمواد الكيماوية من مخلفات المصانع والمخلفات الزراعية.

وعما إذا كانت الاتفاقات الفلسطينية الإسرائيلية الموقعة بشأن المياه مجحفة أم أن التعنت الإسرائيلي في تطبيقها هو الإجحاف بعينه، أكد أن المسألتين معاً، لأن قضية المياه تعد من القضايا المهمة والإستراتيجية في الشرق الأوسط، كما أنها قضية صراع، وقد تندلع حروب في المنطقة بسبب سيطرة هذا الطرف أو ذاك على منابع المياه، مشيراً إلى أنه ولأهمية هذا الموضوع في الشأن الفلسطيني الإسرائيلي، تم تأجيل الحديث فيه والتفاوض عليه إلى ما يعرف بمفاوضات الوضع النهائي مثله مثل موضوع اللاجئين والقدس والحدود.

وبيّن محيسن أن عدم إنصاف الاتفاقات الموقعة للفلسطينيين ربما يرجع لضعف الأداء التفاوضي، ولأن إسرائيل تضرب بعرض الحائط كل الاتفاقات الدولية بهذا الشأن، موضحاً أن العدوان الأخير على غزة واستهداف قوات الاحتلال للأراضي الزراعية وآبار المياه وشبكات الري والبرك المائية (الحصاد المائي) بشكل متعمد ومخطط له، يؤكد تعنت وانتهاك إسرائيل لحقوق الفلسطينيين في الحصول والتمتع بمصادر المياه لديهم.

وشدد على أنه من الضروري عدم جواز المساومة على أية قطرة ماء هي من حق الفلسطينيين، بل والمطالبة بالتعويض عن كافة الحقوق التي انتهكت وضاعت خلال السنوات الماضية من قبل الاحتلال، "لأن حقنا في المياه لا ينقص قيد أنملة عن حقنا في تقرير المصير وإقامة دولتنا الفلسطينية المستقلة، وبالتالي أنصح المفاوض الفلسطيني بالعودة إلى الاتفاقات الدولية وما نصت عليه، لأنه بالإصرار والإرادة يمكن تحقيق كل شيء، ولأن جزءا من حربنا التصدي للانتهاكات الإسرائيلية والمحافظة على الموارد الطبيعية والأرض".

بدوره، لم ينف المهندس رياض جنينه، الخبير والمختص بقضايا المياه، ورئيس مجموعة الهيدرولوجيين الفلسطينيين لتطوير مصادر المياه والبيئة، وجود التلوث في مياه الشرب، واستدرك قائلاً "إن لمنظمة الصحة العالمية والبنك الدولي معايير دولية خاصة تختلف نوعا ما عن المعايير المحلية في تحديد نسبة تلوث المياه ومدى صلاحيتها للاستخدام الآدمي".

وقال: من المؤكد حسب المعايير الدولية تسرب مادة الفسفور الأبيض إلى المياه الجوفية، وبالتالي هناك خطر على صحة الإنسان، مضيفاً إن لمنظمة الصحة العالمية والبنك الدولي معايير دولية خاصة في تحديد نسبة ملوحة المياه ومدى قدرة الإنسان على استخدامها، وقد رأت منظمة الصحة العالمية أن نسبة الملوحة في مياه الشرب يجب ألا تزيد عن 250 ملليغراما من نسبة تركيز عنصري الكلورايد والنيترات، في حين إن المعايير المحلية تقول إن النسبة يجب ألا تزيد على 500 ملليغرام.

وبيَّن أن هناك خططاً من قبل مؤسسات حكومية وغير حكومية لتطوير مياه الشرب في القطاع، والوصول إلى نسبة عالية من المياه العذبة والنقية تتوافق ومعايير الصحة العالمية، لافتاً إلى أنه تم مؤخراً افتتاح محطة البريج لتحلية مياه الآبار وتخدم نحو 25 ألف نسمة، إضافة إلى محطتين ومحطة دير البلح لتحلية مياه البحر.

وكانت الدراسة أكدت أن تزايد نسبة التلوث في مياه غزة زاد من معاناة المواطنين، وبات الكثير منهم مرضى بسبب ذلك، كاشفة أن نسبة المياه الصالحة للشرب في قطاع غزة قليلة جدا، وأن ما نسبته 10% من كمية المياه التي يتم تزويدها لسكان غزة فقط تتوافق ومعايير الصحة العالمية، ما جعل مياه الشرب سببا لما يقارب ربع الحالات المرضية في القطاع، لافتة إلى محاولة بعض المستثمرين أو المبادرين من القطاع الخاص إقامة محطات للتحلية، لكن ثمن المياه يعتبر الأعلى في هذه الحالة.

وحذرت الدراسة من خطورة وصول المياه العادمة التي تلقيها غزة يومياً في مياه البحر في ظل تواصل الحصار على قطاع غزة إلى مواقع تحلية المياه في المجدل، ما يعني وصول الأزمة إلى إسرائيل، بينما أوضحت أن الضفة الغربية تواجه مشكلة نقص المياه، وكذلك مشكلة النوعية، بما في ذلك المناطق المصنفة (ج) الواقعة تحت السيطرة الإسرائيلية التامة، مشبهة أزمة المياه التي تعيشها تلك المناطق بمثيلاتها في مخيمات اللاجئين في السودان والكونغو.

وفي السياق ذاته، قالت اللجنة الحكومية لكسر الحصار التابعة لحكومة غزة على لسان رئيسها حمدي شعث، إن عدداً كبيراً من آبار المياه مُهدد بالتوقف عن العمل، نتيجة نقص المعدات وقطع الغيار اللازمة لصيانتها منذ أكثر من عامين ونصف العام، مشيراً إلى أن أكثر من 800 بئر متوقفة عن العمل بشكل فعلي بحاجة إلى صيانة وإعادة تأهيل، من أصل ألفي بئر موجودة في مختلف مناطق قطاع غزة.

وذكر شعث أن أهم المعدات المفقودة في غزة هي محركات الديزل والكهرباء والأنابيب المختلفة الأحجام، مؤكداً أن توقف آبار المياه عن العمل سينعكس سلبا على الإنتاج الزراعي الحيواني في قطاع غزة الذي يعاني ضعفاً كبيراً في هذين المنتوجين، حيث طالب منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة "الفاو" بالتدخل العاجل والضغط على سلطات الاحتلال لفتح المعابر وإدخال معدات لصيانة آبار مياه القطاع، محملا "الفاو" المسؤولية عما يترتب على واقع المياه في غزة باعتبارها أعلى سلطة في الأمم المتحدة تسعى لتحقيق الأمن الغذائي في العالم، وتهتم برفع القدرات الإنتاجية الزراعية.