لا يخفي الفلسطينيون قلقهم مما ينتظرهم في الأيام المقبلة، والتي لا تتوانى فيها "إسرائيل" عن التلويح باستئناف الحرب خلال 10 أيام، في حال لم تقبل حركة حماس الإفراج عن المحتجزين، الأمر الذي أدى لوصول المفاوضات لطريق مسدود.
ومع التلويح بالعودة للحرب على غزة، أمر رئيس الوزراء "الإسرائيلي" بنيامين نتنياهو بإغلاق المعابر ومنع إدخال المساعدات لقطاع غزة، فضلاً عن قطع المياه.
وانتهت السبت الماضي الأول من مارس، المرحلة الأولى من اتفاق وقف إطلاق النار وتبادل الأسرى بين حركة المقاومة الإسلامية (حماس) و"إسرائيل"، الذي دخل حيز التنفيذ يوم 19 يناير/كانون الثاني الماضي.
إلا أن "إسرائيل" امتنعت عن الدخول في مفاوضات بشأن المرحلة الثانية خلافاً لما ينص عليه الاتفاق، فبدأت بالضغط على حركة حماس، بإغلاق المعابر ومنع دخول المساعدات إلى قطاع غزة والتهديد باستئناف الحرب.
وفي حين لا يقوى الفلسطيني في قطاع غزة بعد حرب الإبادة التي شنتها "إسرائيل" خلال 16 شهراً على تحمل استئناف للحرب نظراً لتفاقم الأوضاع الإنسانية، ليبقى السؤال المفتوح التي يتردد على لسان السكان ما مستقبل الأيام المقبلة وما السيناريوهات المطروحة على الطاولة.
الكاتب والمحلل السياسي حسن لافي، أوضح أنه في ظل هذه الحالة، فإن السيناريوهات المطروحة تتراوح بين تمديد الهدنة، أو استئناف الحرب، أو الدخول في جولة قتال سريعة، ومن ثم العودة لمسار التهدئة مجدداً.
وقال لافي:" في ظلّ هذه التعقيدات، يبدو أنّ الخيارات محدودة، لكنّ المطلوب هو التفكير بواقعيّة بعيداً عن المبالغات وردود الفعل العاطفية."
تمديد الهدنة وفق صيغة جديدة
أما السيناريوهات المحتملة وفق لافي، فأولها تمديد الهدنة وفق صيغة جديدة من دون التزام بوقف الحرب، حيث يُطرح حالياً مقترح قدّمه مبعوث الرئيس الأميركي، ستيف وتكوف، يقوم على تمديد الهدنة لمدة 50 يوماً مقابل إطلاق سراح نصف الأسرى الأحياء والأموات في اليوم الأول، مع بدء التفاوض ببن الطرفين، لكن من دون أيّ التزام إسرائيلي صريح بوقف الحرب.
وبين لافي، أن هذا السيناريو يحمل مزايا ومخاطر في آنٍ واحد: من جهة، يمكن أن يوفّر وقتاً إضافياً لتخفيف الأزمة الإنسانية في غزة، وإدخال مزيد من المساعدات والإمدادات الأساسية.
ولفت لافي إلى أن إطلاق عدد كبير من الأسرى دفعة واحدة قد يشكّل ضغطاً سياسياً داخلياً على حكومة الاحتلال.
واستدرك لافي:" لكن في المقابل، غياب أيّ التزام إسرائيلي بوقف الحرب يعني أنّ الاحتلال يريد سحب ورقة الأسرى من يد حركة حماس والمقاومة، مع عدم حلّ جذر القضية وهو وقف الحرب وإعادة إعمار غزة. "
وأوضح، أن استمرار الغموض حول النيّات الإسرائيلية قد يضع المقاومة في مأزق، إذ إنها ستكون عالقة بين القبول باتفاق غير مضمون، أو رفضه وتحمّل مسؤولية انهيار التهدئة.
استئناف الحرب لممارسة الضغط
أما السيناريو الثاني، فأوضح لافي أنه استئناف الحرب لممارسة الضغط العسكري على المقاومة، قائلاً:": قد تلجأ "إسرائيل" إلى التصعيد العسكري مجدّداً بهدف فرض مزيد من الضغط على حماس، في محاولة لإجبارها على تقديم تنازلات أكبر في أيّ مفاوضات مستقبلية، بمعنى العودة للمقاربة الإسرائيلية السابقة، أي المزيد من الضغط العسكري ما يساعد في جعل حماس أكثر مرونة في ملف الأسرى.
واستدرك لافي:" لكن هذا الخيار يواجه عدة عراقيل: الضغط الشعبي داخل "إسرائيل"، خاصة من عائلات الأسرى الإسرائيليين الذين لا يزالون في غزة، ولا سيما أنّ التجربة خلال 15 شهراً من الحرب أثبتت فشل مقاربة الضغط العسكري، وعدم وجود ضمانات بأنّ جولة القتال الجديدة ستؤدّي إلى تحقيق أهداف "إسرائيل" العسكرية.
جولة قتال سريعة
وعن السيناريو الثالث، فذكر لافي أنه جولة قتال سريعة ومكثّفة مع حصار مكثّف ومنع إدخال المساعدات الإنسانية.
وأضاف:" قد تحاول "إسرائيل" تنفيذ عمليات عسكرية مكثّفة تستهدف ما تبقّى من البنية العسكرية للمقاومة، على أمل تحقيق إنجازات سريعة من دون التورّط في حرب طويلة."
وتابع:" لكن هذا السيناريو أيضاً محفوف بالمخاطر: لا توجد ضمانات على أنّ المقاومة لن تردّ بقوّة، مما قد يؤدّي إلى تصعيد واسع النطاق، ومن السهل أن تتحوّل هذه العمليات إلى مواجهة طويلة الأمد، خاصة إذا لم تحقّق أهدافها خلال الأيام الأولى، وقد تؤدّي إلى تعقيد المفاوضات وإغلاق أيّ فرص لعودة الأسرى الإسرائيليين أحياء.
وأكد لافي، أنه في ظلّ هذه السيناريوهات، لا يمكن الاعتماد فلسطينياً فقط على ورقة الأسرى وإرادة المقاومة، بل يجب تبنّي خطاب سياسي وإعلامي أكثر شمولية، من أجل إرسال مجموعة من الرسائل للعرب والمجتمع الدولي، يزيد من هامش المناورة الفلسطينية في ظلّ الانحياز الأميركي الواضح لـ "إسرائيل.
مرتكزات الخطاب السياسي
ورأى لافي أن أهم مرتكزات الخطاب السياسي، هي: تأكيد حجم الكارثة الإنسانية في غزة، فغزة تعرّضت خلال أكثر من عام لموجة غير مسبوقة من التدمير، والخسائر البشرية والمادية تجاوزت حدود الكارثة، وأيّ حلّ لا يأخذ في الاعتبار وقف الحرب، و إعادة إعمار غزة وإغاثة سكانها لن يكون حلّاً حقيقيّاً.
وأكد أهمية التعامل بواقعيّة مع وضع المقاومة، فلا شكّ أنّ المقاومة ما زالت تمتلك إرادة القتال، إلا أنها تعرّضت لضربات موجعة، وخسرت جزءاً كبيراً من قياداتها وبنيتها العسكرية، الاعتراف بهذا الواقع ضروري لإعادة ترتيب الأولويات، وعدم تقديم صورة غير واقعية عن الوضع الميداني، وهنا من المهمّ الموازنة بين الرسائل الداخلية الهادفة لرفع معنويات الجبهة الداخلية الفلسطينية، وبين رسالة مظلوميّة الشعب الفلسطيني في مواجهة "إسرائيل" المدعومة بأكبر قوة عسكرية في العالم، الولايات المتحدة الأميركية .
وأكد ضرورة إيصال رسالة أنّ حماس ليست متمسّكة بالحكم، ويجب التأكيد أنّ الأولوية ليست بقاء حماس في السلطة، بل وقف الحرب وإنقاذ غزة. وحماس مستعدّة لتسليم إدارة غزة لأيّ جهة فلسطينية أو عربية، شريطة أن يؤدّي ذلك إلى وقف الحرب و إعادة الإعمار وتحسين الأوضاع الإنسانية.
ودعا لافي لاستثمار ملف الأسرى بذكاء، والتركيز على الضغط الشعبي داخل "إسرائيل" لدفع حكومتها نحو حلول سياسية لقضية الأسرى لدى المقاومة حتى ولو كان الثمن وقف الحرب.
كما أشار إلى إبراز المعاملة الجيّدة للأسرى الإسرائيليين كدليل على أنّ المقاومة الفلسطينية ليست منظّمات إرهابية، بل طرف سياسي وعسكري مسؤول عن قضية شعب مظلوم تحت الاحتلال.
وأوضح لافي أهمية إيصال رسالة واضحة بأنّ غزة غير قادرة على الاستمرار في وضعها الحالي، مبيناً أن الحكومة الحالية في غزة لا تمتلك الإمكانيات لإعادة الإعمار أو حتى توفير الحد الأدنى من مقوّمات الحياة، وأن استمرار الوضع كما هو سيؤدّي إلى كارثة إنسانية قد تمتدّ آثارها إلى الإقليم بأكمله.
تفكير استراتيجي ودراسة المقترح جيداً
وأكد الكاتب السياسي أهمية دراسة مقترح التهدئة بحذر شديد، بحيث لا يتحوّل إلى فرصة لـ "إسرائيل" لاستئناف الحرب مجدداً. بدعم وشرعية الرئيس الأميركي دونالد ترامب، وهذا يتطلّب تحرّكاً دبلوماسياً سريعاً لفتح قنوات مع الأطراف العربية على ضوء انعقاد القمة العربية في القاهرة، والحديث عن خطة مصرية لإعادة إعمار غزة من دون تهجير أهلها، بهدف وضع إطار سياسي واضح لمستقبل غزة بعيداً عن المخططات الصهيونية.
كما بين ضرورة إعادة تقييم الخطاب الإعلامي بحيث يكون مركّزاً على المطالب الأساسية، بعيداً عن المبالغات أو التبريرات غير الواقعية.
ودعا لتوحيد الموقف الفلسطيني، لأنّ استمرار الانقسام قد يضعف أيّ جهود تفاوضية مستقبلية.
ورأى لافي أن المرحلة المقبلة تتطلّب تفكيراً استراتيجياً بعيداً عن ردود الفعل العاطفية، فقبول أيّ مقترح للتهدئة يجب أن يكون مشروطاً بضمانات واضحة، حتى لا يتمّ استغلاله لصالح الاحتلال.
وأكد لافي على أن المطلوب ليس فقط وقف الحرب، بل ضمان مستقبل أفضل لغزة وأهلها، من دون الوقوع في فخّ المخطّطات الإسرائيلية لليوم التالي في غزة والمنطقة.