خبر لنقتل الديناصور الاخير.. هآرتس

الساعة 08:07 ص|12 يوليو 2009

بقلم: نحميا شترسلر

حتى بعد وابل الانتقاد الذي تلقاه بنيامين نتنياهو هذه الايام يجدر بنا أن نعترف انه لم يفقد بعد لمسته السحرية في كل ما يتعلق بالتسويق الاعلامي. ففي مؤتمر قيساريا الذي انعقد الاسبوع الماضي في ايلات لم يتحدث في مواضيع باعثة على التثاؤب كالميزانية، العجز والضرائب، بل القى كلمة في الموضوع الاكثر قربا من قلب كل اسرائيلي عادي: شقته.

وسمي الخطاب منذئذ "خطاب الشرفة"، إذ وصف فيه نتنياهو المصاعب والتعقيدات البيروقراطية التي يواجهها كل زوجين شابين لا يريدان بالاجمال سوى اغلاق شرفة. وهما يحتاجان الى الحصول على الاذون من كل العالم، من مديرية اراضي اسرائيل، من لجان البناء المختلفة وكذا من البلدية. وكل شيء يكلف مالا كثيرا ويستغرق وقتا طويلا.

نتنياهو ضرب مثلا جذابا، ولكنه قصد في واقع الامر صورة أوسع: كل فرع البناء. ومع أنه معروف وجلي بان الحصول على رخصة بناء هي مسيرة طويلة السنين وتحتاج الى تمويل كبير بل واحيانا الى اموال الرشوة. المقاولون الجيدون يغادرون البلاد ويبنون في الولايات المتحدة – إذ هنا تطحنهم عجلات البيروقراطية.

مديرية اراضي اسرائيل هي الديناصور الاخير. هذه هي الهيئة الاكثر تعقيدا وبيروقراطية، العامل الذي يمنع البناء، التطوير والبنى التحتية. كل مصنع، كل مصلحة تجارية، كل طريق وكل حديقة تحتاج الى تخصيص ارض من جانب المديرية، وهي تتمتع حقا من تجاهلها. إذ ان قوتها لا نهاية لها. إذ ان اسرائيل هي الدولة الوحيدة في العالم التي تحتفظ بها هيئة سلطوية واحدة بـ 92 في المائة من الاراضي. وحتى في الصين توجد مسيرة سريعة لبيع وخصخصة الارض. في المانيا الشرقية السابقة باعوا منذ الان للمواطنين 65 في المائة من اراضي الدولة. فقط عندنا كل شيء يوجد في يد المديرية، والتي تدار من فوق.

المديرية تسيطر على عرض الارض وسعرها. وهي تقرر كم من الارض سيعرض للبيع وأين. ولما كانت تحاول تعظيم مداخيلها الى الحد الاقصى، فان المواطنين يعانون من ثمن منتفخ ومثير للحفيظة للارض، والاقتصاد يعاني من جمود فرع مركزي فيه.

في اسرائيل اليوم يوجد لـ 800 الف نسمة شقة بملكيتهم. ولكن الارض التي بنيت عليها الشقة هي بملكية المديرية. اصلاحات نتنياهو ستنقل الملكية الكاملة الى المستأجر. وهكذا عندما يرغب في اغلاق شرفة – لن يحتاج بعد اليوم الى مصادقة المديرية.

كما أن المديرية ستكف عن ان تكون المخطط الحصري لاستخدام الارض. وهي ستلزم بان تبيع الارض غير المخططة للمقاولين، وتكون السلطة المحلية هي المسؤولة عن التخطيط والتطوير. وهكذا ستضطر المديرية الى تسويق المزيد من الاراضي، وعليه فان سعر الارض سينخفض – في صالح كل المواطنين.

ولكن هنا ايضا، وكأن به اشارة من فوق، تجند الخضر واولئك الذين يسمون أنفسهم على سبيل الخطأ "اجتماعيين" ضد الاصلاحات. فهم غير مستعدين للتخلي عن ملكية الدولة وعن الادارة الحكومية. فمن جهة، يوجد لهم انتقاد على السلطة التي ترتكب الاخطاء فقط، ولكن من جهة اخرى يريدون لذات السلطة أن تواصل التحكم بالارض.

أفلا يفهمون بان مجرد الاحتفاظ بهذا الكنز الكبير هو المصدر للفساد؟ فكل قضايا الفساد الكبرى في المديرية ابتداء من اصدار التراخيص للمقربين والنشطاء السياسيين لتحويل ارض زراعية الى ارض للبناء والتجارة.

ما الضير في وضع يكون فيه بوسع المواطنين شراء أرض في أرجاء الدولة؟ مثلا في النقب، الذي يقف في حالة قفر. وبعد أن تتقرر المخططات الهيكلية المناسبة، سنرى فجأة زخم مبادرات كبرى حتى في النقب. واحد يشتري بضعة دونمات كي يقيم صناعة خضراء تستغل طاقة الشمس. آخر يقيم مشروعا سياحيا يستغل المشهد الصحراوي الخاص. ثالثا يبني قرية استجمام لكبار السن من ارجاء العالم ممن يبحثون عن الدفء – حتى في الشتاء. كل شيء ممكن عندما تمنح امكانية العمل للمبادرة الخاصة ولا توضع العصي في عجلاتها.

ماذا كانت ذات مرة لاس فيغاس، اطلنطا ودالاس؟ كانت جميعها صحراء. ولكن في اللحظة التي اتيح للمواطنين الامريكيين شراء الارض – وصل المستثمرون، بنوا سكك الحديد وأقاموا المدن والولايات مثل اريزونا، تكساس ونيفادا، أفلا يوجد هناك حدائق؟ أفلا يوجد هناك حياة؟

للخضر وللاجتماعيين انضم حلفاء متوقعين جدا: المستوطنون ورجال اليمين، الذين يريدون ان تواصل الدولة السيطرة على الارض بحيث يمكنها تخصيص المزيد من "اراضي الدولة" لهم في المناطق ومنع العرب من السكن في حدود الخط الاخضر.

خطة نتنياهو جديرة بالانتقاد من الاتجاه المعاكس بالذات. فهي صغيرة جدا وجزئية جدا. وبدلا من الاقتراح لنقل الملكية فقط والتذاكي في تحويل المديرية الى "سلطة اراضي" يجب السير بخطوة كبيرة ونقل الاراضي باسرها الى اصحابها الحقيقيين: المواطنين. يجب تحويل الارض الى عنصر انتاج حر وطبيعي، بالضبط مثل المال والعمل. يجب اغلاق المديرية وبيع كل مخزون الاراضي – لكل من يطلب.

هذه هي الثورة المطلوبة. كل اقتصاد حديث يعمل جيدا فقط عندما تكون ملكية خاصة، عندما تكون مبادرة شخصية وعندما تكون حرية عمل. هكذا فقط تتحقق التنمية، النمو والانخفاض في معدل البطالة. وعليه، فقد حان الوقت للتخلص من مديرية اراضي اسرائيل؛ يجب قتل الديناصور الاخير.