خبر قهقهات في دمشق: نتانياهو المتذاكي ..عماد فوزي شعيبي

الساعة 09:49 ص|11 يوليو 2009

ـ الحياة 11/7/2009

نشرت صحيفة «هاآرتس» أن الرئيس السوري بشار الأسد رد اقتراح رئيس الوزراء بنيامين نتانياهو استئناف المفاوضات بين الدولتين الى «نقطة الصفر». وذلك أثناء استقبال الأسد المبعوث الأميركي الى الشرق الاوسط جورج ميتشيل. وقال نتانياهو لميتشيل انه معني باستئناف المفاوضات مع سورية «من دون شروط مسبقة»، وشدد: «لست مستعداً للتعهد مسبقاً بانسحاب كامل من هضبة الجولان». وهنا رد الرئيس الأسد، رداً باتاً، الاقتراح الإسرائيلي وشدد على أن إسرائيل تعرف جيداً بأن الأساس للمفاوضات هو انسحاب كامل من هضبة الجولان. كما شدّد الاسد على أن المفاوضات يجب ان تستأنف من النقطة التي توقفت عندها في عهد رئيس الوزراء السابق ايهود اولمرت، أي، في المرحلة التي يصوغ فيها الطرفان الالتزامات المتبادلة التي تسمح بالانتقال الى مفاوضات مباشرة بين الدولتين.

ونقلت «هآرتس» أنه في محادثات ميتشيل في إسرائيل سمع من نتانياهو ورجاله أنهم مستعدون لإدارة مفاوضات على تسوية في الجولان لا تتضمن انسحاباً كاملاً، بل تسوية تقوم على أساس مفاوضات اقليمية تضم الأردن ولبنان أيضاً، وفي اطارها تجرى تبادلات للأراضي تسمح لإسرائيل بمواصلة الاحتفاظ بعدة نقاط في هضبة الجولان. وبحسب المصدر، عندما طرح ميتشيل هذه الأفكار على دمشق «سقط السوريون عن كراسيهم من شدة الضحك».

نعم. مضحك جداً نتانياهو في دمشق وغيرها عندما يظن أنه بهلوان جدّي! هذا التذاكي الذي يتمتع به في ألعابه البهلوانية التي تهدف إلى كسب الوقت وتمييع القضايا والوقوف على حافة الهاوية بين خصومه السياسيين ومستلزمات خطة الرئيس أوباما وحقوق السوريين والفلسطينيين واللبنانيين متشاطراً إلى أبعد حد، كما يظن، لكنه لا يعلم (أو يعلم ربما) أن هذا التشاطر لم يعد يجدي نفعاً وأنه محكوم بدخول عملية سلام كجزء لا يتجزأ من استراتيجية الخروج، وأنه يستطيع أن يقول ما يشاء وكان عليه أن يفعل ما يشاء الأميركيون. هل يجازف بالمواجهة معهم؟ فليكن. سيكون المشهد من النوع الذي يستسيغه المراقب الذي طالما اشتكى من تأثيرات الإسرائيليين على الأميركيين بانتظار انقلاب صورة المشهد النمطي السالف الذكر. معروف عن نتانياهو أنه عندما يقول شيئاً ويبعث برسائل من تحت الطاولة، فإنه يريد شيئاً آخر، ولكنه يفعل في النهاية ما يقوله، أي أنه يتشدد ويرسل رسائل غاية في التنازلات ويضع في آخرها ما يعرقل، والنتيجة هي التشدد. كما أنه معروف بأنه بطل الحروب و «العنتريات»، ولكن في المشاهد الإعلامية. وفي اللحظة المناسبة يتخوف من خوض حرب. أوليس أفضل أنواع التهدئة عُرف في عهده؟ أما في مواجهة الفلسطينيين، فطالما أنهم عزّل، فهو أستاذ في معادلة «السفاح المبتسم».

الكرة الآن في ملعب نتانياهو. فهل يستطيع في بهلوانياته أن يخرج من خرم إبرة الرئيس الأميركي؟ قد يستطيع ولكن بتكلفة عالية في العلاقة الإسرائيلية – الأميركية وحصارها في الضفة الأخرى من معادلة الصراع، أي لدى الطرف العربي. سيتنازل نتانياهو، ولكن تحت الضغط الأميركي، والمطلوب إلا يُسمح له أن يمارس ألاعيبه في إضاعة الوقت.

السوريون بطبيعتهم غير مستعجلين. هم أساتذة قضم الوقت وربح الزمن ومحترفو لعبة الهاوية (التي لا يزال نتانياهو حديث العهد بها) ولعبة عض الأصابع. ينتظرون أن يكون هنالك شريك، ولا شريك حتى الآن. هذه هي المعادلة السورية، فهاهم يحشرون خصمهم في الزاوية. لا تعامل مع هذه البهلوانيات. والمطلوب وضوح كامل في إقرار الانسحاب من الجولان حتى حدود الرابع من حزيران (يوينو). ولكن وعلى رغم كل شيء، فإن الرئيس الأسد يبدي استعداداً للعودة إلى مفاوضات «استكشافية» غير مباشرة!

لا يحب السوريون أي نوع من التنازلات ولو بالشكل، فهم حازمون في هذا الاتجاه ويعرفون سر قوتهم ولا يغالون فيها، وكذلك سر ضعف عدوهم وقوته ويبنون عليهما. واضحون إلى أبعد حد.  يريدون سلاماً. جاهزون له بقوة عودة أرضهم كاملة وشمولية عملية السلام. إذا أرادوا أن يقيموا سلاماً مع سورية على أساس إعادة الأرض فإنها ستكون اتفاقية سلام وليس سلاماً.

السوريون لا يمزحون. يعرفون السر الشخصي لمكانتهم الإقليمية، والعبث معهم غير مقبول. هم يعرفون أن معادلة الانسحاب من الأرض بالنسبة الى اليمين الإسرائيلي ضرب من اقتلاع لا يستقيم وفق قناعاتهم، وبالتالي هذه مسؤوليتهم. وعلى الوسيط الأكبر أن يحل هذه الإشكالية. ماذا يريد الإسرائيليون؟ تقطيع الوقت أم إنجاز سلام؟ الإجابة على هذا السؤال ستحدد مصير المنطقة ربما لعقود. فهذه اللحظة استراتيجية بامتياز، ولكن، من دون تدخل أميركي واضح المعالم يتجاوز التهدئة مع نتانياهو، فإن شيئاً ما لن يكون منتظراً.

سؤال آخر يطرح نفسه: هل يريد الإسرائيليون فعلاً السلام؟