آية العديني
في خضم الحرب التي شنتها "إسرائيل" على قطاع غزة ولم تهدأ للحظات، برزت معاناة الأمهات حديثات الولادة في قطاع غزة ، حيث واجهن ظروفًا حياتية قاسية هددت حياتهن وحياة أطفالهن.
ومع استمرار تبعات الحرب الصهيونية المتفاقمة، لا تجد هذه الأمهات ملاذًا آمنًا، في الوقت الذي يعانين فيه من نقص حاد في الخدمات الطبية، المواد الغذائية، والمياه.
أم يوسف معركة البقاء في مواجهة البرد
الظروف التي تعيشها “أم يوسف”، واحدة من السيدات اللاتي لا يجدن مأوى سوى خيمة لا توفر حتى الحد الأدنى من متطلبات الحياة، هي نموذج حي لواقع مرير يعيشه العديد من الأسر في غزة.
تقول “أم يوسف” بصوتٍ منخفض ومليء بالحزن: “لا نملك سوى الخيمة التي نعيش فيها مع ابني يوسف، البرد في الشتاء هنا لا يُطاق، والمكان لا يوفر لنا خصوصية أو حتى الحد الأدنى من النظافة، أتمنى فقط أن أتمكن من توفير شيء لطفلي، لكن لا أملك شيئاً سوى الدعاء.”
تضيف أم يوسف أن الخيمة التي تأويها لا تحتوي على أي وسائل تدفئة، مما يجعل الطفل يعاني من البرودة الشديدة، لا سيما في الليل.
ومع عدم وجود حمام أو مكان للنظافة الشخصية، يصبح الحفاظ على صحة الطفل أمرًا بالغ الصعوبة.“في كثير من الأحيان، لا أتمكن من تنظيفه بالشكل الصحيح بسبب غياب الماء الساخن والمرافق الأساسية، هذا يزيد من احتمالية إصابته بالأمراض.”
“أم أمير” - حياة في ظل الركام
في أحد الأحياء الشرقية لمدينة خانيونس، تعيش “أم أمير” في منزل متهدم بالكامل جراء القصف العنيف. تقول أم أمير بصوتٍ متقطع، بينما تهز طفلها حديث الولادة بين يديها: “قبل أن يبدأ القصف، كان لدينا منزل، وكانت لدينا أحلام، لكن الآن أصبحت حياتنا على حافة الهاوية.
منزلي دُمر، ولا أستطيع حتى أن أضمن لطفلي الدفء أو الغذاء المناسب”.
أم أمير، التي ولدت طفلها في ظروف قاسية، تحاول تدفئة صغيرها باستخدام بطانيات قديمة لكنها غير كافية “البرد القارس يؤذي طفلي، وخاصة مع انقطاع التيار الكهربائي لأيام طويلة، حتى الرعاية الطبية أصبحت شحيحة، وأذهب إلى المستشفى حيث أجدها مكتظة بالمصابين ولا أستطيع الحصول على العلاج الذي أحتاجه”.
“أم فاطمة” - أزمة غذائية وصحية مضاعفة
“أم فاطمة” هي مثال آخر لواقع مرير تعيشه الكثير من الأمهات في قطاع غزة ، حيث تعاني من نقص حاد في المواد الغذائية والأدوية اللازمة لابنها حديث الولادة. تقول أم فاطمة: “طفلي يحتاج إلى حليب وأدوية خاصة، لكن الأسعار مرتفعة جدًا في الأسواق، والأسواق نفسها شبه خالية من المواد الأساسية بسبب الحصار”.
وأضافت: “أذهب إلى المستشفى في كل مرة يصاب فيها طفلي بنزلة برد أو التهاب، لكن الأطباء لا يستطيعون مساعدتي بشكل كافٍ بسبب النقص في الأدوية والمعدات، الوضع هنا أصعب من أن أتحمله. كيف لي أن أرى طفلي يعاني وأشعر بالعجز؟”
“أم زين” - الظلام يطغى على الأمل
أما “أم زين”، التي تعيش في إحدى المخيمات وسط خانيونس، فقد فقدت القدرة على تحمّل المزيد من الضغط النفسي والجسدي، مع انقطاع الكهرباء المستمر والبرد القارص الذي يلف المنطقة، أصبحت تجد صعوبة في تأمين الحليب لطفلها، “منذ بداية الحرب، وأنا في حالة من القلق المستمر، لا أستطيع إضاءة المكان حتى أتمكن من رؤية ابني، ولا أستطيع تأمين الطعام أو الدواء له” تقول ام زين .
أم زين، التي تعيش في خيمة بلا حمام أو مرافق صحية، لا تجد أي وسيلة للحفاظ على نظافة طفلها، “الحمام الوحيد في المخيم بعيد جدًا عن مكان إقامتي، ولا أستطيع الوصول إليه في معظم الأحيان".
الأطفال تحت النار: خطر مضاعف
عاشت الأمهات في قطاع غزة تحت تهديد الموت المباشر بسبب الحرب المستمرة، لكن الوضع يصبح أكثر خطورة بالنسبة للأطفال حديثي الولادة، إذ يعاني هؤلاء من البرد القارس والأمراض نتيجة الظروف البيئية الصعبة، ناهيك عن نقص الرعاية الصحية اللازمة، الدكتور “رامي حماد”، أحد الأطباء في مستشفى ناصر في خانيونس، يشير إلى أن “الأطفال حديثي الولادة في ظل الحرب عانوا العديد من الأمراض التنفسية بسبب البرودة، كما أن نقص الأدوية وغياب التغذية السليمة يهدد حياتهم بشكل مباشر”.
الدكتور حماد أضاف: “الضغط على المستشفيات هائل جدًا في ظل القصف المستمر، ونحن لا نملك الإمكانيات لتقديم الرعاية اللازمة لجميع الأطفال. نحتاج إلى دعم عاجل لتأمين العلاج والأدوية”.
التحديات الصحية: بين الحرب والفقر
تفاقم الحرب الوضع الصحي في قطاع غزة بشكل غير مسبوق، فقد أدى الحصار المستمر على القطاع إلى تقليص إمدادات الأدوية والمعدات الطبية، مما جعل من الصعب توفير العلاج لأعداد متزايدة من المرضى، بما في ذلك الأطفال حديثي الولادة.
في وقت تصبح فيه الخدمات الطبية محطمة، فإن الأمهات لا يمتلكن إلا القليل من الخيارات.
الطبيب “خالد النجار”، أخصائي في طب الأطفال في مستشفى خانيونس، يوضح: “الأطفال حديثو الولادة في خطر حقيقي، خاصة في هذه الأوقات الحرجة. هناك نقص حاد في الأدوية والمعدات الطبية، ونحن نواجه ضغطًا غير مسبوق بسبب الحرب. يزداد الوضع تعقيدًا مع نقص المياه والكهرباء”.
الأمل في مواجهة العجز
على الرغم من الظروف القاسية التي تواجهها الأمهات في قطاع غزة ، يبقى الأمل جزءًا من صمودهن.
المنظمات الإنسانية، على الرغم من محدودية وصولها إلى القطاع بسبب الحصار، تقوم ببذل جهود جبارة لتقديم الدعم العاجل، لكن هذا الدعم لا يكفي لمواجهة حجم المعاناة التي يعيشها السكان، ويظل النداء موجهًا إلى المجتمع الدولي والمنظمات الإنسانية لتكثيف مساعداتها بشكل عاجل.
الخلاصة
في قطاع غزة، حيث تقبع الحرب في كل زاوية، يواجه الأطفال حديثو الولادة أزمات صحية وبيئية مدمرة تهدد حياتهم بشكل يومي.
الأمهات، اللواتي يقبعن تحت عبء المعاناة، يحاربن الظروف بلا دعم كافٍ، بينما يبقى الأمل في إغاثة عاجلة قادرًا على منحهم فرصة للبقاء.
في ظل هذه الكارثة الإنسانية، يظل الصوت الوحيد الذي يمكن أن يُسمع هو صوت من يطلب المساعدة قبل فوات الأوان.