خبر يذرون الرماد في العيون .. هآرتس

الساعة 12:49 م|10 يوليو 2009

بقلم: عاموس هرئيل

صدمة كبيرة ضربت القدس في هذا الاسبوع. واشنطن الشريرة: وكأن تجاهل ادارة اوباما للتفاهمات التي تم التوصل اليها بين اسرائيل وادارة بوش حول استمرار النمو الطبيعي في الكتل الاستيطانية لم يكن كافيا، ما يظهر الان انه لا يوجد اتفاق حتى حول البؤر الاستيطانية. التسوية التي تم التوصل اليها بين رايس وفايسغلاس التي تتحدث عن اخلاء 26 بؤرة استيطانية اقيمت في الضفة بعد دخول حكومة شارون لمنصبها في اذار 2001 ( عددها تقلص الى 23 في الوقت الحالي) لم تعد مقبولة على الامريكيين. الان نشر في "معاريف" ان الولايات المتحدة تطالب باخلاء اكثر من المائة بؤرة استيطانية المشمولة في سجلات الامم المتحدة وتقرير اسرائيلي موازي اعدته المحامية تاليا ساسون. ليس هناك شك: لم يتبق لنا من نعتمد عليه. اسرائيل التي التزمت كما هو معروف بكل التزاماتها باخلاء البؤر الاستيطانية تقف مذهولة امام تقلبات الولايات المتحدة.

من خلف العناد الامريكي المنمق ولكن الخالي من الاحساس، هناك فهم اساسي للواقع. الولايات المتحدة تنكل باسرائيل قليلا لانها تستطيع ذلك بكل بساطة. رئيس وزرائها ليس محبوبا على الرئيس الامريكي. الضغط الذي تمارسه الادارة الامريكية بتجميد البناء في المستوطنات يتمخض عن تعاطف معين في الدول العربية مع امريكا من دون دفع حقيقي من الجانب الاخر. لن تخرج اي منظمة يهودية امريكية ضد الرئيس في هذه القضية. لذلك ترفص الادارة الامريكية المواقف القديمة. خطها الرسمي يقول ان كل شيء – المستوطنات داخل الكتل وخارجها من جانبي الجدار والبؤر المقامة بعد 2001 وقبله – يجب ان تتوقف (اما البؤر الاستيطانية فيجب ان تزال جميعها).

في جانب واحد على الاقل يمكن ايجاد منطق في النهج الامريكي الحالي. البؤر الاستيطانية هي استمرار للعملية الاستيطانية بوسائل اخرى. التمييز الواضح بينها مصطنع. كل بؤرة تقام من خلال علاقة مباشرة مع مستوطنة أم وبهدف واضح لتوسيع السيطرة على الارض وضمان السيطرة الاسرائيلية في حوض اكثر اتساعا. البناء في البؤر الاستيطانية ينخرط ضمن خطة المشروع الاستيطاني الشاملة ويتم في موازاة وضع اليد على اراضي اخرى في المستوطنات وعلى مقربة منها. ان تم التوقيع ذات يوم على تسوية دائمة فان التمييز الحاسم من اجل الجلاء لن يكون زمنيا (متى اقيم؟) او لفظيا (بؤرة ام مستوطنة) وانما جغرافيا – موقع المستوطنة داخل الكتلة الاستيطانية الكبيرة او غربي الجدار الفاصل، هو الذي يزيد من احتمالات بقائها في مكانها.

جولة جرت في هذا الاسبوع في عدة مستوطنات وبؤر شرقي الجدار تمخضت عن استخلاصات مثيرة. اولها هو ان النهضة الحقيقية في البؤر الاستيطانية قد قطعت قبل عدة سنوات. الفرق يظهر في الفجوة بين أكبر البؤر الاستيطانية وهي ميغرون (60 كرفان ومنزلين ثابتين) وبين "كوخ اوباما" على بضعة كيلومترات من هناك صعودا نحو كوخاف يعقوب. مساعي المؤسسة الاستيطانية موجهة اليوم نحو مجالات اخرى – البناء في المستوطنات والبؤر الاستيطانية القديمة (واحيانا مع تهريب بعض الكرفانات لان الادارة المدنية تمنع تحميل كرفانات كاملة) والسيطرة على اراض زراعية بعضها قيد الملكية الفلسطينية الخاصة. ميزة الطريقة الثانية تكمن في أنهم يحققون الحد الاقصى من الارض باستثمار مالي معقول وضمن مستوى ظهور منخفض. طرق ترابية تفتح وكروم تغرس فتزداد مساحة المستوطنات العملية دونما وراء دونم.

لم يتم اي شيء من هذا بالصدفة. من خلف كل عمل استيطاني دماغ مخطط ومفكر ولديه قدرة على الوصول الى بنك المعلومات وخرائط الدولة ويستعين بضباط متعاطفين يخدمون في نقاط مركزية في الجيش الاسرائيلي والادارة المدنية. وصف الضفة الغربية مثل الغرب الوحشي يتنافى مع الحقيقة ويظلمها. الحكاية لا تكمن في وحشية المستوطنين رغم انها قائمة في بعض الجبال وانما في اختيار الدولة عن وعي واصرار تقليص تطبيقها للقانون وفرضه.

اغلبية البؤر الاستيطانية اقيمت في فترتين: 97 – 99 والتي بلغت الذروة مع نداء وزير الخارجية شارون عند عودته من مؤتمر واي بالتمس برؤوس الجبال، ولاحقا بين 2001 حتى 2003 تلك السنوات الفظيعة التي شهدت عمليات اطلاق نار فلسطينية على طرق الضفة الغربية وهجمات دموية بارتكاب مجازر في المستوطنات. في تلك السنوات تماما ازدادت مساحة المستوطنات ذاتها. التكامل العضوي بين الجيش والمستوطنين في الضفة بلغ ذروته في ذلك الحين. الطرفان اعتبرا بعضهما البعض شركاء في الكفاح وكان هناك "رد صهيوني مناسب" بتشجيع من الجيش على عمليات كثيرة: اقامة بؤرة استيطانية جديدة او نقل ابعاد الجدار عن مستوطنة قائمة.

تحركات المستوطنين دعمت من قبل كاميرات حراسة وطرق أمنية وحراس واعلان عن مناطق أمنية خاصة من قبل الجيش. المصالح انخرطت في بعضها البعض. في ظل الحاجة الامنية لمنع عمليات التسلل تم توسيع مساحة المستوطنات ومنع اقتراب الفلسطينيين في القرى المجاورة منها. ولكن على نفس المنوال تم استغلال هذه الخطوات بهدف بعيد المدى السيطرة على الارض والبناء عليها وهي في اغلبيتها اراض خاصة.

بعد خمس سنوات من ذلك في ذروة عهد شارون تطوع ضابط كبير تسرح من الخدمة في المناطق قبل مدة وجيزة وفسر لزميلي غاي كوتيب ولي حقائق الحياة. بصبر يتسم به عادة الاطفال الذين يجدون صعوبة في الادراك سألنا ان كنا نعتقد فعلا ان البؤر الاستيطانية توضع فوق الارض من دون علم السلطات. هو حدثنا عن أن سكرتير حركة "امونا" زئيف حبار كان يأتي في الليل الى منزل رئيس الوزراء شارون للاطلاع على الخرائط معه. "وبعد ذلك أنتم تتوقعون منا بأن لا نعطيهم الحراس وان لا نربطهم بشبكة المياه؟" تساءل امامنا.

مع المهلة التي اعطتها ادارة اوباما يجد المستوطنون وللمرة الاولى منذ سنوات خصما هاما يقف في وجه مشروعهم. الاعتماد الاسرائيلي المتزايد على الولايات المتحدة، وكذلك تراجع نتنياهو السريع في قضية حل الدولتين يعبر عن ذلك. اعلانات المستوطنين من القيادة وحتى متعصبي الجبال المتزمتين عن نيتهم معارضة اية عملية اخلاء يدلل على انهم ما زالوا غير واثقين من ان الاستيطان كله بمثابة امر لا يمكن تغييره. مصير المستوطنات والبؤر شرقي الجدار ما زال قيد الاستفهام رغم اتساعها الجغرافي خلال العقدين الاخيرين.

خلال 16 عاما من المفاوضات في عملية اوسلو ازداد عدد الاسرائيليين القاطنين خلف الخط الاخضر من 110 الاف الى 300 الف (هذا لا يشمل شرقي القدس) عدد بدايات البناء في الضفة في 2008 كان اكبر بـ 40 في المائة بنسبتها في السنة السابقة. وهذا حدث في عهد ايهود اولمرت الذي باع الاسرائيليين واقعا وهميا، مفاده انه على مسافة سنتيمترات من التسوية الدائمة مع الفلسطينيين ، تلك التسوية التي لن تكون مع التوصل اليها اية جدوى من خوض الكفاح حول كل جبل.

تناقض للختام

ليس من الممكن التجوال في المستوطنات والبؤر الاستيطانية من دون التساؤل بصدد تناقض معياري تنطوي عليه اغلبيتها. السيطرة على عقار خاص يعود لابناء الشعب المجاور هو ظاهرة شائعة في الضفة بما في ذلك في السنوات الاخيرة. نحن لا نتحدث هنا عن امور تمت في عام 1948. من الممكن طبعا وصف هذه الخطوات باعتبارها ضرورة في صراع البقاء والموت الجاري بين الشعبين والذي يبيح كل وسيلة من اجل الهدف.

احدى الاستنتاجات البارزة في كل زيارة هي ذلك المدى الذي تتم فيه الامور بصورة مخططة وحتى يومنا هذا. من الصعب مثلا فهم سبب تدفق مجاري مستوطنة بساغوت مباشرة الى وادي البيرة المجاورة النتن. ولكن الحياة في تلك المستوطنة وغيرها تمر بصورة طبيعية. "خيرة الشبان" ليست عبارة عابرة. في البؤر الاستيطانية يقطن عشرات ضباط الجيش الاسرائيلي في الخدمة النظامية والاحتياطية والذين يخدمون في وحدات مختارة ويحظون بأوسمة لجرأتهم وشجاعتهم. وفي نفس الوقت وفقا للمعطيات الرسمية للدولة، اقام الكثيرون منهم بيت احلامهم على شاكلة كرفان متواضع او فيلا اكثر رقيا فوق اراض استلبت بالقوة من احد آخر.