لوموند: هذه مُخطّطات ترامب الكبرى في الشرق الأوسط

الساعة 10:14 م|04 فبراير 2025

فلسطين اليوم

تحت عنوان "مُخطّطات ترامب الكبرى في الشرق الأوسط"، تناولت صحيفة لوموند الفرنسية التحولات التي طرأت على السياسة الخارجية الأمريكية منذ عودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، مشيرةً إلى مواقفه الداعمة لإسرائيل واستعداده المفاجئ للتفاوض مع إيران، العدو التقليدي لتل أبيب.

 

وذكرت الصحيفة أن ترامب، الذي يستقبل اليوم الثلاثاء رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في واشنطن، تحدث عن احتمال نزوح "مؤقت أو طويل الأمد" لسكان غزة، في وقتٍ تسعى فيه إدارته إلى إعادة صياغة التوازنات الإقليمية وفقًا لأولوياتها الجديدة.

 

وأضافت لوموند أن الرئيس الأمريكي لم يتأخر في تنفيذ تعهداته بالعودة إلى نهج أكثر دعمًا لإسرائيل، كما كان الحال خلال ولايته الأولى (2017-2021). وأصبح نتنياهو أول زعيم أجنبي يزور البيت الأبيض منذ تسلم ترامب السلطة مجددًا في 20 يناير/كانون الثاني الماضي، ما يعكس متانة العلاقات بين الجانبين.

 

موقف غامض من إيران

رغم دعمه المطلق لإسرائيل، فاجأ ترامب المراقبين بالإعلان عن استعداده للتفاوض مع إيران، لكن دون توضيح نطاق هذه المفاوضات المحتملة. وأشارت الصحيفة إلى أن التساؤلات تدور حول ما إذا كان الحوار سيقتصر على الملف النووي، أم سيمتد ليشمل برنامج الصواريخ الباليستية والأمن الإقليمي.

 

خلال حملته الانتخابية، تبنّى ترامب خطابًا متشددًا تجاه طهران، متعهّدًا بممارسة "أقصى قدر من الضغط" لمنعها من امتلاك السلاح النووي. غير أن إعلانه الأخير عن استعداده للحوار يمثل تحولًا لافتًا، خاصةً أنه كان قد انسحب عام 2018 من الاتفاق النووي الدولي (خطة العمل الشاملة المشتركة - JCPoA)، الذي وُقّع في عهد باراك أوباما.

 

إجراءات فورية لتعزيز الدعم لـ"إسرائيل"

في الأسبوع الأول من ولايته الجديدة، قطع ترامب خطوتين بارزتين تعكس توجهاته تجاه إسرائيل:

 

1. رفع العقوبات عن المستوطنين المتطرفين: ألغى ترامب الإجراءات التي فرضتها إدارة بايدن على مستوطنين إسرائيليين متورطين في أعمال عنف ضد الفلسطينيين في الضفة الغربية.

 

2. استئناف تزويد إسرائيل بالأسلحة الثقيلة: أعادت الإدارة الأمريكية تزويد الجيش الإسرائيلي بقنابل ضخمة تزن نحو 1000 كيلوغرام، والتي كانت واشنطن قد أوقفت تسليمها سابقًا بسبب المخاوف من استخدامها في قصف مكثف على غزة.

 

إلى جانب هذه القرارات، تعهد المبعوث الأمريكي الخاص، ستيفن ويتكوف، بالسعي إلى تنفيذ وقف لإطلاق النار في لبنان يضمن انسحاب الجيش الإسرائيلي، وكذلك اتفاق لوقف إطلاق النار في غزة يسمح بإطلاق سراح الرهائن الإسرائيليين.

 

وتخلص لوموند إلى أن سياسات ترامب في الشرق الأوسط تعكس استمرار انحيازه لإسرائيل، لكن يبقى الغموض يحيط بنيّته التفاوض مع إيران، ما يثير تساؤلات حول مدى استعداده لتقديم تنازلات أو السعي إلى صفقة جديدة بشروط أمريكية أكثر صرامة.

 

 

تأثير السابع من أكتوبر

في ظل التطورات المتسارعة في الشرق الأوسط، يسعى الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى إغلاق ملف الحرب في غزة بسرعة، بهدف التفرغ لمشروعه الأبرز: تطبيع العلاقات بين إسرائيل والمملكة العربية السعودية. إلا أن مقاربته لهذا الملف تتجاهل التأثير الإقليمي العميق لأحداث 7 أكتوبر/تشرين الأول، وفقًا لما نقلته صحيفة لوموند الفرنسية.

 

أزمة غزة: ضغوط على نتنياهو أم تنازلات جديدة؟

يواجه ترامب أول اختبار رئيسي لسياسته الخارجية، وسط تساؤلات عن مدى قدرته على الضغط على إسرائيل لإنهاء الحرب في غزة والالتزام باتفاق وقف إطلاق النار. وفي هذا السياق، قال آرون ديفيد ميلر، الدبلوماسي الأمريكي المخضرم، إن من الصعب تصور أن ترامب سيستخدم أدوات ضغط حقيقية على نتنياهو، مثل تجميد المساعدات العسكرية، وهو الإجراء الذي تجنبته إدارة جو بايدن لمدة 15 شهرًا.

 

لكن الجدل الأكبر أُثير حول تصريحات ترامب بشأن سكان غزة، إذ وصف القطاع بأنه "موقع هدم"، واقترح ترحيل جزء من سكانه إلى مصر والأردن، مؤكدًا أن واشنطن تتحدث عن نزوح "مؤقت أو طويل الأمد". هذا الطرح قوبل برفض قاطع من القاهرة وعمان وجامعة الدول العربية**، رغم إصرار ترامب بأنهم "سيفعلون ذلك"، لأن واشنطن "تفعل الكثير من أجلهم".

 

رؤية اقتصادية أم تصفية سياسية؟

بحسب لوموند، فإن فكرة "إخلاء غزة" ليست جديدة على فريق ترامب، إذ تعود جذورها إلى "خطة القرن" التي طرحها عام 2020، والتي اعتبرت أن على الفلسطينيين "تجاوز السرديات القديمة"، ووصفت غزة بأنها "قد تصبح مثل دبي أو سنغافورة" إذا تحولت إلى "مركز تجاري إقليمي".

 

وفي مارس/آذار 2024، كشف جاريد كوشنر، صهر ترامب ومستشاره السابق، خلال محاضرة في جامعة هارفارد، عن رؤية إدارة ترامب لغزة، مشيرًا إلى أن "العقارات على الواجهة البحرية هناك يمكن أن تكون ذات قيمة كبيرة"، وأنه "يمكن للإسرائيليين إخراج الناس وتنظيف المنطقة".

 

الملف الإيراني: بين التفاوض والضغط العسكري

على صعيد آخر، يواجه ترامب تحديًا أكثر تعقيدًا مع إيران، التي أصبحت اليوم أقرب من أي وقت مضى لامتلاك السلاح النووي، وفقًا لتقارير الوكالة الدولية للطاقة الذرية. وبينما كان ترامب قد انسحب من الاتفاق النووي عام 2018، تشير لوموند إلى أن طهران أبدت مؤخرًا استعدادها للتفاوض، بعد تعرضها لسلسلة ضربات إسرائيلية استهدفت حلفاءها في غزة ولبنان واليمن وحتى داخل إيران نفسها.

 

ورغم هذا الانفتاح الدبلوماسي، فإن البرنامج النووي الإيراني يواصل التقدم بوتيرة متسارعة، حيث تمتلك طهران حاليًا 200 كيلوغرام من اليورانيوم المخصب بنسبة 60%، وهو ما يجعلها قادرة نظريًا على إنتاج 4 إلى 5 رؤوس نووية خلال أقل من أسبوعين، مقارنة بمدة 12 شهرًا عندما كان الاتفاق النووي ساري المفعول.

 

هل يغامر ترامب بإشعال المنطقة؟

ترى "لوموند" أن سياسات ترامب في الشرق الأوسط تسير على خط دقيق بين محاولات فرض تسويات جذرية، مثل ترحيل سكان غزة وتسريع التطبيع السعودي الإسرائيلي، وبين التعامل مع التهديد الإيراني المتزايد، الذي قد يؤدي إلى تصعيد عسكري كبير. وبينما يراهن ترامب على "صفقة كبرى" تعيد ترتيب أولويات المنطقة، يبقى السؤال: هل سينجح في فرض رؤيته، أم أن حساباته ستشعل مزيدًا من التوترات؟

 

الاقتصاد الإيراني في مواجهة صعوبات

وسط تصاعد التوترات في الشرق الأوسط، حذر رافائيل غروسي، مدير الوكالة الدولية للطاقة الذرية، من أن إيران "تضغط على دواسة الوقود" في برنامجها النووي، مما يعزز المخاوف بشأن احتمالية اندلاع مواجهة جديدة. وفي حين يُظهر النظام الإيراني اهتمامًا بالمفاوضات مع واشنطن، يرى محللون أن هذا الاهتمام قد يكون تكتيكيًا أكثر منه حقيقيًا، خاصة مع اقتراب الولايات المتحدة من مرحلة حاسمة في سياستها الخارجية.

 

وفقًا للمحلل علي واعظ، فإن الاقتصاد الإيراني يواجه صعوبات كبيرة، مما قد يدفع طهران إلى البحث عن رفع جزئي للعقوبات لتخفيف الضغط الداخلي. لكن العقبة الرئيسية تكمن في غياب قناة اتصال مباشرة مع إدارة ترامب، الذي يحيط نفسه بمستشارين يعارضون أي اتفاق جديد مع إيران. كما أن ترامب يميل إلى "المقترحات البسيطة والرائعة"، وهو ما يجعل من الصعب على طهران تقديم عرض يلبي طموحاته دون أن يبدو وكأنه تنازل كبير.

 

أما من الجانب الأوروبي، فتتحرك المملكة المتحدة وفرنسا وألمانيا باتجاه إعادة فرض العقوبات الدولية على إيران، بعد فشل الأخيرة في الوفاء بالتزاماتها النووية. وأمامهم مهلة حتى 18 أكتوبر/تشرين الأول لاتخاذ قرار نهائي، وفقًا لما نقلته صحيفة "لوموند" عن دبلوماسي فرنسي، الذي يرى أن هناك "توافقًا بين الأوروبيين والأمريكيين بشأن خطورة الوضع النووي الإيراني".

 

هل يغامر ترامب بمواجهة عسكرية غير محسوبة؟

رغم أن ترامب قدم نفسه خلال حملته الانتخابية كـ"مرشح السلام"، إلا أن التطورات الأخيرة قد تدفعه إلى إعادة النظر في موقفه، خاصة إذا قررت إسرائيل التحرك عسكريًا ضد إيران. ووفقًا للمحلل جيمس أكتون من مركز كارنيغي، فإن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو قد يفكر جديًا في تنفيذ ضربة عسكرية ضد إيران، خاصة ضد منشأة "فوردو" النووية المحصنة تحت الأرض.

 

لكن السؤال الأهم هنا: هل ستدعم الولايات المتحدة إسرائيل في مثل هذه الضربة؟

يمتلك الجيش الأمريكي قنبلة خارقة للتحصينات صُممت خصيصًا لمهاجمة مواقع مثل فوردو، لكن **قرار تزويد إسرائيل بهذه القنبلة والطائرات القادرة على استخدامها سيكون قرارًا استراتيجيًا كبيرًا**. يرى بعض المحللين أن **ترامب قد يمنح الضوء الأخضر لإسرائيل لكنه سيتجنب التورط المباشر**، في محاولة للحفاظ على صورته كقائد يركز على **إعادة بناء الاقتصاد الأمريكي** وليس الدخول في "حروب لا نهاية لها".

 

مأزق ترامب: بين الضغوط السياسية والواقع الجيوسياسي

- إذا اختار المفاوضات مع إيران، فسيواجه انتقادات من الجمهوريين المتشددين، الذين يرون أن أي اتفاق مع طهران سيكون بمثابة تنازل غير مقبول.

- إذا دعم ضربة عسكرية إسرائيلية ضد إيران، فقد يؤدي ذلك إلى تصعيد إقليمي غير محسوب العواقب، مما قد يضر بحملته الانتخابية.

 

وبين هذين الخيارين، يبقى احتمال "الاستعانة بمصادر خارجية" قائمًا، بحيث تترك الولايات المتحدة لإسرائيل تنفيذ الضربة، بينما تكتفي واشنطن بالدعم الاستخباراتي واللوجستي، دون التورط المباشر في أي مواجهة عسكرية مع إيران.

 

وبينما يواصل ترامب رسم ملامح سياسته الخارجية في ولايته الجديدة، يبقى الملف الإيراني أحد أكثر الملفات تعقيدًا وخطورة. ومع استمرار التوترات النووية والتحديات الإقليمية، يظل السؤال الأهم: هل سيغامر ترامب باتخاذ قرارات تصعيدية، أم أنه سيسعى إلى اتفاق "صفقة كبرى" تمنحه نصرًا دبلوماسيًا دون إشعال حرب جديدة؟