تنفست شمال غزة الصعداء، حياة جديدة مع تدفق مئات الآلاف من النازحين عبر شارعي الرشيد الساحلي وصلاح الدين، في مشهد تاريخي نُسجت تفاصيله بين دموع الفرح ووجع حرب الإبادة الجماعية، بعد شهور طويلة من النزوح، عاد النازحون إلى أرضهم وسط أجواء مشحونة بالعواطف.
شارعا صلاح الدين وطريق الرشيد الساحلي اللذين خلا من الحياة لأشهر طويلة امتلأت اليوم بحكايات العائدين، من مسنين بالكاد يتكئون على عكازاتهم، إلى أطفال يتشبثون بأيدي أمهاتهم بحقيبة صغيرة تحمل ما تبقى من حياتهم، ومع إجراءات تفتيش صارمة، كانت وجوه النازحين شاهداً على لحظات تختزل وجع الغياب وفرحة العودة، بينما تمشي السيول البشرية مهرولين عبر طريق كان شاهداً على رحلة من وجع الفقد والنزوح.
قبلة اشتياق
مصور "وكالة فلسطين اليوم الإخبارية" رصد عديد المشاهد التي تظهر حالة اشتياق النازحين خلال عودتهم إلى شمال قطاع غزة أبو سامر، الرجل الخمسيني ذو ملامح تحمل فصولًا من معاناة استمرت 15 شهرًا، ووسط جموع الناس انحنى بهدوء على الأرض، ثم أمسك حفنة من الرمل وقبَّلها بحرارة ودموعه تنهمر على خديه.
يقول أبو سامر لمراسلنا:" هذا الرمل أغلى من الذهب، فقد اشتقت لملمس هذه الأرض ورائحتها، هنا سأبدأ من جديد رغم أن منزلي تدمر بالكامل"، تلك النظرات التي اختصرت التي تحمل مزيجاً من الفرح والألم اختصرت حجم الألم ووجع الفقد، وكأنما كان يقبِّل وطنه الذي لم يغادر قلبه يوماً.
سجدة شكر
وبين جموع النازحين، أبو يوسف جحظت عيناه وهو ينظر إلى السماء كأنه لا يصدق أنه سيعود إلى منزله، ثم سجد سجدة شكر طويلة على الإسفلت المدمر بفعل جنازير الدبابات "الإسرائيلية"، بجانبه زوجته وأطفاله الثلاثة، الذين جلسوا بصمت يحملون حقائب صغيرة،
بعد أن رفع أبو يوسف رأسه، يعبّر أبو يوسف لمراسلنا: "الحمد لله الذي أعادنا سالمين إلى ديارنا، كنت أتخوف من عدم عودتنا إلى الشمال ، لكن الله أكرمنا بهذه الفرحة رغم أنف الاحتلال والعالم الظالم".
وعلى امتداد الأفق ترى مشاهد لم تتكرر في العصر الحديث، أقرب إلى لوحة تعبيرية تحمل في تفاصيلها روح التحدي والبقاء، هنا أطفال يركضون، وكبار السن يتكئون على عكازاتهم، ورجال يحملون أمتعة صغيرة، وأمهات يحملّن صغارهن.
ولد من جديد
النازح أبو محمود، رجل مسن في السبعين من عمره، قال وهو يتكئ على عكازه: "اليوم أشعر وكأنني وُلدت من جديد، تركت منزلي في بداية حرب الإبادة، كنت أعتقد أنني لن أعود إليه أبداً، لكن ها أنا في طريقي إلى منزلي المدمر".
يستدرك: " مش مهم انو مدمر، النوم في خيمة مكان بيتي أهون من النزوح في مكان آخر".
شدوا بعضكم
وعلى جانب الطريق يقوم بلال بدفع أمه على كرسي متحرك، أم بلال امرأة في الخمسينات: تنشد " شدوا بعضكم يا أهل فلسطين شدوا بعضكم"، تنشد بعزيمة والفرحة تملئ عيناها.
ورغم زحمة الطريق وإعاقتها جازفت أم بلال للعودة إلى منزلها في جباليا البلد، تردف: "بعد النزوح من الشمال والجوع والمعاناة، ها نحن نعود إلى منازلنا، الحمدلله".
ودخل مئات الآلاف من النازحين، صباح اليوم، عبر شارعي الرشيد الساحلي وصلاح الدين إلى شمال قطاع غزة، بعد سماح جيش الاحتلال للمواطنين بالمرور بأعقاب التوصل إلى حل بشأن الإفراج عن الأسيرة "الإسرائيلية" اربيل يهود.
ووفق اتفاق وقف إطلاق النار بغزة، الذي بدأ سريانه في 19 يناير/ كانون الثاني الجاري، من المقرر أن تخضع المركبات تخضع لتفتيش أمني عبر جهاز فحص.