بالصور بضع كيلو مترات على تحقيق الحلم..."غزة نوّرت بأهلها"

الساعة 11:40 ص|26 يناير 2025

فلسطين اليوم

على شارع صلاح الدين، الذي يعانق حدود الحزن والانتظار، قرب الحاجز "الإسرائيلي" الذي يفصل جنوب قطاع غزة عن شماله، تقف جموع غفيرة من الناس، يحدقون بأعينهم نحو الشمال.

 هناك، على بعد بضع مئات من الأمتار، تلمع بقعة من الأرض كأنها وعد غابر، تلك الأرض التي هُجروا منها قسرًا تحت دوي المدافع وأزيز الرصاص على مدار 16 شهرًا.

عشرات الآلاف، نساءً ورجالًا، أطفالًا وشيوخًا، يتكدسون على امتداد الطريق، يتصارع دفء الذكريات مع صقيع الانتظار الطويل، في قلوبهم شوق لا يهدأ، وفي أعينهم حنين كاد أن يتحول إلى سراب، البرد القارس لم يمنعهم، ولا الدبابات الإسرائيلية التي تصطف كالجدران الصامتة أمام حلم العودة، إذ إنها 478 يومًا مضت، لكنهم ما زالوا يقفون، يحملون أملًا ينهض رغم القيد.

هي ليست مجرد أرض، إنها الأزقة التي حملت خطواتهم الأولى، البيوت التي احتضنت أحلامهم، والبحر الذي كان يغني لهم كل مساء، هنا، يقف النازحون كتفًا إلى كتف، ينسجون من الانتظار قصة صمود، وقلب غزة ينبض معهم رغم كل شيء.

في التاسع عشر من يناير الجاري، دخل اتفاق وقف إطلاق النار في قطاع غزة حيز التنفيذ، الأحد، منهيا بذلك 15 شهراً من القتال الذي خلّف عشرات آلاف الشهداء من الجرحى في غزة.

خلال المرحلة الأولى من وقف إطلاق النار، سينسحب جيش الاحتلال من بعض مواقعه في غزة وسيُسمح للفلسطينيين النازحين من مناطق شمال غزة بالعودة.

على قارعة الطريق، سبعيني يحمل عكازاً، الشيب كسا رأسه، يجلس على كرسي بلاستيكي، يستذكر الماضي، يحن إلى بيته وأرضه، ينتظر العبور، يحلم في قضاء السنين المتبقية من عمره بين جدرانه بيته، أو فرق ركامها.

نازحون ينتظرون العدوة إلى غزة وشمالها (3).jpeg

إلى جانب الرجل السبعيني لبضع أمتار، يُشعل شبانٌ وأطفالٌ يتوسطهم عجوز ناراً مكونة من الحطب والأوراق، علّها تدفئ أجسادهم من البرد الشديد، يتسامرون مع بعضهم عن شوق الذكريات، عن أزقة الحارات التي محوها ودمرها عدوان غاشم غادر على مدار أشهر طويلة.

نازحون ينتظرون العدوة إلى غزة وشمالها (4).jpeg

تتقدم أمتار عدة إلى الشمال صوب مدينة غزة، تجد مركبات وعربات تحمل أمتعة مهترئة من النزوح المتكرر والمعاناة، يعتليها أطفالاً ونساءً وشيوخاً، ينتظرون قراراً إسرائيلياً للعبور والعودة إلى منازلهم التي تركوها منذ بدء الحرب على غزة.

نازحون ينتظرون العدوة إلى غزة وشمالها (9).jpeg

في منتصف الطريق، تصطف مركبة تعتليها أمتعة، وطفلتين لا تتجاوزان السادسة والعاشرة من العمر، إحداهما غلبها النوم من شدة التعب، لكنها ترغب في الاستيقاظ داخل مدينتها التي احتضنتها لسنوات عمرها.

داخل تلك المركبة أناساً أرواحهم مُعلقة بأرضها، يستعدون للعودة، يعدون الدقائق والثواني، إلا إن صبرهم لم ينفذ رغم الخرق الإسرائيلي للاتفاق، رغم التأخير، تصاحبهم سعادة تنتصر على كل الظروف.

نازحون ينتظرون العدوة إلى غزة وشمالها (5).jpeg

وإلى الأمام قليلاً، تجد لافتة مُعلقة على منصة، تحمل صورة طفلة ترتدي الكوفية الفلسطينية تؤشر لجميع المواطنين "غزة نورت بأهلها"، تلك العبارة كفيلة أن تبعث الروح مجدداً في صدورهم.

نازحون ينتظرون العدوة إلى غزة وشمالها (1).jpeg

بعد ساعات، سيلتقطون نفسًا عميقًا، تنهيدة تجعل من موج البحر في ميناء غزة يعود للحياة مرة أخرى، سيعود مصدرًا لكل المتناقضات الحيوية والنشاط والهدوء والرخاء والفقر وكل شيء كما كان، الآن فقط سيتمكنون من إلقاء آلام التهجير القسري الذي عانوه في جنوب القطاع في ذاك البحر، تاركين خلفهم من استشهدوا ودفنوا هناك، عائدين إلى جنة مدمرة ولكنها تبقى هي الجنة الفعلية، تلك هي في نظرهم.

بين الأرض والأرض تبقى القلوب مُعلقة بالأرض، لتتجاوز مسافة 16 شهراً من القتل، والقهر، والألم، والتهجير، والتشريد، إذ تفصلهم ساعات قليلة لتطأ أقدامهم فوق تلك البقعة ويجوبون شوارعها وأزقتها، ويستنشقون هواءها، ويستجمون على بحرها بعد أن أراد الاحتلال لهم التيه والنسيان.

يبدأ الأحد 26 كانون الثاني/يناير الأسبوع الثاني من اتفاق وقف إطلاق النار في غزة، غداة الإفراج عن أربع محتجزات "إسرائيليات" ونحو 200 أسير فلسطيني في إطار صفقة تبادل بين المقاومة و"إسرائيل".

ويواجه الاتفاق صعوبات لعلها أبرزها اليوم اشتراط "إسرائيل" الإفراج عن المحتجزة "أربيل يهود"، للسماح بعودة آلاف الفلسطينيين إلى شمال غزة.

كلمات دلالية