لم تنتهي الحرب بعد..

في أسر الاحتلال.. انتظار "ميساء" لا نهاية له لعودة زوج مفقود..!

الساعة 09:38 ص|16 يناير 2025

فلسطين اليوم

الحرب لم تضع أوزارها بعد بالنسبة لأولئك الذين فقدوا عائلاتهم ولا يعرفون عنهم شيئًا، النازحة ميساء أبو عاصي، تعيش في أحد المخيمات على أطراف المدينة الساحلية جنوب القطاع، تحمل قلبًا أثقلته الهموم والأسئلة التي لا تجد لها إجابة مع فقدانها زوجها الذي اعتقله جيش الاحتلال مطلع حرب الإبادة الجماعية في قطاع غزة.

بدأت ميساء تسرد قصتها بصوت يرتجف، قائلة: "كان يوم السابع من أكتوبر البداية، قضينا شهرين في بني سهيلا، قبل أن يدكّ القصف المكان مرة أخرى، فأجبرنا على النزوح مجددًا، حملت أطفالي إلى خانيونس، ومن هناك إلى مدرسة مصطفى حافظ، ومن ثم إلى مستشفى ناصر، حيث وجدنا أنفسنا محاصرين لساعات طويلة تحت تهديد السلاح."

الكارثة الكبرى

تتذكر ميساء الليالي الباردة في الشتاء، حين كانت تقف مع طفلاتها الصغيرات وسلفتها بين الحواجز: "كان المطر يغرقنا، والرصاص يعلو فوق رؤوسنا، بعد ساعات من الانتظار، أعادونا إلى مستشفى ناصر، حيث لم يكن أمامنا سوى البقاء وسط القصف المرعب."

كان يوم 14 فبراير من عام 2024 يومًا مفصليًا في حياتها، إذ وقعت الكارثة الكبرى حين اعتُقل زوجها على أحد الحواجز: "منذ ذلك اليوم، لم نسمع عنه شيئًا، بناتي التوأم انهارتا عند اعتقاله، مشيتُ لأربع ساعات مع بناتي التوأم بعد أن انهارت قواهن عندما شاهدن والدهن يُسحب من بين أيدينا. لم نعرف له خبرًا منذ ذلك اليوم."

ويكشف تحقيق أجرته صحيفة "هآرتس" العبرية، عن اختفاء مواطنين فلسطينيين من قطاع غزة كانوا رهن الاعتقال لدى الاحتلال "الإسرائيلي"، إلا أن الجيش يزعم عدم معرفة مكان وجودهم.

"بيت بلا سقف"

بعد انسحاب جيش الاحتلال المؤقت، عادت ميساء على أمل العثور على منزلها، ولكنها وجدت الأطلال. تروي بقهر: "لم أجد بيتًا، ولا حتى حجرة تأوينا، عدتُ إلى مدارس بني سهيلا، لكنها كانت مدمرة، وعشنا في صفوف بلا نوافذ ولا أبواب، فكلما وجدنا مكانًا، تأتي أوامر إسرائيلية بإخلائه."

تتنقل ميساء اليوم مع أطفالها بين الممرات والمدارس المهجورة: تردف "نزحتُ 14 مرة، زوجي مفقود، وأخي شهيد، وسلفتي وبناتها استشهدن أيضًا، أعيش بلا معيل، وأحاول حماية أطفالي من هذا الكابوس الذي لم ينتهي بعد."

في ظل هذه المعاناة، تحاول ميساء توفير الحد الأدنى من الحياة لأبنائها الـ6، لكن المحاولات غالبًا ما تنتهي بالفشل، تقول: "البنات يعانين نفسيًا، والأوضاع المادية تزداد سوءًا، لا عمل ولا مساعدات، حتى أبسط الأشياء كالماء والطعام تحتاج إلى مشقة للحصول عليها."

تتابع، والكلمات تخنق بصوتها: "حين أخذوا زوجي، شعرت أن الحياة توقفت، بناتي التوأم أُغمي عليهما، كأن الموت كان يزورنا يوميًا، لكنه يأخذ الأحبة ويتركنا خلفه نصارع الظلام."

تعيش على الأمل

وسط هذه المعاناة، تقول ميساء إنها تتمسك بما تبقى من الأمل: "أحلم في اليوم الذي أرى فيه زوجي، أحتمي في منزل دافئ مع أطفال، بمصدر رزق صغير يُطعم أولادي، وحتى بعد إعلان موعد لدخول الهدنة، ما زال قلبي يحترق، فزوجي ما زال مفقودًا لا أعلم إن كان حيًا أم استشهد.

قصة ميساء أبو عاصي ليست مجرد حكاية امرأة واحدة، بل هي قصة المئات من الأسر الغزّية التي تعاني من فقدان ذويهم، وفي انتظار يوم يعودون فيه إلى أحضانهم، ليتبقى لهم أمل وحيد بانتهاء الحرب بشكل رسمي لتكشف عن مصيرهم.

مصير مجهول

وحسب تحقيق الصحيفة العبرية "فمنذ اندلاع الحرب لم يُعرف مصير العديد من الفلسطينيين من قطاع غزة الذين كانوا محتجزين لدى الجيش "الإسرائيلي، فيما يدعي أنه لا يوجد مؤشر على اعتقالهم أو احتجازهم، رغم حقيقة أنه في المرة الأخيرة التي شوهدوا فيها كانوا محتجزين من قبل الجنود أو تم اعتقالهم".

وتضيف الصحيفة: "لكن في بعض الحالات أدت الالتماسات إلى قيام الجيش بإعادة الفحص واتضح أن الأشخاص الذين يدعي الجيش أنه ليس لديه معلومات عنهم كانوا في مراكز احتجاز إسرائيلية أو ماتوا".

وكان مركز الدفاع عن الفرد "هموكيد تناول قضية اختفاء فلسطينيين من قطاع غزة، مشيرا إلى أن احتجازهم "يشكل إخفاءً قسريًا جماعيًا".

وقال: "تحتجز إسرائيل مئات الأشخاص لفترات طويلة بمعزل عن العالم الخارجي، في أماكن مجهولة، دون إجراءات إدارية أو مراجعة قضائية، ودون السماح لهم بالاتصال بمحامين، ودون تقديم أي معلومات عن واقعة الاحتجاز ومكانه إلى اللجنة الدولية للصليب الأحمر أو إلى أي جهة أخرى، ودون تزويد الأسر بعنوان لتلقي معلومات موثوقة".

وأشار المركز الحقوقي إلى أن "الإطار الذي استخدمته إسرائيل لاحتجاز المعتقلين من قطاع غزة هو قانون احتجاز المقاتلين غير الشرعيين الذي أقره الكنيست مباشرة عقب بدء الحرب والتعديلات اللاحقة في حين أن التزامات إسرائيل في احتجاز هؤلاء الأشخاص يجب أن تكون "التزامات القوة المحتلة التي تحتجز أشخاصًا محميين".

ولفت إلى أن العديد من العائلات تلجأ إلى مركز "هموكيد" في بحثها المحموم عن أحبائها، بعد أن فقدوا الاتصال بهم أثناء النزوح الجماعي أو قصف المباني المأهولة من قبل الجيش الإسرائيلي".

ووفق مصادر رسمية مختصة بالأسرى كشفت مؤخرًا عن شهادات صادمة لأسرى مفرج عنهم، تحديدا في الفترة الأولى على اعتقالهم، وفي فترة التحقيق، تمحورت حول "جرائم التعذيب والتنكيل والتجويع والجرائم الطبيّة، والضرب المبرح وعمليات القمع، إلى جانب ظروف الاحتجاز القاسيّة، واستمرار تفشي مرض الجرب (السكايبوس)، بين صفوف الأسرى".

ويواصل جيش الاحتلال "الإسرائيلي" ارتكاب المجازر بحق المدنيين والنازحين منذ السابع من أكتوبر 2023، أسفرت عن نحو 156 ألف شهيد وجريح، معظمهم من أطفال والنساء، وما يزيد على 11 ألف مفقود، وسط دمار كبير في البنية التحتية والسكنية والتجارية.

كلمات دلالية