لم تمضِ ساعة واحدة خلال خمسة عشر شهراً، لا يخرج فيها وزراء وأعضاء في الكنيست الإسرائيلي، بتصريحات علنية ينادون المستويات السياسية والعسكرية، بإطباق إغلاق معابر غزة، وتجويع سكانها حتى الموت، للضغط على المقاومة في غزة لإبرام صفقة تبادل، تصب شروطها في صالح "إسرائيل".
على الرغم من أن هذه التصريحات استخدمت كدليل إدانة ضد الاحتلال سابقًا في محكمة العدل الدولية، إلا أن وتيرتها تزداد كلما طرحت قضية الصفقة، في إشارة إلى التطور في مستوى التطرف لدى وزراء وحكومة الاحتلال الذي يظهر في اعتبار طعام مليوني شخص في غزة جلهم من الأطفال، ورقة ضغط سياسية على حركة حماس، والمقاومة الفلسطينية، فهل تعد تلك التصريحات دليل إدانة أمام الجنائية الدولية؟
محللون سياسيون وخبراء في الشأن الإسرائيلي يرون أن تلك الدعوات قد تكون دليل إدانة لهم أمام الجنائية الدولية، لاسيما بعد إصدار مذكرتي الاعتقال بحق رئيس حكومة الاحتلال "الإسرائيلي" بنيامين نتنياهو ووزير حربه المقال يوآف غالانت.
وتتعمد "إسرائيل" تجويع سكان قطاع غزة منذ السابع من أكتوبر 2023، لكن تلك السياسة محظورة بموجب القانون الدولي، وتُعتبر جريمة حرب.
واستخدمت "إسرائيل" سياسة التجويع وقطاع الإمدادات الأساسية من غذاء، وماء، ودواء، أداة لتفريغ غزة وشمالها، وسط مجتمعين عربي ودولي عاجزين عن مساعدة الفلسطينيين.
وتُعتبر المجاعة جريمة ضد الإنسانية وجريمة حرب وفقا لاتفاقيات جنيف، ونظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية (ICC)، عندما تُستخدم وسيلة حرب أو عملاً متعمداً ضد السكان.
تجويع غزة
وقبل أيام، دعا المدير السابق لمكتب رئيس حكومة الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ناتان إيشيل، إلى إبادة أهالي غزة دون قتال، عبر اللجوء إلى "حصار القطاع، وإجبار الفلسطينيين على البقاء بمناطق تفتيش أو الموت جوعا".
الكاتبة والمحللة السياسية رهام عودة، قالت إن تصريحات أعضاء الكنيست الإسرائيلي، حول تجويع سكان أهالي غزة حتى الموت، يمكن استخدامها كدليل إدانة في المحكمة الجنائية الدولية؛ لأنّ استخدام التجويع كسلاح في العدوان ضد المدنيين يعد جريمة حرب ويتم المحاسبة عليها حسب القانون الدولي.
وعن سؤال الكاتبة عودة، حول تطبيق "سياسة التجويع" في غزة، أشارت في مقابلة خاصة مع "وكالة فلسطين اليوم الإخبارية"، إلى إمكانية تطبيقها بشكل غير علني، بأن يتم تقليص حجم المساعدات الداخلة إلى غزة عبر المعابر دون التصريح الرسمي عن ذلك، مستدركة: "لكنّ حال أثبتت الأوساط الفلسطينية المختصة تلك الجرائم، فيمكن تقديمها للجنائية الدولية، لملاحقة المسؤولين الإسرائيليين".
جريمة حرب
وحول استغلال تولي ترامب رئاسة البيت الأبيض لتقليص المساعدات قالت: "ربما يستجيب لدعوات (إسرائيل) بتقليص المساعدات الانسانية عن غزة كورقة ضغط لاستعادة المحتجزين الإسرائيليين؛ لكن لا يستطيع أن يصرح بذلك رسمياً، لكن ربما يلتزم الصمت عن ممارسات "إسرائيل" ولا يقوم بالضغط عليها؛ التصريح رسمياً بموافقته حول منع المساعدات يمكن أن يعتبر جريمة حرب أيضاً.
المختص في الشأن الإسرائيلي أحمد سلامة، يرى أن دعوات الإسرائيليين لتجويع أهالي غزة حتى الموت، يُعد دليل إدانة على جرائم حرب ضد الإنسانية، معتقداً أنه من الممكن أن تستخدمها فلسطين ضمن الأدلة الدامغة لإدانة أعضاء الكنيست الإسرائيليين كمجرمي حرب وخاصة وزير الأمن القومي "إيتمار بن غفير" ووزير المالية "بتسلئيل سموتريتش" أمام المحاكم الدولية.
إفلات من العقاب
وقال سلامة في مقابلة خاصة لـ "وكالة فلسطين اليوم الإخبارية": "مذكرتا اعتقال نتنياهو وغالانت، قد تجعل المستوى السياسي والأمني يتردد في تجويع أهالي غزة، كورقة ضغط لإبرام الصفقة، لكن حال دعمها الرئيس ترامب، فيمكن للإسرائيليين تنفيذها والافلات من العقاب الدولي".
وعن سؤال المختص سلامة، حول إمكانية تطبيق سياسة التجويع وإدخال الحد الأدنى من المساعدات الإنسانية إلى غزة، فور تولي دونالد ترامب رئاسة البيت الأبيض، اعتقد أنه يمكن تطبيق تلك السياسة للضغط على حماس والمقاومة إبرام صفقة تبادل تصب في صالح "إسرائيل".
وقال: "أرجح أن الولايات المتحدة كانت هي صاحبة فكرة قتل الغزيين بالتقسيط (كل يوم 50-100)، بدلاً من قتلهم بالجملة كما كان يحدث سابقاً 400 شهيد في اليوم، مع فتح طريق لإدخال المساعدات للمدنيين في ذات الوقت لإرضاء الرأي العام الدولي".
يشار إلى أن محللين وخبراء أُمميين حذروا من أن المجاعة في قطاع غزة لامست خط "الجوع الكارثي" حد الموت، وهو أعلى تصنيف عالمي لدرجات الجوع، موضحين أن أسباب المجاعة كانت حاضرة منذ اليوم الأول للعدوان على قطاع غزة، من خلال الحصار المطبق وتدمير كل وسائل الحياة المتاحة، من أراضٍ زراعية ومصانع وبنى تحتية وآبار مياه وأي وسيلة لاستمرار الحياة.
يذكر أن وزارة الصحة الفلسطينية كانت قد أعلنت عن ارتقاء 44 مواطنًا ومواطنة في قطاع غزة بينهم أطفال بسبب سوء التغذية.
وأسفر عدوان الاحتلال وحرب الإبادة والتهجير التي يشنها على قطاع غزة منذ أكثر من 15 شهراً، عن استشهاد أكثر من 46 ألف مواطن، غالبيتهم من الأطفال والنساء، وإصابة نحو 110 آلاف مواطن.