"علي" لا زال يصارع الموت

نور البطران: هذه وسيلتي لتدفئة "توأمي".. لكن البرد كان أقوى!

الساعة 09:06 ص|11 يناير 2025

فلسطين اليوم

تقرير: أحمد سلامة

"هنا بالخيمة المهترئة وفي البرد الشديد وسيلتي لتدفئة توأميّ هي تسخين زجاجات مياه ساخنة ووضعها في "سريرهم" (عبارة عن غطاء مروحة) ومن ثم ألُف الأطفال بالغطاء، فهذه كانت وسيلة تدفئة أطفالي". هكذا وصفت نور حكاية فقدها لأحد توأمها وهي النازحة من بيت لاهيا بشمال غزة لمنطقة الزوايدة وسط القطاع وتبلغ من العمر 38 سنة.

الأم نور البطران تعيش في أسرة مكونة من 8 أفراد وقد أنجبت توأماً خلال الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة حيث فارق أحدهما الحياة؛ في مستشفى شهداء الأقصى في مدينة دير البلح نتيجة البرد الشديد.

وتقول نور بحرقة لـ"وكالة فلسطين اليوم الإخبارية": "توفي أحد توأمي نتيجة البرد الشديد ويدعى "جمعة" في يوم الأحد 29-12-2024؛ لأن الخيمة التي نسكن فيها مهترئة وغير صالحة للسكن لا صيف ولا شتاء".

لا مأوى

وتضيف: "بعد أن أنجبت أطفالي التوأم وضعتهم بحضانة مستشفى "شهداء الأقصى" لعدة أيام ثم اتصل المشفى بنا وطلب منا أن نأخذهم بعد أن قالوا لنا "لقد أصبحوا في صحة جيدة؛ مستدركة بعد ذلك توقف الأطفال عن الرضاعة وعُدت فيهم لعيادة وكالة الأونروا".

وتابعت النازحة نور: "في عيادة الأونروا أخبروني بأن أطفالي في حالة تجمّد، وعلى إثر ذلك عدت فيهم لحضانة المستشفى فأوضحوا لي أن ما حصل معهم هو من الصقيع والبرد، فأخبرتهم أن ذلك بسبب عدم وجود تدفئة في خيمتي المهترئة، كما ذهبت لجمعية إنقاذ الطفل لكن دون جدوى".

وأردفت الأم: "بعد ذلك عدت بالأطفال للحضانة وأخبرت الطبيب بأن التوأم لا يرضع، وقد أصبح لون جلدهم يميل للزرقة، مبينةً أنه تم إخراجهم من الحضانة قبل تعافيهم تماماً، فأخذته الممرضة وأرضعته وردت عليّ كتالي: "ابنك أصبح جيد جداً". وفق قولها.

وتقول نور: "قبل يومين من وفاة أحد التوأم ذهبت للاستفسار عن حالة طفلي "علي" فقالت لي المرضة: "لقد أحضرته للمشفى بوقت متأخر جداً وبعد فوات الأوان" بحسب قولها، منوهةً أنها أحضرته قبل يومين مع أخته لحضانة المشفى وجلست عن التوأم الثاني".

وتضيف الأم المكلومة: بوجود الطفل بحضانة المشفى يحس بالدفء فيرضع؛ لكن حينما يخرج للخيمة في البرد لا يرضع، وأصبحت حالته الصحية في تدهور مستمر".

WhatsApp Image 2025-01-09 at 15.38.46.jpeg

وفاة التوأم "جمعة"

وتتابع: "استمرت الحالة في التدهور شيئاً فشيئاً بعد امتناع، ففي يوم الأحد استيقظت صباحاً في خيمتي في ظل البرد الشديد فوجدت نفسي قد فقد طفلي "جمعة"، نظرت إليه فوجد لونه أزرق بشدة ففهمت أنه قد فارق الحياة".

وتقول نور البطران: "ذهب زوجي بسرعة يحمل جمعة "المتوفي"، ولحقته بالتوأم الثاني "علي" للمستشفى، مشيرة إلى أننا كنا نأمل أن يكون على قيد الحياة، فأخبرنا الأطباء: "أنتم أحضرتموه جثة هامدة".

وتشير الأم: "على إثر هذا الخبر الصادم فقد زوجي عقله في المستشفى، كيف أن ابنه فارق الحياة أمام عينه وأنه لم يستطع إنقاذه، لافتة أن هول الخبر نزل عليهم كالصاعقة وخاصة توفي أمامهم ودون تمكنهم من تقديم أي شيء له".

وتبكي الأم بحرقة: "ابني مات من البرد وقد هربت بأولادي من منطقة شمال قطاع غزة خوفاً من الحرب الإسرائيلية، منوهة إلى أنها كانت قد وضعت طفلها الثاني "علي" في المستشفى على إثر الحادثة؛ لكن حالته لا تزال في تدهور مستمر".

وتضيف نور: "حينما كنت أسأل المشفى عن سبب تدهور حالي طفلي في الحضانة، لا أجد إجابات من طاقم الطبي ويقولوا لي: "نحن في الأول والآخر مسلمين ونؤمن بالقضاء والقدر، وهذا الأمر قد زاد من خوفي على ابني"، متابعة: "كنا قبل الحرب نعيش في بيت ونحس بالأمان وهذا أهم شيء؛ أما اليوم فنحن نعيش في خيام لجوء والبرد والجوع، ولا يوجد أمان في ظل الحرب الإسرائيلية على غزة".

هذه وسيلتي للتدفئة

وقالت نور: "هنا في الخيمة وفي البرد الشديد وسيلتي لتدفئة توأميّ هي تسخين زجاجات مياه ساخنة ووضعها في "سريرهم" (عبارة عن غطاء مروحة) ومن ثم ألُف الأطفال بالغطاء، فهذه كانت وسيلة تدفئة أطفالي".

وتشير إلى "أنها خلال قيامها بتدفئة أطفالها التوأم كانت لا تنام طوال الليل ومن شدة سخونة المياه في الزجاجات أصبحت سدة الزجاجة بالكاد تنغلق وقد تنفتح". موضحة بقولها: "عملت بقدر استطاعتي لكي أنقذ أطفالي من الموت بهذه الوسيلة، وبالنهاية تقول لي الممرضة "أنت لم تعرفي كيف تحافظي على أطفالك"، وبشهادة أحد الصحفيين الذي وقف بجانبي وأكد أنني قد فعلت ما بوسعي لإنقاذهم من الموت".

وتشرح نور: "هذه الزجاجات فقط تعمل على تدفئة الأطفال في أول الليل فقط، ومن ثم تبرد الزجاجات ولا تبقى سخونتها لساعات الصباح حيث البرد الشديد والصقيع، قائلة "الأولاد في الصباح ينخر الصقيع في عظامهم صباحاً".

وتصف البرد في ليلة وفاة طفلها: "كان الجو بارداً جداً جداً في تلك الليلة، وقبله بيوم كان هناك رياح؛ لافتةً إلى أنها كانت تضع على أطفالها بطانيات زيادة بالإضافة لزجاجات الماء الساخن وتلفهم بها".

WhatsApp Image 2025-01-09 at 15.38.47.jpeg

بؤس وعوز شديد

وبحالة من البؤس تقول: "لم يكن بمقدرتي شراء الحطب لإشعال النار والتدفئة واستخدامه لتدفئة المياه ووضعها في الزجاجات، فقد كنت أُشعل النار بواسطة النايلون"، مضيفة: كان "ابني قبل وفاته أصيب بالالتهابات؛ لأني كنت أقوم بغلي الحليب له على نار من النايلون، وهذا ما يكون قد أدى لتدهور صحة ابني وأدى بالنهاية لإصابته بالتهابات في الرئتين".

وختمت: "في ظل وضع اللجوء الحالي والغلاء في الحرب لا يوجد شيء متوفر لكي أحضره لأطفالي فهناك شح في الأغطية والألبسة؛ وذلك أحس بالذنب لأني لم أستطع تبلية احتياجات أطفالي الصغار، متمنية أن تنتهي الحرب أن يتم التوصل لوقف لإطلاق النار وأن يعود الأمان لغزة وأن يعود الجميع لبيوتهم".

جدير ذكره أنه منذ 7 أكتوبر 2023 تشن "إسرائيل" بدعم أمريكي إبادة جماعية بقطاع غزة، خلفت أكثر من 153 ألف شهيد وجريح فلسطينيين، معظمهم أطفال ونساء، وما يزيد على 11 ألف مفقود، وسط دمار هائل ومجاعة قتلت عشرات الأطفال والمسنين، في إحدى أسوأ الكوارث الإنسانية بالعالم.

WhatsApp Image 2025-01-09 at 15.38.46 (1).jpeg
WhatsApp Image 2025-01-09 at 15.36.33.jpeg
WhatsApp Image 2025-01-09 at 15.38.46 (2).jpeg
WhatsApp Image 2025-01-09 at 15.38.46.jpeg
WhatsApp Image 2025-01-09 at 15.38.47.jpeg

الوسيلة التي كانت تستخدمها نور البطران لتدفئة أطفالها
WhatsApp Image 2025-01-09 at 15.36.33.jpeg
WhatsApp Image 2025-01-09 at 15.36.31 (1).jpeg

WhatsApp Image 2025-01-09 at 15.36.31 (2).jpeg
صورة لأحد التوأم خلال تشييعه بمستشفى الأقصى

WhatsApp Image 2025-01-09 at 15.36.31.jpeg
صورة للتوأم علي الذي بقي على قيد الحياة يصارع الموت

كلمات دلالية