"عابد" مُسعف أنقذ الآلاف ولم يُسعف.. زوجته تروي لـ "مراسلنا" قصة الاتصال الأخير

الساعة 01:20 م|05 يناير 2025

فلسطين اليوم

وحده لساعات طويلة، وبجثة متبخرة، كان ينزف في شارع صلاح الدين، شرق مدينة خانيونس، جنوب قطاع غزة.

في الثاني من ديسمبر 2023، "انهمرت القذائف والرصاصات الإسرائيلية صوبه من كل صوب وحدب"، اخترقت 4 رصاصات نصفه الأيمن، تدفقت الدماء من جسده، بقي ينزف لساعات طويلة، دون إسعاف، حتى فُقد الاتصال به تماماً.

وفي السابع من أكتوبر 2023، "صدرت الأوامر من وزراء وقادة الاحتلال الإسرائيلي" بالقضاء على غزة، أطفالاً ونساءً وشيوخاً وشباباً وشجراً وحجراً، ومسحها عن الأرض، نفّذ الجنود المدججين بآلياتهم وطائراتهم العسكرية المُحملة بالصواريخ والأسلحة الفتّاكة، الأوامر وزادوا عليها قتلاً وتخريباً وإجراماً؛ تزامناً مع ذلك استنفرت "ملائكة الرحمة" لإنقاذ ما يمكنهم من الأرواح معرضين حياتهم للخطر، لكن الحقد "الإسرائيلي" طال مئات المسعفين شهداء وجرحى.

مهمة إنسانية

محمد عابد "34 عامًا"، لم تشفع له مركبة الإسعاف ولا مهمته الإنسانية لإنقاذ المصابين في منطقة شرق خانيونس أمام جندي تسلح بالحقد قبل الرصاصات، فكتب سيناريو النهاية الأخيرة لمسعف إنسان قبل أن يكون أبًا لــ7 أطفال وزوجة لم تكن تعرف أن بلوغها سن الثلاثين من بعده ليس نضجًا وإنما مسؤولية وكابوسًا لأرملة في حرب كهذه.

الاتصال الأخير

"كيف استشهد زوجك؟" تسافر ذاكرة نهاد عابد التي تسكن حاليا في مخيم الأيتام الفرنسي في مواصي خانيونس، حيث اللحظة الأخيرة، تسرد وتقول: "فجأة وبعد انقطاع الاتصال معه عدة أيام بسبب قصف الاحتلال أبراج الاتصالات، جاء اتصاله الهاتفي كمعجزة وكأن الله يريد مني أن أستمع لآخر صوت له وهو يلتقط أنفاسه الأخيرة، ليخبرني بأنه قد ذهب لمهمة إسعافية عند خط صلاح الدين وقد أصيب بـ 4 طلقات وهو ينزف".

ماذا؟ محمد؟ أرملة؟ 7 أولاد أكبرهم 10 أعوام؟ من ينقذ الجرحى إذَا؟ حتى أننا لن نتمكن من رؤية جثمانه؟ وأسئلة كثيرة جعلت من نهاد تنهال بالاتصالات على الصليب الأحمر محاولة أن تنقذه، لكن دماءه التي كانت تتدفق على الأرض من الساعة الـ 1 ظهرًا حتى الساعة 6 مساء كانت أسرع من استجاباتهم، التي قابلها الاحتلال بمنع الدخول للمنطقة التي يدعي أنها خطر، واكتفى بأن ينادي عليه ويقولوا له: "خد هذا الحبل اربط فيه جرحك، ولكننا لن ننقذك". 

الليل قد حل، والاتصالات انقطعت مع محمد، ونهار اليوم الثاني قد جاء، ولا أخبار عنه، حينها قرر أخيه سعيد أن يخاطر بنفسه ويذهب للمنطقة التي يتواجد فيها وبينما هو في طريقه تفاجأ باتصال من مجهول يخبره بأنه تم انتشال أخيه جثة هامدة وهو الآن متواجد بثلاجات مجمع ناصر الطبي، وهنا بخان يونس، وهنا كانت الصدمة.

جسده تبخر

"لم يتعرف عليه سوى من توزع أماكن الطلقات التي أخبرنا بها قبل استشهاده فقد وجدنا نصف جسده قد تبخر بفعل الرصاصات التي أصابته"، بحسب زوجته، حينها فقط استطاع أخيه أن يخبرني أنني أصبحت أرملة لـ 7 أطفال ثامنهم أنا، وأننا لن نستطيع وداعه ولا دفنه، وأن علينا مجبورين أن نقتنع بأن الحضن العميق الذي ضمنا فيه عندما خرج في أول يوم من هذه الحرب؛ لتأدية الواجب، هو الحضن الأخير ورؤية الوداع.

نزوح

وكان المسعف محمد عابد قد نزح من حي "تل الهوى" غرب مدينة غزة، مع طواقم الإسعاف الذين أجبرهم الاحتلال على التوجه جنوبًا قسرًا بداية الحرب، تاركًا أسرته خلفه في غزة، تنزح من زاوية لأخرى نتيجة وحشية الاحتلال، موصيًا إياهم بأن يثبتوا في مدينة غزة رغم القصف، حتى لا يكونوا ضحايا الفوضى التي خلقها الاحتلال في جنوب القطاع جراء اكتظاظ المنطقة بالنازحين.

يذكر أن محمد هو واحد من 1068 شهيداً من الطواقم الطبية، -بحسب وزارة الصحة الفلسطينية-، قتلهم الاحتلال بشكل متعمد منذ السابع من أكتوبر 2023، فيما أصيب واعتقل عدد منهم أثناء تأديتهم لواجبهم في إنقاذ الجرحى والمصابين وانتشال الشهداء جراء الإبادة الجماعية التي يشنها على قطاع غزة.

علمًا أن اتفاقيات جنيف لعام 1949 وبروتوكولاتها الإضافية التي هي جزء من القانون الدولي للنزاعات المسلحة، تحمي الأشخاص المدينيين الذين لا يشاركون في القتال مثل المسعفون وموظفو الإغاثة وغيرهم.

ويواصل الاحتلال الإسرائيلي عدوانه على قطاع غزة، برا وبحرا وجوا، منذ السابع من تشرين الأول/ أكتوبر 2023، ما أسفر عن استشهاد 45,717 مواطنا، أغلبيتهم من النساء والأطفال، وإصابة 108,856 آخرين، في حصيلة غير نهائية، إذ لا يزال آلاف الضحايا تحت الأنقاض وفي الطرقات، ولا تستطيع طواقم الإسعاف والإنقاذ الوصول إليهم.

نهاد زوجة المسعف الشهيد محمد عابد.JPG
نهاد عابد.jpeg
عابد.JPG
 

 

كلمات دلالية