خبر إسـرائيل وأزمة إيـران السياسية ..د‏.‏ محمد السعيد إدريس

الساعة 01:07 م|07 يوليو 2009

ـ الأهرام المصرية 7/7/2009

يكشف تحليل توازن القوة في إقليم الشرق الأوسط كما يكشف تحليل أنماط التحالفات في الإقليم عن حقيقتين مهمتين‏:‏ الأولي أن الاقليم الشرق أوسطي توجد به ثلاث قوي إقليمية كبري تعبر كل منها عن دولة متماسكة لها مشروعها القومي أو الوطني‏,‏ وتسعي إلي تعظيم مكاسبها في الإقليم علي حساب القوي الأخري‏,‏ هذه القوي هي‏:‏ إسرائيل وإيران وتركيا‏,‏ الأمر الذي يعني أنه لا توجد قوة عربية في هذا الاقليم قادرة علي المشاركة والمنافسة بقوة بين هذه القوي الثلاث‏,‏

أما الحقيقة الثانية‏,‏ فهي أن العلاقات صراعية بالأساس بين هذه القوي‏,‏ لكن هناك أيضا مناطق معينة للعلاقات التعاونية خاصة بين إسرائيل وتركيا‏,‏ وبين تركيا وإيران‏,‏ الأمر الذي جعل هيكلية النظام الإقليمي للشرق الأوسط تتكون علي النحو التالي‏:‏ قلب أو محور النظام‏,‏ ويتكون من القوي الثلاث المذكورة‏,‏ حيث تسعي إسرائيل إلي أن تفرض نفسها كقوة مهيمنة علي الاقليم‏,‏ وتلعب إيران دور القوة المناوئة الرافضة لهذا المسعي الإسرائيلي للهيمنة‏,‏ وتريد أن تكون هي القوة الأولي المهيمنة‏,‏

في حين أن تركيا تقوم بدور الموازن بين هاتين القوتين المتصارعتين دون أن تخفي أنها تسعي هي الأخري إلي الزعامة الإقليمية‏,‏ ولكن دون تورط في ممارسات صراعية‏,‏ وباعتماد كبير علي القوة الناعمة دون القوة الخشنة‏.‏ انطلاقا من هاتين الحقيقتين نستطيع أن نفهم أسرار سخونة الصراعات الإسرائيلية ــ الإيرانية وبالذات في الأعوام الأربعة الأخيرة التي شهدت ظهورا مكثفا لأزمة البرنامج النووي الإيراني‏,‏ كما شهدت حضورا إيرانيا‏,‏ إقليميا قويا‏,‏ فقد أصبحت إيران بسبب ذلك العدو الأخطر بالنسبة للدولة العبرية‏,‏

فهي تسعي‏,‏ من منظور الفهم الإسرائيلي‏,‏ إلي امتلاك برنامج نووي عسكري قادر‏,‏ في المستقبل‏,‏ علي أن يكسر احتكار إسرائيل في امتلاك هذا السلاح‏,‏ وهي تدعم قوي المقاومة العربية الرافضة للسلام غير العادل الذي تسعي إسرائيل إلي فرضه علي الصراع العربي ـ الإسرائيلي‏,‏ ولذلك أصبحت إيران هي العدو الأول للكيان الصهيوني من منظور الفهم الاستراتيجي الإسرائيلي‏,‏ في وقت لم تعد تخوض فيه أي دولة عربية صراعا حقيقيا مع إسرائيل‏,‏ بعد أن أصبح السلام هو خيار العرب الاستراتيجي أو الوحيد‏.‏ في ظل هذه التطورات أخذت إسرائيل تركز علي مسارين للصراع ضد إيران‏:‏ المسار الأول هو تصفية البرنامج النووي الإيراني‏.‏ أما المسار الثاني فهو إيجاد تكتل إقليمي معاد لإيران يضم إسرائيل ودول ما يسمي بالاعتدال العربي يرتكز علي مقولة أن إيران‏,‏ هي العدو‏,‏ وأن هناك مصلحة إسرائيلية وعربية مشتركة للتحالف ضد إيران باعتبار أن هذه الدول تتشارك في الحرب ضد الإرهاب‏.‏ لذلك كانت إسرائيل هي الأكثر اهتماما والأكثر سعادة بالأزمة السياسية التي تفجرت في إيران بسبب رفض المرشحين الثلاثة المنافسين للرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد في انتخابات رئاسة الجمهورية للنتائج التي أعلنت فوز الرئيس أحمدي نجاد بنسبة تصل إلي‏63%‏ في الجولة الأولي للانتخابات‏,‏ وخروج مظاهرات ضخمة مؤيدة لقرار رفض النتائج ومدعمة لدعوة المرشحين المنافسين‏(‏ الخاسرين‏)‏ خاصة المنافس القوي مير حسين موسوي بإعادة الانتخابات أو بإعادة فرز الاصوات كاملة‏.‏ أبدي الإسرائيليون اهتماما شديدا بهذه الأزمة لكن هذا الاهتمام جاء مميزا‏,‏ فعلي عكس فهم كثير من الدوائر السياسية والإعلامية الغربية والعربية أيضا‏,‏ كان الإسرائيليون أكثر وعيا في فهم واقع الأزمة‏,‏ كما هو وليس كما يريدون‏,‏ لم يخلطوا بين المعلومة الصحيحة والمعلومة المفتعلة أو الكاذبة‏,‏ ولم يحولوا الأمنيات إلي حقائق‏,‏ لكنهم فهموا الأزمة‏,‏ كما هي وتعاملوا معها كما هي‏,‏ لكن كانت لهم آراء وتفضيلات بالطبع للمسار الذي تمني البعض أن تتطور إليه الأزمة السياسية الإيرانية‏,‏ وكانت هذه الأمنيات امتدادا للخلاف الإسرائيلي ــ الأمريكي حول التعامل مع إيران‏,‏ وبالذات الخلاف الذي تفجر في لقاء رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نيتانياهو مع الرئيس الأمريكي باراك أوباما في واشنطن حول أيهما أولي بالاهتمام الملف الإيراني أم الملف الفلسطيني‏.‏

فعلي عكس التقديرات الغربية والعربية التي تسرعت في التبشير باحتمالات مؤكدة أو شبه مؤكدة بسقوط النظام في إيران وأخذت تتحدث عن الثورة المخملية والثورة الخضراء‏,‏ فاجأ مائير داغان رئيس الاستخبارات الإسرائيلية‏(‏ موساد‏)‏ لجنة الشئون الخارجية والدفاع بالكنيست الإسرائيلي‏(‏ البرلمان‏)‏ بتوصيف ما كان يحدث من اضطرابات عنيفة في ايران بأنه مجرد احتجاجات محدودة تقوم بها بعض الجماعات المحدودة مؤكدا أن هذه الاحتجاجات ستنتهي قريبا إن لم تكن قد انتهت بالفعل‏.‏

وفصل مائير داغان قراءته للأحداث علي النحو التالي‏:‏

ـ لن تنجح الاحتجاجات الجارية في تغيير الوضع القائم في إيران‏.‏

ـ يعرف الإسرائيليون جيدا توجهات مرشح المحافظين أحمدي نجاد‏,‏ ولكن إذا فاز مرشح الاصلاحيين مير حسين موسوي فإن مهمة الإسرائيليين ستكون صعبة للغاية لإقناع الرأي العام الإيراني والأطراف الدولية بأن الخطر الإيراني ضد إسرائيل مازال مستمرا‏.‏

ـ الحديث عن التلاعب بنتائج الانتخابات الإيرانية لا يختلف عن الحديث عن التلاعب بنتائج الانتخابات في البلدان الليبرالية الغربية‏.‏

وفق هذا الفهم أكد داغان أن إيران سوف تستمر في برنامجها النووي‏,‏ وأنها قادرة علي إنتاج القنبلة عام‏2014‏ إذا استمرت الأمور علي ما هي عليه‏,‏ وأنها ستستمر في دعم حزب الله وحركة حماس وأن إسرائيل يجب ان تستمر في الضغط علي المجتمع الدولي لفرض المزيد من العقوبات لوقف البرنامج النووي الإيراني‏,‏ لكن ما لم يقله مائير داغان‏,‏ وقاله رئيس مجلس الأمن القومي الإسرائيلي عوزي آراد هو أن بنيامين نيتانياهو رئيس الحكومة الإسرائيلية أبلغ الرئيس الأمريكي باراك أوباما بأن إسرائيل ستحتفظ بحرية العمل ضد إيران أي أن لها الحق في استخدام القوة العسكرية‏,‏ وعلي عكس الأمنيات الغربية والعربية بفوز مير حسين موسوي وتقييمهم الخاطيء بأنه إصلاحي رافض للنظام‏,‏ انحاز الإسرائيليون في أمنياتهم إلي فوز الرئيس أحمدي نجاد‏,‏ لذلك تنفس الإسرائيليون الصعداء بتأكد فوز ه وسقوط موسوي‏.‏ ما يريده الإسرائيليون هو أن يستمر الصراع مع إيران‏,‏ وليس حل الأزمة أو إنجاح مشروع الحوار الأمريكي ـ الإيراني‏,‏ لذلك فضلوا أحمدي نجاد‏,‏ ولم تخدعهم مظاهرات الشوارع أو الهتافات من أجل الديمقراطية‏.‏