خبر رئيس تحرير مجلة أكتوبر: « تحقيق المصالحة الفلسطينية » بات هدفاً مصرياً يجب إنجازه

الساعة 05:55 م|06 يوليو 2009

بقلم: مجدي الدقاق

رئيس تحرير مجلة أكتوبر المصرية وعضو لجنة السياسات بالحزب الوطني الحاكم

يمكن القول بأن الاتصالات المصرية واللقاءات التى يجريها الرئيس مبارك مع القادة العرب أكدت من جديد حرص مصر وقياداتها على استمرار مثل هذا التنسيق الذى يصب فى استمرار وحدة الموقف العربى، وأن مصر تهدف لإنهاء التباينات والخلافات بين بعض الأشقاء العرب، وأنها ترحب بأى جهد عربى يصب فى هذا الاتجاه وأنها ليست لديها أى مانع فى إنجاح هذه الجهود وأن أبواب مصر ستظل مفتوحة لأى لقاء عربى يهدف إلى تنقية الأجواء العربية، وليس لديها شروط مسبقة لهذه اللقاءات ولكنها تحرص على أن تخرج بنتائج حقيقية وملموسة، تلتزم باحترام حجم ودور كل دولة، ولا تتخذ مواقف وسياسات تضر بالمصالح والأمن القومى العربى، وألا تكون علاقاتها الإقليمية على حساب علاقاتها العربية وتتصادم مع قضية العرب المركزية.

هذه هى الرؤية المصرية لتحقيق التضامن العربى والذى تراه مصر ضرورياً، وتسعى بكل جهدها لتحقيقه، وتراه فى نفس الوقت كقاعدة أساسية لوفاق فلسطينى أصبح ضرورياً فى هذه المرحلة.

لقد بذلت القاهرة جهوداً جبارة لتحقيق هذا الأمر، وبات تحقيق المصالحة الوطنية الفلسطينية هدفاً مصرياً يجب إنجازه ولا يمكن التخلى عنه.

لقد كان من المنتظر إعلان تحقيق هذه المصالحة فى السابع من شهر يوليو الحالى، عقب انتهاء الجولة السادسة للحوار فى القاهرة، ولكن عدداً من النقاط الخلافية بين وفدى فتح وحماس، تسببت فى ترحيل موعد المصالحة إلى الخامس والعشرين من الشهر نفسه، وكشفت الجولة السادسة للحوار أن ما تم إنجازه من نقاط اتفاق بين الطرفين، رغم الحديث عن وجود بعض النقاط لم يتم الاتفاق عليها لا يعتبر خلافاً حقيقياً، بل توقف عند الصياغات والجُمل القانونية للاتفاق، لقد حاولت حركة حماس فى البداية أن تقتصر جولة الحوار السادسة على قضية المعتقلين فقط، ولكن الجانب المصرى رفض ذلك مؤكداً على أهمية أن تشمل هذه الجولة كافة القضايا المتبقية، والتى تشمل إلى جانب قضية المعتقلين، قضايا القوة الأمنية المشتركة والانتخابات.

واستطاع الجانب المصرى انتزاع موافقة الحركتين على مسودة تتضمن وقف الاعتقالات فى الضفة الغربية وقطاع غزة، واعتماد آلية لإطلاق سراح المعتقلين وتشكيل لجنة من فتح وحماس وفصائل أخرى ومنظمات حقوقية لبحث أوضاع المعتقلين لأسباب أمنية.

وبرغم التباينات فى موقفى حركتى فتح وحماس، فإن جولة الحوار السادسة توصلت إلى توافقات مشتركة بين الحركتين أبرزها: تشكيل قوة أمنية مشتركة فى قطاع غزة، تبدأ عملها فى أعقاب توقيع اتفاق المصالحة، وتشكيل لجنة مشتركة من كافة الفصائل للتنسيق والإشراف على تنفيذ اتفاق المصالحة، وهى لجنة ذات مهام محددة، تبدأ عملها فى أعقاب توقيع الاتفاق وتنتهى فور إجراء الانتخابات الرئاسية والتشريعية، وتحديد مبادئ عامة لحل مشكلة المعتقلين من حركتى فتح وحماس فى كل من الضفة الغربية وقطاع غزة، بما يساهم فى تهيئة الأجواء لتحقيق المصالحة والوفاق.

ورأت مصر أن التوافق التام حول القضايا الخلافية بين الحركتين يستلزم مزيداً من الوقت، ولهذا اتفقت مع وفدى الحركة على مد الحوار لفترة زمنية أخرى من أجل استمرار التشاور بشأن بعض التفاصيل المتبقية وأطلعت القاهرة وفدى الحركتين على طبيعة التحرك فى المرحلة القادمة وحتى موعد الجلسة السابعة للحوار، ومن المقرر أن تدعو مصر اللجان المنبثقة عن الحوار فى القاهرة خلال أيام لصياغة التوافقات التى تم التوصل إليها أثناء عمل تلك اللجان، على أن تواصل مصر مشاوراتها مع كافة الفصائل والقوى الفلسطينية خلال الفترة القادمة، واستمرار عمل لجان المصالحة التى بدأت فى كل من الضفة والقطاع فى منتصف الشهر الماضى برعاية مصرية من أجل وضع حلول عملية لإنهاء قضية المعتقلين وتحديد يوم 25/7 لاستئناف الحوار فى القاهرة حيث سيتم دعوة الأمناء العامين للتنظيمات الفلسطينية للتوقيع على اتفاق المصالحة يوم 28/7، نتائج الجولة السادسة للحوار لم تكن مخيبة كما يتصور البعض للآمال الفلسطينية والمصرية والعربية، صحيح أن الجميع كان يأمل فى إنهاء هذا الحوار والوصول إلى صيغة اتفاق تنهى الانقسام الفلسطينى، ولكن الصحيح أيضاً أن مصر رأت أن الوصول إلى اتفاق يستلزم قبولاً عاماً من قبل كل الأطراف ببنود الاتفاق ورغبة حقيقية فى إنهاء التباينات بينها، وليس من الحكمة فرض اتفاق لا ترتضيه - أو على الأقل لا توافق على بعض بنوده بعض الأطراف - وأن الوفاق الوطنى يستلزم قبولاً عاماً وإرادة سياسية من كل التنظيمات والقوى الفلسطينية، لضمان نجاحه واستمراره، وأن طلب مصر تأجيل موعد الاتفاق النهائى يأتى حرصاً من القيادة المصرية على إنهاء الانقسام على أرضية واقعية ومقبولة وبإحساس وطنى فلسطينى على أهميته.

لقد جاء التأجيل المصرى منطلقاً من هذه القناعة، ورهاناً على أن المسئولية الوطنية الملقاة على عاتق القيادات الفلسطينية، ستفرض فى النهاية التوجه إلى إنهاء الانقسام وعودة الوحدة للشعب الفلسطينى، أرضاً وقيادة وشعباً، مع التأكيد على أن مصر ستظل تواصل دورها وجهدها من أجل إنجاح الحوار والمصالحة والوصول لاتفاق وطنى فلسطينى ينهى حالة الانقسام والشتات الجديد للشعب الفلسطينى، دعماً لقضيته العادلة.

ووفقاً للمعلومات المتاحة فإن وفدى فتح وحماس قدما للجانب المصرى قوائم بالمعتقلين السياسيين والمقترحات والآليات والجدول الزمنى للإفراج المتبادل بين الجانبين، ومن جانبها وعدت مصر بإيجاد صيغة توافقية مقبولة لدى الطرفين.

واعتبر وفد فتح أنه لا بديل أو خيار آخر أمام الفلسطينيين سوى إنهاء الانقسام، فى حين أكد وفد حماس أن الحركة جاهزة للتعامل مع الحلول المصرية، واعتبرها معقولة ومقبولة وتصب فى صالح الشعب الفلسطينى وهدف إنهاء الانقسام.

ويبدو أن التوافقات الجديدة وبرغم وجود بعض الخلافات التى يمكن إنهاؤها من خلال التحرك المصرى الذى أعلن عنه خلال الفترة القادمة، قد أعاد الأمل فى الوصول لاتفاق نهائى فى الموعد الجديد.

وهذا ما يأمله المصريون حيث أكدت مصر أكثر من مرة، أنها لن تتخلى عن دورها وأنها لن تسمح بإفشال الحوار وعدم الوصول لنتائج عملية وملموسة تصل فى النهاية لحالة وفاق وطنى يعيد وحدة الشعب الفلسطينى مما يساعد على الحفاظ على قضيته.

هكذا تتحرك مصر على الصعيدين، العربى والفلسطينى، باعتبارهما ملفين مهمين ذات صلة قوية بالأمن القومى العربى، وفى الوقت نفسه تواصل مساعيها لإنجاح جهودها فى ملفات أخرى ذات صلة وثيقة بالتضامن العربى، والوفاق الفلسطينى أولهما: ملف التهدئة الذى يعتبر سارياً بحكم الواقع، ولكن ترى مصر أنه يجب أن يتم وضعه فى إطار قانونى باتفاق ملزم لكل الأطراف، وأن يتزامن هذا الملف بقضية الأسرى والمعتقلين فى السجون الإسرائيلية والسعى للإفراج عنهم مقابل الإفراج عن الجندى الإسرائيلى المحتجز شاليط.

على الجانب الآخر لم تغفل مصر استمرار اتصالاتها ومشاوراتها مع الجانب الأمريكى، ودعم الرؤية الأمريكية الداعية لحل الدولتين، والتطور الجديد فى موقف واشنطن تجاه المستوطنات، وكذلك استثمار الموقف الفرنسى والأوروبى بشكل عام المتوافق مع الرؤية الأمريكية.

إن مصر ترى أن المناخ الدولى يساعد على انطلاق عملية السلام من جديد وأن الطريق أصبح ممهداً لهذا الأمر، وأن المواقف الدولية يمكن أن تساعد هى أيضاً فى الضغط على إسرائيل لعودة المفاوضات مرة أخرى والقبول بتسوية سلمية شاملة تنهى الصراع فى المنطقة، ولذلك فإن الأمر يتطلب تضامناً عربياً يوحد المواقف العربية ووفاقاً فلسطينياً يسفر عن شرعية فلسطينية مقبولة عالمياً تستطيع أن تكون شريكاً فى صُنع السلام القادم فى إطار مبادرة السلام العربية، وقرارات الأمم المتحدة ومنطلقة من كافة الاتفاقيات التى وقّعتها السلطة الوطنية الفلسطينية مع الجانب الإسرائيلى.

 

إن سلام المنطقة وحقوق كل شعوبها فى الأمن والحياة وعلى رأسها الشعب الفلسطينى بات مرهوناً بتضامن عربى ووفاق فلسطينى، ولعل هذا هو سر إصرار القاهرة على مواصلة جهودها من أجل إنهاء الانقسام الفلسطينى وتحقيق التضامن العربى، فالتضامن المنتظر والوفاق المؤجل سيضعف من قوة الموقف الفلسطينى والعربى، وسيدخل القضية الفلسطينية فى غياهب النسيان، وستفوت الفرصة التاريخية المتاحة الآن لتحقيق أهداف وآمال الشعب الفلسطينى فى استرداد حقوقه الوطنية المشروعة وحقه فى إقامة دولته المستقلة على ترابه الوطنى، وحق كل شعوب المنطقة فى العيش بأمن وسلام.