يعاني الفلسطينيون في قطاع غزة من أزمة سيولة حادة بالإضافة إلى اهتراء وقدم العملات الورقية والحديدية المتوافرة بين أيديهم، ما يزيد من معاناتهم في ظل حرب الإبادة القاسية المستمرة منذ أكثر من 416 يوماً.
وفيما يعاني الفلسطينيون بشكل متزايد من هذه الأزمة التي تؤثر في قدرتهم على شراء الحد الأدنى من متطلباتهم بات يتصاعد الاتجاه نحو التطبيقات البنكية الإلكترونية في مختلف المعاملات التجارية بغرض التغلب على مجموعة من العقبات التي أفرزها العدوان.
والاتجاه الجديد في التعاملات التجارية والتي كانت سارية قبل بدء العدوان يرجع كذلك إلى نسب "التكييش" المرتفعة التي يفرضها أصحاب رؤوس الأموال ومكاتب ونقاط الصرافة، والتي باتت تتراوح بين 30 و35% من قيمة المبالغ المراد صرفها، الأمر الذي زاد من تعقيد إمكانية توافر السيولة النقدية بفعل رفض شريحة كبيرة من المواطنين تسلم أموالها منقوصة.
هروب من الابتزاز إلى الدفع الإلكتروني
يتجه كثيرون من الذين يمتلكون التطبيقات الإلكترونية للبنوك المحلية، والذين لم يتمكنوا من سحب أرصدتهم ومدخراتهم بفعل الإغلاق التام للبنوك نظرا للاستهداف الإسرائيلي والأوضاع الأمنية غير المستقرة إلى تشجيع التداول عبر تلك التطبيقات، في محاولة منهم لعدم الرضوخ إلى ابتزاز المتسببين بأزمة السيولة، إلى جانب أنها الوسيلة الأنجح للتغلب على شح واهتراء الأموال.
وقوبلت الدعوات باستجابة عدد من أصحاب المصالح التجارية، إذ أتاحوا إمكانية الشراء عبر التطبيقات البنكية بدون أي نسب فائدة، لكنّ تلك الاستجابة المحدودة لم تتمكن من السيطرة على الأزمة بفعل شح البضائع في تلك المحال نتيجة إغلاق المعابر وعدم السماح بدخولها، ما تسبب بعدم قدرتها على تغطية مختلف المتطلبات اللازمة للمواطنين أصحاب التطبيقات البنكية.
وإلى جانب محدودية البضائع في المحال التجارية التي استجابت للدعوات والتي باتت تعتمد على الدفع الإلكتروني وسيلة في عملها، فإن نسبة كبيرة منها لا تلبي المتطلبات الأساسية للفلسطينيين في زمن الإبادة كالمواد الغذائية والتموينية والأدوية والخضار والفواكه، وتقتصر بشكل أساسي على مواد التنظيف والملابس والأحذية، والتي تباع بأسعار باهظة تفوق 10 أضعاف أسعارها الطبيعية قبل المقتلة الإسرائيلية.
تجار السيولة في غزة
يعلق أصحاب المحلات التجارية التي تقبل بوسيلة الدفع الإلكتروني لافتات صغيرة على أبواب محالهم تفيد بإمكانية التعامل مع البطاقات البنكية بدون فوائد، إلا أنّ عدم توافر البضائع الأساسية بداخلها يُبقي المواطنين في نفس الدوامة، ما يجبر العديد منهم على الخضوع لابتزاز تجار السيولة، لشراء المتطلبات الأساسية والتي لا يباع معظمها سوى نقداً، وبعملات غير مهترئة.
ويقول الفلسطيني أشرف زيادة ويعمل مدرسا حكوميا إنه يطوف الأسواق بشكل يومي على أمل توفير متطلبات أسرته وفق نظام الدفع الإلكتروني، وقد بات يجد العديد من المحال التي تقبل بهذه الآلية، إلا أن معظمها يفتقد للبضائع الأساسية، أو يوفرها بأسعار مرتفعة عن سعر السوق على الرغم من إعلانها قبول الدفع الإلكتروني بدون أي نسب إضافية.
ويلفت زيادة " إلى أن معظم البضائع المهمة واللازمة للاستخدام اليومي تباع في الأسواق بشكل نقدي بحجة أن أصحابها لا يقبلون بالدفع الإلكتروني، الأمر الذي يضعف من فاعلية تلك الآلية التي يتم استخدامها غالبا لترويج البضائع غير الأساسية، أو التي يرغب أصحابها بتصريفها نظرا لعدم الإقبال عليها.
ويضيف: "حتى أن بعض المحال التي تقبل بنظام الدفع الإلكتروني تشترط الدفع نقدا على بعض البضائع الأساسية في حال توافرها"، موضحا أن الأزمة لا تزال قائمة نتيجة عدم القدرة على فرض الدفع وفق نظام البطاقات البنكية بشكل تام، في ظل استخفاف العديد من أصحاب المحال الكبيرة بها ورفضها بشكل مطلق.
معاودة بيع السيولة
من ناحيته، يلفت الفلسطيني أسامة أبو دية إلى بدء انتشار ظاهرة الدفع الإلكتروني على الرغم من مواصلة بعض التجار المراوغة من خلال عدم إتاحة البضائع اللازمة واقتصارها على أصناف بعينها، مع أن معظم التجار يشترون تلك البضائع من الخارج أو الداخل وفق نظام الدفع الإلكتروني (التحويلات البنكية)، في مسعى إلى مضاعفة أرباحهم على الرغم من الأوضاع الاقتصادية الصعبة التي يعاني منها الجميع.
ويرجع أبو دية سبب تمسك بعض التجار بالبيع النقدي على الرغم من شراء بضائعهم إلكترونياً، إلى قيامهم بعد بيع البضائع بمعاودة بيع السيولة بنسب فائدة مرتفعة لأصحاب الحاجة الماسة، الأمر الذي يضاعف أرباحهم بدلاً من الاكتفاء بالربح الطبيعي عبر البيع وفق الآلية الإلكترونية.
ويبين أبو دية أهمية مواصلة تعميم فكرة الدفع عبر البطاقات الإلكترونية والتي بدأت تطفو على السطح نظرا للدعوات المتواصلة على مواقع التواصل الاجتماعي، وتصميم بعض التطبيقات التي تعلن عن أسماء وعناوين المتاجر والمحال التي تقبل بنظام الدفع الإلكتروني، حيث تعتبر الوسيلة الأكثر أهمية لتجاوز أزمة النقود المهترئة ونسب التكييش المرتفعة، وتزيد من قدرة المواطنين على القدرة الشرائية والحصول على متطلباتهم اليومية دون الخضوع للاستغلال والابتزاز.
إشكالية الفارق في العملات
ويفيد خليل ماضي وهو صاحب بقالة أعلنت أخيرا استعدادها للقبول بالدفع عبر البطاقات أو التطبيقات البنكية أنه لم يتمكن في السابق من إتاحة هذه الآلية بفعل شراء البضائع نقداً، فيما أتيح أمامه مجال شراء بعض البضائع عبر الدفع الإلكتروني، بينما يواصل البيع نقداً لعدد من الأصناف الأساسية.
ويُرجع ماضي سبب عدم إتاحة كل البضائع وفق السداد الإلكتروني إلى عدم قبول بعض الموردين الأساسيين بالبيع وفق هذه الآلية للأصناف ذات الإقبال الكبير، الأمر الذي يلزم أصحاب المحال التجارية والبسطات ببيعها نقداً لعدم الوقوع في إشكالية الفارق في العملات، حيث يتطلب "تكييشها" خسارة ثلث قيمتها، الأمر الذي يلحق بهم خسائر فادحة.
ويلفت ماضي إلى أن البيع وفق نظام الدفع الإلكتروني أكثر سهولة للبائع والمشتري في ظل الأوضاع الحالية، والتي يعاني فيها الجميع من نقص السيولة أو تلفها، حيث "تشجع هذه التقنية المواطنين على التسوق بأريحية ودون عوائق، إذ تباع بالأسعار المتداولة في السوق لأنها لا تخضع في الغالب لنسب الفوائد التي تشعر الزبون بأنه ضحية الاستغلال والابتزاز".
المصدر: "العربي الجديد".