ما هي أبعاد قرار اعتقال نتنياهو وغالانت؟

الساعة 08:43 ص|23 نوفمبر 2024

فلسطين اليوم

تتوالى ردود الفعل الدولية والسياسية على قرار المحكمة الجنائية الدولية، الذي صدر أول أمس، إصدار مذكرة اعتقال بحق رئيس حكومة الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير الحرب السابق يوآف غالانت في سابقة تاريخية، وجاء قرار اعتقال نتنياهو وغالانت بعد أكثر من عام على حرب الإبادة الجماعية في غزة التي يشنها الاحتلال منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023.

وبمقابل ترحيب فلسطيني وعربي بالقرار، إضافة إلى العديد من المؤسسات الحقوقية الدولية وحركات التضامن، كان وقع الخبر على قادة الاحتلال والمجتمع الإسرائيلي ثقيلاً وهستيرياً، لما يحمله من مخاطر عديدة تتعلق بصورة "إسرائيل" ومكانتها وإمكانية ملاحقة إسرائيليين حول العالم مستقبلاً، وهو ما دفع المسؤولين الإسرائيليين لشن هجوم مسعور بحق المحكمة ونائبها العام كريم خان.

واستعرض مجموعة من القانونيين والحقوقيين حول أهمية القرار على المستوى القانوني، وماذا يعني ذلك بالنسبة لـ "إسرائيل" في الأشهر والسنوات القادمة، وما يُمكن أن يُحققه على أرض الواقع، وذلك بعيداً عن الرمزية السياسية التي اعتبرت القرار نصراً للفلسطينيين وإثباتاً من قبل المحكمة الجنائية لالتزامها بالقانون الدولي من دون انحياز.

عزلة لـ "إسرائيل" وإمكانية لمحاسبتها

يرى المحاضر في القانون في جامعة ساوس في لندن الباحث نمر سلطاني، أن قرار الاعتقال من المحكمة الجنائية الدولية هو حدث تاريخي "لأنه يجعل من زعماء "إسرائيل" مجرمين فارين من العدالة ويُحوّل "إسرائيل" إلى كيان خارج عن القانون"، ووصف القرار بأنه "أول محاولة جدية لمحاسبة إسرائيل قانونياً على المستوى الدولي، بعد أن حظيت على مدى عقود بما يشبه الحصانة، ما سمح لها بالتمادي".

وأشار سلطاني إلى أن القرار "أصاب شرعية إسرائيل في الصميم"، كما ستكون له تداعيات على جهات أخرى، ما سيزيد من عزلة "إسرائيل" وإمكانية محاسبتها.

وأضاف سلطاني: "علينا أن ننتظر ونرى إذا كان المدعي العام للمحكمة سيقوم باتهام نتنياهو وغالانت بتهم أخرى أو يتهم غيرهم من القادة الإسرائيليين الآخرين، مثل رئيس أركان الجيش أو بن غفير، بسبب تعذيب السجناء. هناك تهم تاريخية أخرى ممكنة مثل الفصل العنصري والمستوطنات".

وأشار سلطاني إلى ما قالته المحكمة من أن بعض الجرائم ما زالت تُنفذ، "ما يعني إمكانية اتهام القادة الاسرائيليين باتهامات أخرى بالنسبة لاستهداف المدنيين في حالات أخرى كثيرة، تتعدى الحالتين المذكورتين بقرار الاعتقال الحالي".

وعن الأثر المباشر للقرار، قال سلطاني: "هذا القرار يعني الحد من حركة المتهمين في أكثر من 120 دولة في العالم عضو في المحكمة التي يجب أن تسلمهما في حال زاروا هذه البلدان لتجرى محاكمتهما".

تقييد حرية السفر لا يتأثر فيه فقط نتنياهو وغالانت

واعتبر مدير مركز عدالة الحقوقي في حيفا المحامي والباحث حسن جبارين هذا القرار أهمَّ قرار صدر في المسألة الفلسطينية منذ الاحتلال الإسرائيلي على صعيد قانوني وسياسي، مع وجود تلميح في التهم إلى الإبادة.

وقال جبارين: "اليوم السؤال المطروح أمام المجتمع الدولي ليس إذا كان نتنياهو وغالانت بريئين والفلسطينيون هم الإرهابيون، بل كيف يمكن التعامل معهما باعتبارهما متهمين وشخصين صدرت بحقهما أوامر اعتقال من أهم محكمة دولية، التي أُسست بالأساس على خلفية جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية والإبادة في الحرب العالمية الثانية بما يشمل المحرقة"، معتبراً أن "خلق نقاش دولي من هذا النوع هو بحد ذاته مهم جداً"

وعن الأبعاد القانونية بالنسبة لحرية حركة نتنياهو وغالانت، لفت جبارين إلى أنهما ليسا وحدهما فقط من قد يتضرر، بل هناك "شخصيات عسكرية ووزراء آخرون، لأن القرار التفصيلي للمحكمة يحتمل تفسيره بأن ليس نتنياهو وغالانت فقط مسؤولين عن الجرائم وتنفيذها، بل القيادة العسكرية والوزراء الذين شاركوا باتخاذ القرارات في الحرب.

 وقد تصدر المستشارة القضائية الإسرائيلية تحذيرات في السفر لعدد من الشخصيات في المستقبل القريب خوفاً من الاعتقال".

أما عن ردة الفعل الإسرائيلية، فقال جبارين: "نحن، بصفتنا حقوقيين، والمحكمة نفسها ننتظر القرارات الجدية من "إسرائيل". القرار الأولي اتهام المحكمة باللاسامية وغير ذلك، ولكنّ هناك أوراقاً قانونية ما زالت أمام "إسرائيل" ولا نعرف ما إذا كانت ستستخدمها مثل تقديم طلب للمحكمة بإبطال القرار"، مشيراً إلى إبقاء المحكمة المجال مفتوحاً لتقديم طلب إبطال القرار.

 ولكن من أجل ذلك على "إسرائيل" أن تتعهد بأن نتنياهو وغالانت سيمثلان أمام المحكمة إذا بدأت المحكمة بمجرياتها، بحسب جبارين، وأن تقوم "إسرائيل" بالتحقيق بنفسها في كل ما ينسب إليهما، بالإضافة إلى اتخاذ خطوات تتعلق بتسهيل وصول المساعدات الإنسانية والطبية إلى السكان في غزة مع عدم التشويش على التحقيق والمس بالبيانات.

 واعتبر جبارين أنه ممكن لـ "إسرائيل" أن تقوم بذلك قانونياً "وقد تكون هناك إرادة قانونية، لكن برأيي لا توجد إرادة سياسة في (إسرائيل) من أجل ذلك، ولا أتوقع أن تقوم بذلك".

ما بين الضيف وقادة الاحتلال

وفي مقارنة للتهم الموجهة إلى محمد الضيف، القائد العام لكتائب القسام، والتي شملت تهمة الإبادة (Extermination) التي لم تُوجه إلى نتنياهو وغالانت، اذ اعتبرت المحكمة أن البيانات التي أحضرتها غير كافية، اعتبر جبارين أن هناك فرقاً شاسعاً في جمع البيانات بين الضيف والقادة الإسرائيليين، إذ سُمح للنائب العام للمحكمة بالذهاب بنفسه إلى "إسرائيل" التي سهلت له كل الإمكانات والمعلومات "إن كانت صحيحة أو غير صحيحة"، وهو أمر لم يكن متاحاً للنائب العام فعله في غزة لجمع البيانات من هناك.

ورأى جبارين أن مسألة الإبادة جدية في الفرق بين الجهتين، الضيف من جهة ونتنياهو وغالانت من جهة أخرى، لكن "المحكمة استعملت مصطلحات تشير إلى وجود إبادة من طرف نتنياهو وغالانت من دون ذكر ذلك. مثلاً المحكمة تقول: البيانات التي أحضرت بخصوصهما تشير إلى وجود محاولة جدية لهدم قسم جدي من الحياة المدنية في غزة. ما يعني أن المحكمة تقول إنه يوجد محو للحياة المدنية، وهذا يعتبر أحد شروط الإبادة الجماعية. لم تستخدم المحكمة مصطلح إبادة جماعية Genocide بل مصطلحات أخرى تشير إليها".

وإجابة عن سؤال لماذا لم تسمها المحكمة إبادة جماعية؟ قال جبارين إن هناك أموراً سياسية قد تكون متعلقة بذلك "الآن يوجد محكمة العدل الدولية تعالج ذلك.

 ويبدو أن المحكمة الجنائية تريد الحذر من استخدام المصطلح، لأنه يجب إحضار مستندات وإثباتات جدية جداً بالنسبة للنية والقصد في ارتكاب إبادة جماعية، ومن أجل ألا تُتّهم بعدم الحيادية، اكتفت بذلك في هذه المرحلة وقد تتطرق إلى ذلك مستقبلاً". وخلص جبارين إلى القول: "برأيي أن الجنائية الدولية تريد أن تتوجه إلى الدول والقول بما معناه انظروا كم كنت حذرة في قراري. وقد يكون هناك من الدول الغربية من ينظر باحترام وتقدير إلى المحكمة في هذه النقطة لأنها كانت مهنية وليست سياسية. مع العلم أن لغة المحكمة تشير إلى إمكانية وجود إبادة جماعية".

فشل ترهيب المحكمة

من جهتها، دعت الأستاذة المشاركة في قسم القانون الدولي لحقوق الإنسان في جامعة نبريجا الإسبانيّة الباحثة سونيا بولس إلى قراءة القرار في سياق أوسع، يأخذ بعين الاعتبار كل التطورات القانونية التي شهدناها في العام الماضي في ما يتصل بفلسطين.

وقالت بولس: إن "الإفلات من العقاب هو أحد السمات المميزة للمشروع الاستيطاني الاستعماري الإسرائيلي. فعلى النقيض من الدول الاستعمارية الاستيطانية الأخرى، جرى التخطيط لسياسات (إسرائيل) الاستعمارية الاستيطانية وتنفيذها على خلفية نظام قانوني دولي يحظرها".

 ومنذ نشأتها، انخرطت "إسرائيل" في انتهاك جميع المعاهدات الدولية لحقوق الإنسان التي هي طرف فيها، بما في ذلك الاتفاقية الدولية للقضاء على جميع أشكال التمييز العنصري، والعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، والعهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، واتفاقية مناهضة التعذيب، واتفاقية حقوق الطفل. كما انتهكت بشكل منهجي المبادئ الأساسية لمعاهدات القانون الإنساني الدولي بما في ذلك اتفاقية جنيف الرابعة".

ورأت بولس أنه حتى لو لم تتمكن المحكمة الجنائية الدولية من محاكمة نتنياهو وغالانت بحال لم يُسلَّما بالفعل إلى المحكمة، إلا أن للقرار آثاراً قانونية وسياسية ومعنوية كبيرة: "أولاً، وجد القضاة أسباباً معقولة للاعتقاد بأن نتنياهو وغالانت يتحملان المسؤولية الجنائية عن جريمة الحرب المتمثلة في التجويع أسلوباً من أساليب الحرب؛ والجرائم ضد الإنسانية المتمثلة في القتل والاضطهاد وغير ذلك من الأفعال اللاإنسانية. كما وجدت المحكمة أسباباً معقولة للاعتقاد بأنهما يتحملان المسؤولية الجنائية بصفتهما رئيسين مدنيين عن جريمة الحرب المتمثلة في توجيه هجوم متعمد ضد السكان المدنيين، وهذا من شأنه أن يزيد الضغوط على الدول التي تواصل بيع الأسلحة لـ (إسرائيل) والتي تستخدم لجلب المزيد من الدمار إلى غزة لثنيها عن ذلك".

وأضافت بولس: "ثانياً، يرسل هذا رسالة مهمة مفادها أن التهديدات والترهيب ضد المحكمة وموظفيها فشلت في ردع المحكمة. وأخيراً، من شأن القرار أن يحد من قدرة المتهمين على السفر بحرية إلى أوروبا والعديد من البلدان الأخرى التي لديها التزام قانوني بالتعاون مع المحكمة. وكلاهما سيصبح منبوذاً على المستوى الدولي".

واعتبرت بولس أن جرائم إسرائيل "التي لا توصف في غزة" أدت إلى إطلاق مسار للمساءلة والمحاسبة، وقالت إن "الإشارة إلى التدابير المؤقتة من قبل محكمة العدل الدولية في القضية التي رفعتها جنوب إفريقيا ضد (إسرائيل) بشأن ادعاء انتهاك اتفاقية الإبادة الجماعية، والرأي الاستشاري لمحكمة العدل الدولية الذي أعلن أن الاحتلال الإسرائيلي في مجمله غير قانوني ويشكل انتهاكاً لعدد من القواعد الآمرة للقانون الدولي، والآن إصدار مذكرات الاعتقال، كل هذا له تأثير تراكمي يمكن أن يدل على أن عصر الإفلات المطلق من العقاب الذي تتمتع به إسرائيل وقادتها بدأ يقترب من نهايته تدريجياً".

وخلصت بولس إلى القول إن هذه التطورات القانونية مجتمعة لديها القدرة على تجريم هجوم "إسرائيل" على غزة وعزل "إسرائيل" بشكل أكبر، وذكرت بما حصل في العام الأخير من تعبئة اتجاه المساءلة، مثل الرأي الاستشاري الذي اعتمدته الأمم المتحدة مؤخراً من محكمة العدل الدولية بشأن العواقب القانونية للاحتلال.

وقالت بولس: "القرار يحمل في طياته القدرة على تمهيد مسار تاريخي جديد ويُعزز التعبئة المناهضة للحرب والمناهضة للفصل العنصري، ويمكنها تشجيع الجامعات والنقابات العمالية وغيرها على تبني سلسلة من التدابير التي يمكن أن تعزز جهود المساءلة".

المصدر: "العربي الجديد".

 

كلمات دلالية