منذ نهاية المرحلة الثانية للحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، في أعقاب اجتياح مدينة رفح، مطلع شهر مايو/أيار الماضي، يتبع الاحتلال تكتيك المباغتة والمناورة في غزة القائم على تنفيذ عمليات خاطفة لقواته البرية في عدة أماكن منها مجمع الشفاء الطبي ومخيم جباليا للاجئين الفلسطينيين والمناطق الوسطى وخانيونس والأحياء الجنوبية الغربية لمدينة غزة، مثل حي تل الهوى وحي الزيتون.
وتكررت العمليات في تلك المناطق عدة مرات سواء بهدف توسيع محور نتساريم وسط القطاع أو استهداف قوات المقاومة في الميدان ومحاولات وقف عمليات إطلاق الصواريخ من قبل الأذرع العسكرية، علاوة عن مزاعم الجيش الإسرائيلي بوجود بنية تحتية للمقاومة في تلك المناطق التي انسحب منها.
ويركز الاحتلال في العمليات على تحقيق أهداف عدة سواء البحث عن جثامين جنوده أو البحث عن محتجزين إسرائيليين لدى فصائل المقاومة، وتنفيذ عمليات تحريك للسكان نحو مناطق أخرى، ما يسبّب تدميراً في البنية التحتية والمنازل التي كانت تضررت بشكل طفيف أو بقي بعضها سليما وتمكن السكان من العودة إليها بعد انسحاب قوات الاحتلال.
وعادة ما تكون هذه المعارك ضارية، إذ تعتمد المقاومة على تكتيك حرب ألأزقة الخاطفة الذي يقوم على استراتيجية "اضرب وفر"، ما يوقع خسائر فادحة في صفوف قوات النخبة الإسرائيلية ويكبدها خسائر بشرية بين قتيل وجريح، علاوة عن الأضرار المادية في المعدات والآليات العسكرية.
وتنطلق المقاومة في تكتيكها من "كمائن الموت" المعدة بشكلٍ مسبق، إذ تعتمد على تفخيخ المناطق وزرع الألغام والعبوات الناسفة، بالإضافة لتمركز مجموعاتها العسكرية على شكل "زمر" قتالية تتراوح ما بين خمسة إلى سبعة أفراد.
وخلال الأيام الأخيرة الماضية شرع الاحتلال الإسرائيلي في عملية عسكرية محدودة النطاق في منطقة الفخاري شرقي خانيونس، جنوبي القطاع، بشكل يشبه عملياته العسكرية التي نفّذها في شمالي قطاع غزة ومناطقه الغربية والجنوبية خلال الحرب التي يشنها للشهر الثاني عشر على التوالي، في وقت تنفذ فيه المقاومة كمائن قاتلة.
ونجحت المقاومة في غزة بمواجهة تكتيك المباغتة والمناورة في غزة وإيقاع رتل آليات عسكرية وقوات برية تابعة لجيش الاحتلال في كمائن محكمة أوقعت فيه خسائر بشرية اعترف الاحتلال ببعضها من خلال بيانات رسمية أو عن المستشفيات التي نقل إليها جنود الاحتلال للعلاج بعد إجلائهم بالطائرات المروحية.
وبحسب مصادر ميدانية، فإن العملية العسكرية الأخيرة في بلدة الفخاري تجري على نطاق أقل من كيلو متر، وتهدف إلى تمشيط المنطقة وتجهيز نقطة مراقبة على الحدود الشرقية للقطاع أعلى مكب النفايات الموجود في المنطقة.
ووفق المصادر فقد تمكنت المقاومة من استهداف قوات الاحتلال في محيط مكب النفايات واستدراجها لكمين محكم في حي العمور ببلدة الفخاري، أسفر عن تدمير عدد من الآليات والدبابات بالإضافة لقتل وإصابة عدد من الجنود الإسرائيليين.
وأشارت المصادر إلى أن آليات الاحتلال تتمركز فوق مكب النفايات عدا عن وجود قناصة تابعين لجيش الاحتلال في المكان يطلقون النار بين فترة وأخرى، فيما وصلت بعض الشظايا تجاه مستشفى غزة الأوروبي، علاوة على عمليات قصف جوي تستهدف منازل المواطنين إلى جانب تجريف أراضي المزارعين ومحاصيلهم وبينها أشجار معمرة، فضلاً عن تفجير ونسف مدرسة الفخاري الحكومية الذي تم الانتهاء من إنشائها حديثاً.
بحث عن الاستنزاف
وفي إطار تكتيك المباغتة والمناورة في غزة الذي ينهجه الاحتلال، يقول مدير مركز عروبة للأبحاث والدراسات الإستراتيجية، أحمد الطناني، إن الاحتلال يعكف على تكثيف العمليات الخاطفة، بهدف تحقيق نتائج عملياتية على الأرض بملاحقة بنك أهداف مستجد بفعل الجهود الاستخباراتية لجيش الاحتلال، دون الخوض في عمليات موسعة تستوجب إشراك عدد كبير من الآليات والقوات.
وأضاف الطناني، أن "الاحتلال بعد إعلانه إنهاء مرحلة العمليات الكبرى، وسحب جزء أساسي من الآليات والحشود العسكرية إلى مناطق الجهد الرئيسي شمال فلسطين المحتلة (على الحدود مع لبنان) بات منشغلاً في تلك الجبهة بشكل واضح".
ولفت إلى أن "الاحتلال يحقق من خلال العمليات المذكورة ملاحقة ساخنة لمحاولة المقاومة ترميم بنيتها التحتية، خصوصاً في الأماكن المحاذية لمواقع تمركز الجيش الإسرائيلي، أو مراكز القيادة والسيطرة للمقاومة، دون أن تنخرط في عملية واسعة تكلف القوة المهاجمة خسائر أكبر في العتاد والأرواح، بسبب تحول الآليات لأهداف سهلة للمقاومين".
وبحسب الطناني، فإن الاحتلال "يبحث عن الاستنزاف والتطبيق التدريجي لمبدأ حرية الحركة وحرية الملاحقة الساخنة، دون الخوض في اشتباك موسع مع المقاومة التي ادعى سابقاً نجاحه في تفكيك بنيتها التحتية".
في الوقت ذاته، يرى الطناني أن "المقاومة لا تتعامل مع هذه العمليات إلا وفق التقييم لكل حالة بحالتها، إذ تسعى إلى الموازنة ما بين حاجتها إلى تقنين الاستنزاف في مقدراتها، والحاجة إلى تحويل كل محاولة من الاحتلال لتثبيت مبدأ حرية الحركة، إلى موضع استهداف للقوات المهاجمة واستنزاف لها".
وبالتالي قال الطناني إن "وسيلة المواجهة الرئيسية هي الكمائن والاستدراج المُعد مسبقاً وفق تقدير المقاومة لتحركات الاحتلال وجهده الاستخباراتي، بحيث تُفشل أهدافه، دون الوقوع في محاذير الاستنزاف لمقدراتها".
وأوضح أن "المقاومة تحرص على عدم الانجرار لتحويل مقاتليها لأهداف مكشوفة للاحتلال، الذي يسعى عبر بعض المناورات إلى كشف مكامن وخطوط المقاومة الدفاعية، إذ تجنب خوض مواجهات في العديد من المواضع، إلى حين وصول القوات المهاجمة إلى كمائن المقاومة، بما يحقق للمقاومة أهدافها ويرفع كلفة تحرك قوات الاحتلال، ويخفض من فاتورة خسائر المقاومة البشرية والمادية".
المصدر: "العربي الجديد".