خبر مصطفى إبراهيم يكتب : « غزة » .. كهرباء مظلمة!

الساعة 04:57 ص|02 يوليو 2009

مصطفى إبراهيم يكتب : "غزة" .. كهرباء مظلمة!

2/7/2009

في ليلة قمرية جميلة عكرها صوت المولدات الكهربائية المنتشرة في أحياء مدينة غزة، سألت سرين جدها الذي أتى لزيارتنا من مدينة رفح هل الكهرباء تنقطع عنكم في رفح؟ فأخبرها أنها منقطعة منذ صلاة الفجر، وٍسألته عن أيام زمان و السامر في ليالي القمر، وقال: لها ليالي القمر ليالي هنية وغنى لها مقطع من ما كانوا يسمرون به في ليالي القمر "وشباب قوموا العبوا والموت ما عنو، والعمر زي القمر ما ينشبع منو".

وأضاف قائلا: إن وجود تيار كهربائي والقمر دليل وجود الهنا والسعادة والأمن، وكل الليالي التي تمر على الإنسان من دون مشاكل كلها هنية، إلا أن الفلسطينيين في قطاع غزة محرومون من ليالي السمر الهنيه، ومن توفر التيار الكهربائي، والآمان.

الفلسطينيون في القطاع محرومون من كل شيئ، التيار الكهربائي يقطع وبشكل أسوء من السابق، ومع ذلك كانت شوارع مدينة غزة الليلة مزدحمة وكأن المواطنين خرجوا جميعاً من منازلهم احتجاجاً على الانقطاع المستمر للتيار الكهربائي، لكن الأمر كان مختلفاً، ربما لان اليوم كان الأخير في امتحانات التوجيهي، خرج الناس إلى المطاعم والكافيتريات، وشاطئ البحر ليزيلوا عن كاهلهم عبئ ثقيل وهم وليالي طويلة مرهقة من السهر مع أبنائهم وبناتهم الطلبة، ومن الانقطاع المستمر للتيار الكهربائي.

الدولة العبرية شنت قبل ثلاثة أعوام عدواناً شرساً وقاسياً ضد الفلسطينيين إثر قيام ثلاثة من فصائل المقاومة الفلسطينية بقتل جنديين واسر ثالث "جلعاد شاليت"، وأمعنت في فرض العقوبات الجماعية على الفلسطينيين فقصف الطيران الحربي الإسرائيلي في الثامن والعشرين من يونيو/ حزيران 2006، محطة توليد الطاقة الكهربائية الوحيدة في قطاع غزة.

الفلسطينيون في قطاع غزة عاشوا أياما قاسية وصعبة جدا وما يزالوا، توقف شبه كامل لجميع مناحي الحياة، شعور بالظلم والقهر والعجز، والإحباط، يعيش الفلسطيني في قطاع غزة وعائلته في بيت ويضطر للتكيف داخل البيت في حدوده الضيقة أمتار معدودة ليبحث عن نسمة هواء في حر الصيف اللافح، والرطوبة العالية والقاتلة، لا يستطيع الصغار النوم.

أزمة الكهرباء لم تنتهي منذ ثلاثة أعوام، وازدادت معاناة الناس أثناء العدوان الأخير وبعده، وبعد توقف إطلاق النار، عاد التيار الكهربائي ولكن بشكل أسوء، مناطق كاملة لم يصلها التيار الكهربائي، شبكة الكهرباء تضررت بشكل كبير، ومولدات محطة الطاقة بحاجة إلى قطع عيار جديدة وصيانة، واستطاعت شركة توزيع كهرباء عزة إعادة التيار الكهربائي، وأصيخ الوضع أفضل من السابق كثيراً.

تحمل الناس كثيراً، كل الاحتياجات البشرية ممنوعة، الحصار خانق وظالم، ويدرك الفلسطينيون أنهم تحت الحصار، وتكيفوا مع ذلك لإدراكهم أن الاحتلال يتحمل مسؤولية ما يجري لديهم، ومحطة التوليد التي تزود نصف الكمية بحاجة إلى صيانة، وبداية شهر أيار/ مايو الماضي أعلنت شركة توزيع كهرباء غزة عن نيتها قطع التيار الكهربائي لساعات طويلة يوميا لمدة شهر عن محافظات قطاع غزة التي تزودها محطة التوليد بالكهرباء لإجراء صيانة في المولدات.

الإعلان تزامن مع بدء الامتحانات النهائية لطلاب المدارس والجامعات، وتم تأجيل عملية الصيانة إلى ما بعد انتهاء امتحانات التوجيهي، إلا أن شركة توزيع كهرباء غزة لم تلتزم بالإعلان وأخذ انقطاع التيار الكهربائي منحاً دراماتيكياً منذ بداية شهر أيار/ مايو والتيار الكهربائي يقطع بشكل يومي، ولساعات طويلة، ولم تعير شركة توزيع كهرباء غزة بالاً للامتحانات خاصة التوجيهي.

وكان الشهرين الماضيين الأسوأ في حياة الفلسطينيين في قطاع غزة لانقطاع التيار الكهربائي، وذكرهم ذلك بالأشهر الستة من نهاية العام 2006، بعد ضرب محطة توليد الطاقة في القطاع، وما يزال الوضع سيئ، حيث تقوم الشركة بفصل التيار الكهربائي مدة ثماني ساعات يوميا عن محافظات قطاع غزة، خاصة المحافظة الوسطى ومحافظة غزة، والحال ليس أفضل كثيراً في رفح، وخان يونس، وشمال غزة.

لم تكتف شركة توزيع كهرباء عزة بقطع التيار الكهربائي وبشكل يومي، فهي تقوم بفصل التيار الكهربائي من دون سابق إنذار، ولا تحدد موعد أو زمان قطع التيار، فجأة يقطع التيار الكهربائي، ولا تعطي المواطنين فرصة لأخذ الاحتياطات اللازمة لذلك، ولا يهم الشركة خراب الأجهزة الكهربائية في المنازل والمؤسسات، ما يزيد من أعباء المواطنين وهمومهم.

وعلى الرغم من الخدمة السيئة التي تقدمها شركة الكهرباء للمواطنين فالشبكة سيئة والأدوات وجزء كبير من المولدات " الترنسات" بالية وبحاجة دائمة للصيانة، وتوفي في السنوات الماضية عدد من عمال الشركة بسبب أن الأدوات قديمة جدا ولا تستخدم الآن في أكثر الدول تخلفاً، وهذا ليس له علاقة بالحصار فكثير من هذه الأدوات والأجهزة قديمة جدا وموجودة قبل أن تتم عملية خصخصة الكهرباء في القطاع.

وكان على الشركة في بداية تأسيسها كان عليها بدلاً من شراء السيارات الخاصة لبعض المدراء، استبدال المولدات الترنسات وتحسين الشبكة والأدوات البالية والقديمة، الخدمة سيئة وعدد ساعات انقطاع التيار الكهربائي طويلة، والشركة تقوم بالجباية وليس مهم لديها سواء الخدمة جيدة أم لا، وثمن الفاتورة الذي يدفعها المواطن ثابت لا يتغير سواء التيار الكهربائي موجود أم منقطع.

انقطاع التيار الكهربائي يعني انقطاع المواطنين عن العالم عدة ساعات، علاوة على الحر الشديد والعجز والإحباط والظلم الذي يشعر به المواطنين، شبكة الاتصالات تتوقف خاصة الهواتف النقالة، وما يرافق ذلك من صعوبات وببطء في شبكة الإنترنت، وغيرها من الأمور التي لا يستطيع المواطن الاستغناء عنها.

عندما قررت الحكومة الإسرائيلية إظلام غزة، واعتبرت قطاع غزة "كياناً معادياً". تحمل المواطنين ذلك ولا يزالوا يتحملون الحصار وما يترتب عليه من عقوبات تفرضها دولة الاحتلال، لكن المسؤولية الآن تتحملها حكومة حماس، وشركة توزيع كهرباء غزة، الحكومة تتحمل المسؤولية بصمتها وعجزها عن توفير البدائل للمواطنين وعدم اتخاذها إجراءات للتخفيف عن المواطنين، ومسائلة الشركة عن ما يجري.

وشركة توزيع كهرباء عزة تتحمل المسؤولية القانونية والأخلاقية عن الصمت الذي تمارسه، وعن ما يجري من الانقطاع اليومي للتيار الكهربائي لساعات طويلة ومن دون سابق إنذار، وعدم وضع جدول زمني وإبلاغ المواطنين بمواعيد انقطاع التيار، وتتحمل المسؤولية القانونية عن الخراب والأعطال التي يتسبب بها الانقطاع المفاجئ للأجهزة الكهربائية للمواطنين، والضغط النفسي والعصبي الذي يصيب المواطنين.