أجبرت سلطات الاحتلال الإسرائيلية، مواطنا من عرب الحلف قرب بسمة طبعون في منطقة الجليل، شمالي الأراضي المحتلة على هدم منزله، قبل أيام، قبل أن تقوم جرافاتها بهدم المنزل وإلزامه بدفع تكاليف عملية الهدم، وذلك بحجة البناء دون ترخيص استنادا لـ"قانون التنظيم والبناء".
وقال صاحب المنزل - إبراهيم حلف، إن "أصعب قرار اتخذه في حياته هو هدم منزلي. توفي ابن شقيقي بين يديّ، وتوفيت والدتي وأنا أجلس بجوارها، وكذلك والدي، ولم ينتابني شعور أشد قسوة وحدّة من قرار قيامي بهدم بيتي الذي استثمرت فيه كل جهودي وطاقاتي وتعب عمري".
وأضاف: "بدأت ببناء البيت الذي تبلغ مساحته 151 مترا مربعا، في العام 2021، والبناء موجود على أرض خاصة لي ومسجلة بأنها ملك خاص على اسم والدي في دائرة التنظيم والبناء ومعي وثيقة طابو تؤكد ملكية الأرض بعد أن صادرت الدولة في الماضي، جزءا كبيرا منها للصالح العام، ويشمل الشارع الرئيس والدوار المجاور للأرض، كلها كانت ضمن حدود أرضي".
وأوضح: أن "سلطات التنظيم كانت قد نشرت في صحيفة عبرية في حينه أن الأرض معدّة للمصادرة مقابل تعويضات، والدي كان أمّيا ولا يقرأ الصحف، وحين قدم اعتراضا على قرار المصادرة كان قد مضى عليه 20 عاما، ورفضت دعوته بفعل قانون التقادم. وقامت دائرة التنظيم ببناء جدار فاصل بين أرض والدي والشارع يضع حدودا جديدة لأرضنا بعد تقليص مساحاتها إلى النصف تقريبا".
ويواصل خلف أنه "في العام 2021 أودعتُ خرائط للبناء في دائرة التنظيم، وكانت البلاد في حينه تشهد جائحة كورونا، ودفعني المهندس للشروع في البناء، قبل إصدار الرخص، وقال لي إنه في الحالة القصوى سيتم فرض غرامة مالية علي، وقد بنيت البيت حسب القانون وابتعدت مسافة 3 أمتار عن الجدار الذي يفصل بين أرضي وبين الشارع وأقمت البناء وقدمت الطلب للترخيص، دون أن يسألني أحد طيلة فترة البناء. في العاشر من آذار/ مارس من هذا العام 2024 وصلني أمر هدم، دون أي إنذار سابق، وعلقوا أمر الهدم على جدار البناء".
وقال إنه "على إثر ذلك القرار توجهت إلى محكمة الصلح في حيفا، وقد تعاملت المحكمة مع الدعوى بفظاظة وعنصرية وقحة وكأنني قمت بفعل إجرامي وردت المحكمة الدعوى. وعدت أطرق كل الأبواب في المجلس المحلي ووزارة المواصلات لإثبات أن البناء لا يؤثر على الشارع ولا على حركة المرور، لكنني فوجئت بوجود مخطط لاقتطاع جزء آخر من أرضي في المستقبل لتوسيع الشارع! وقد توجهت مرة أخرى إلى المحكمة لإثبات أن الشارع واسع بما فيه الكفاية وأنه إذا كان لا بد من توسيعه فهناك إمكانيات أخرى لا تقتضي مصادرة أرضي، إلا أنه تم ردّ الدعوى ثانية".
في يوم الأربعاء الماضي وصل إلى المكان قائد مركز الشرطة في المنطقة ومعه مجموعة من العناصر، وقال لصاحب المنزل إنه بعد يومين يدخل قرار الهدم حيز التنفيذ. قال حلف: "كنت متأكدا بأنهم سيقومون بتنفيذ الهدم في صباح اليوم التالي، الخميس، قبل عطلة نهاية الأسبوع وتداركت الأمر وذهبت إلى أصدقاء لي طلبت منهم خدمة بأن يقوموا بهدم بيتي بجرافاتهم. كم كان الأمر صعبا بالنسبة لهم، ولكن لا مفر من فعل ذلك، وقمت في نفس ليلة الأربعاء بهدم المنزل، وفي الساعة الخامسة صباحا وصل أفراد الشرطة فوجدوا أن المهمة أُنجزت من تلقاء نفسها"!
عاد وأكد حلف أن "الهدم ترك آثارا نفسية صعبة جدا، فهدم البيت يعني الاقتلاع من الأرض وأن وجودك هنا غير مرغوب به، كل ذلك يضاف إلى الأضرار المادية التي تكبدتها، فأنا لا زلت حتى اليوم أسدد دفع أثمان الباطون والحديد الذي استخدمته في البناء الذي أصبح ركاما".
وتابع أنه "هدمت بيتي كي لا أعطي شرطة بن غفير، متعة التلذذ بهدم بيت عربي، وبالتالي إلزامي بدفع تكاليف الهدم ومصاريف القوات المعززة التي تأتي لحماية وتأمين عملية الهدم. تشاورت مع إخواني وقلت لهم إن حضور الشرطة سيسبب استفزازا للناس وسيضيّق على أهالي الحي الذين يغادرون صباحا إلى أعمالهم، وهذه شرطة عنصرية يقودها وزير مهووس، وقد يحدث ما لا تحمد عقباه".
وأشار حلف إلى أن "هذه الشرطة تستفرد بالعرب، وتهدم في الحلف وفي الغريفات وفي النقب وفي كل مكان، لأن العرب غير موحدين على موقف ثابت وصلب ضد هدم البيوت. كان والدي رحمه الله يقول أنت تستطيع أن تكسر عودا منفردا داخل حزمة، لكنك لا تستطيع أن تكسر حزمة كثيفة ومتراصّة! ونحن هنا قرية صغيرة ومسالمة، معظم سكانها من العمال الذين يشقون لتوفير حياة كريمة لعائلاتهم وأُسرهم ولا أحد يرغب في إقحامهم بمواجهة مع الشرطة".
يعيش إبراهيم حلف مع زوجته وأطفاله الثلاثة (أكبرهم في العاشرة من عمره) في منزل والدته التي رحلت عن الدنيا، وبجوار البيت الذي البيت المهدّوم، "كنا نرغب في التوسع بعض الشيء لضمان مستقبل للأولاد، لقد استغرق بناء البيت ستة أشهر بتكلفة زادت عن 400 ألف شيكل، وتم هدمه في ثلاث ساعات".
ووجه حلف نوعا من العتاب إلى لجنة المتابعة واللجنة القطرية والجمعيات الحقوقية وجمعيات المجتمع المدني والمؤسسات التي تسارع تطوعا للدفاع عن المعتقلين في المظاهرات وبارك جهود هذه الجمعيات، لكنه تساءل "لماذا لا توجد مؤسسات وجمعيات تسارع إلى منع هدم البيوت العربية ومرافقة أصحاب هذه البيوت في المحاكم وتوفير الدعم والحماية لهم والدفاع عنهم؟".
الهدم الذاتي في البلدات العربية
من جهته: قال النائب السابق ومؤسس المركز العربي للتخطيط البديل، د. حنا سويد، إن "عملية الهدم الذاتي للمنازل التي صدرت فيها أوامر هدم، هي خطوة دفاعية يقدم عليها صاحب البيت من أجل تقليص حجم الأضرار وتفادي إلزام صاحب المبنى بدفع تكاليف الهدم وأجرة عناصر الشرطة التي تصل لتأمين عملية الهدم".
وأضاف سويد أنه "لا توجد إحصاءات دقيقة حول نسبة الأشخاص الذين يهدمون بيوتهم بأيديهم، ولكنها ظاهرة سائدة خاصة في مدينة القدس الشرقية، وهذه الخطوة تعكس أيضا مدى تغلغل الإرهاب الذي تفرضه شرطة بن غفير على المواطنين الذين يخالفون قوانين التنظيم والبناء".
أوامر هدم لدى اليهود والتنفيذ فقط لدى العرب!
وقال رئيس اللجنة الشعبية للدفاع عن الأرض والمسكن في وادي عارة، المهندس أحمد ملحم، إنه "من غير الممكن إحصاء عدد الذين ينفذون الهدم بأنفسهم لأن هذا النوع من الهدم عادة لا يحظى بتغطية إعلامية إلا في حالات استثنائية مثل إبراهيم حلف الذي هدم بيتا بمساحة كبيرة فور إنهاء العمل فيه".
وأضاف ملحم أن "هناك معطيات جديدة تتعلق بالبناء غير المرخص صادرة عن دائرة ضبط البناء، يتضح منها أن هناك تراجعا في البناء غير المرخص بنسبة 70% مقارنة مع ما كان عليه عام 2021 وهو ما يشير إلى عزوف المواطنين العرب عن البناء غير المرخص لأن النهاية أصبحت معروفة بالنسبة لديهم. وأنا لا أحب استخدام مصطلح شرطة بن غفير وكأن الشرطة قبل بن غفير كانت متسامحة! فهذه سياسة موجودة، ولربما بن غفير يستغل صلاحيات الشرطة بشكل عنصري قبيح ومقزز وفيه نوع من التشفي لدى تنفيذ الهدم عند العرب
وأشار إلى أن "أوامر الهدم الصادرة ضد مبان في المجتمع اليهودي أضعاف الصادرة ضد المباني العربية، لكن تنفيذ القرارات لا يكون إلا عند العرب!".
وختم ملحم بالقول إن "هناك حوالي 500 ألف أمر هدم صادرة في البلاد منها 480 ألف أمر هدم عند اليهود، وهذه المعطيات موجودة في دائرة تنظيم البناء، ولو نظرنا إلى النسب فإن أوامر الهدم لدى اليهود تصل إلى 96% وفقط 4% لدى العرب، ولكن هناك إما أن يكتفوا بتغريم المخالف أو بغض البصر عنه، أما العربي فيصبح مجرما إذا خالف قوانين التنظيم ويُفرض عليه هدم بيته أو يهدمونه ويدفعونه التكاليف".