تصاعدت في الأيام الأخيرة لهجة التهديدات الإسرائيلية باتجاه لبنان ومقاومته الباسلة، في الوقت الذي تستمر فيه المواجهات على جانب الحدود من خلال القصف المتبادل، والذي أثّر بشكل كبير جداً على الجبهة الداخلية الإسرائيلية وسكان المنطقة الشمالية، الذين رفعوا بدورهم من صوتهم عالياً في وجه رئيس حكومة الاحتلال، بنيامين نتنياهو، متهمين إياه بالتسبب بتدمير حياتهم ومصالحهم الاقتصادية؛ بسبب رفضه وقف الحرب على قطاع غزة، وعقد صفقة لتبادل الأسرى مع المقاومة الفلسطينية هناك.
وأمام هذا الواقع المُعقد على الجبهة الشمالية أمام "حزب الله"، منذ الثامن من أكتوبر 2023، يرى المستوى السياسي والعسكري في كيان الاحتلال أن "استمرار الرشقات الصاروخية اليومية من لبنان"، و"إطلاق المسيرات الانقضاضية واستهداف ثكنات الجيش هناك"، يُعطل مصالح "إسرائيل" على جميع المستويات هناك وليس آخر ذلك تعطيل الدراسة في المنطقة؛ وهو ما شكل ضغطاً كبيراً على نتنياهو، الذي بدأ يلوح بقرب ما وصفه بـ"تغيير الوضع" على الجبهة الشمالية شن حرب على لبنان.
استعداد "للهجوم وتغيير الوضع"
وفي إطار حربها النفسية والإعلامية سارعت وسائل الإعلام العبرية إلى نقل تصريحات قادة العدو الإسرائيلي حول النية في تصعيد الوضع على الجبهة الشمالية "حزب الله"، ونقلت القناة 12 العبرية، عن رئيس وزراء الاحتلال، بنيامين نتنياهو، أمس، قوله: "إن الذراع الأقوى لإيران هو حزب الله في لبنان، كاشفاً أنه أصدر تعليمات للجيش الإسرائيلي بالاستعداد لما أسماه "تغيير هذا الوضع" في المنطقة الشمالية.
وأضاف نتنياهو: "لا يوجد احتمال لاستمرارنا في الوضع الحالي، ونحن ملزمون بإعادة جميع مستوطني الشمال إلى منازلهم بأمان". وفي السياق، قال وزير الحرب، يوآف غالانت، خلال زيارته محور "نتساريم" الذي يفصل شمال القطاع عن جنوبه، أمس، "نعمل على تحقيق أهدافنا ونقل ثقل المعركة إلى الشمال بسرعة".
وبدوره، شدد رئيس أركان جيش الاحتلال الجنرال، هرتسي هاليفي، أن "الجيش الإسرائيلي يركّز على القتال بمواجهة حزب الله، ويستعدّ لاتخاذ خطوات هجومية داخل الأراضي اللبنانية"، مستدركاً: "هذه الخطوات هي لتخفيف التهديدات التي يتعرّض لها سكان المنطقة الشمالية، وهضبة الجولان، موضحاً أن ذلك يتزامن مع استعدادات للهجوم في مرحلة لاحقة. وفق قوله.
وبدوره قال مسؤول في الجيش الإسرائيلي لمعاريف: "بمجرد أن نتلقى الضوء الأخضر من المستوى السياسي، سيحتاج الجيش لدقائق فقط لتنفيذ عملية في لبنان، موضحاً أن القيادة الشمالية" لجيش الاحتلال تنتظر الضوء الأخضر للتحرك".
وأضاف المسؤول في الجيش: "نواصل تحديث خطط الهجوم، مشيراً إلى أنه في الأسبوع الماضي فقط، نفذ سلاح الجو "الإسرائيلي" أكثر من 100 هجوم ضد منصات إطلاق الصواريخ التابعة لحزب الله". وفق زعمه.
ونقلت "هيئة البث الإسرائيلية" عن مصدر أمني "إسرائيلي" قوله: "إن عدم إبرام صفقة سيؤدي إلى حرب في الشمال لن تكون على الشكل الذي نريده، وربما تجيب عن السؤال حول الأسباب أو المستجدّات التي دفعت بوتيرة التهديدات إلى أعلى".
وبحسب "القناة 12" العبرية، التي نقلت عن مسؤول كبير في "إسرائيل" قوله: "إن أمامنا خيارين؛ إما التوصّل إلى اتفاق في غزة، أو انهيار المفاوضات وحرب ضد حزب الله". وفي الإطار، أبلغ مصدر أمني "إسرائيلي" رفيع القناة ذاتها، "بأن الجيش الإسرائيلي يستكمل الاستعدادات النهائية للحرب مع حزب الله، بما في ذلك الاستعدادات المكثّفة لأي مناورة بريّة محتملة في الأراضي اللبنانية"،
واعتقد المصدر الأمني "أن الأوضاع بين إسرائيل وحزب الله تقترب من نقطة الانفجار، قائلاً "إن الحرب في لبنان على الأبواب، وإسرائيل أمام سيناريو التوصّل إلى اتفاق أو انهيار للمفاوضات"، لافتاً "أن الإجابة عن السؤال حول الأسباب والمستجدّات لارتفاع التهديد بالحرب، فإن أول وأهمّ ما يمكن الإشارة إليه، هو "أن المحاولات الأميركية للحفاظ على المفاوضات، ولو شكلياً، اقتربت من نهايتها" وبالتالي اقترب إعلان انهيار المفاوضات". وفق قوله.
وأضاف: "هذا ما يمكن أن يشكّل عامل تصعيد في المنطقة، وخصوصاً في "جبهة الإسناد" الشمالية التي يتولاها حزب الله في جنوب لبنان".
محاولة لردع حزب الله
وبعد ثبوت عدم نجاح الاغتيالات لقادة حزب الله في ردعه، وآخرهم القائد العسكري للحزب، فؤاد شكر "السيد محسن"، في الضاحية الجنوبية لبيروت، لجأ العدو الإسرائيلي لسياسة التهديدات للبنان، والتي بحسب المراقبين تدخل في إطار محاولة إخافة وردع "حزب الله"، وربما التأثير على جبهة الإسناد اللبنانية التي أكدت في جميع المناسبات أنها لن تتخلى عن المقاومة الفلسطينية وستواصل مهمتها بكل بسالة رغم حجم التضحيات الكبيرة كما أكد الأمين العام لحزب الله، السيد حسن نصر الله، في جميع المناسبات.
وحول انهيار المفاوضات في لبنان، لفت المحلّل العسكري الإسرائيلي، لصحيفة يديعوت أحرونوت، روي بن يشاي، إلى "المفاوضات السرّية التي تجريها الولايات المتحدة مع المسؤولين اللبنانيين بهدف التوصّل إلى تسوية على الجبهة الشمالية لإسرائيل".
وأوضح بن يشاي أن "فرص التوصّل إلى مثل هذا الاتفاق ضئيلة، خصوصاً أن حزب الله غير مستعد لذلك، مبيناً أنه يمكن القول "إن أحد أهداف اللهجة التصعيدية الإسرائيلية، حتى وإن تُرجمت جزئياً في الميدان، يهدف إلى تحريك هذه الاتصالات ومنحها دفعةً من الجدّية تحت وطأة التهديد بتصعيد كبير وشيك، بما يساعد الأميركيين في اتصالاتهم". وفق قوله.
وفي ذات الوقت، وصل إلى كيان الاحتلال، أمس، رئيس هيئة الأركان الأميركية المشتركة، الجنرال سي كيو براون، في زيارة عاجلة التقى خلالها وزير حرب الاحتلال ورئيس أركان الجيش.
وقال الجنرال براون لصحيفة "فايننشال تايمز": "إنه يفكّر في حال تعثّرت المحادثات أو توقفت تماماً، وكيف سيؤثّر ذلك على التوتر في المنطقة، والأمور التي يتعيّن علينا القيام بها للاستعداد، موضحاً أنه يدرس كيفية استجابة الأطراف الفاعلة الإقليمية إذا فشلت المحادثات، وما إذا من المرجح زيادة نشاطاتهم العسكرية، الأمر الذي قد يؤدّي إلى مسار من سوء التقدير ويتسبّب في اتساع الصراع". على حد قول الأخير.
تعثر المفاوضات بغزة
يأتي ذلك في ظل وضع جماهيري إسرائيلي شبه متفجر، في أعقاب خروج مئات من المتظاهرين في وسط العاصمة تل أبيب؛ احتجاجاً على مقتل 6 من الإسرائيليين أثناء محاولة جيش الاحتلال تخليصهم من آسريهم في مدينة رفح جنوب قطاع غزة، وهو ما فجر حالة من الغضب لدى أهالي الأسرى الإسرائيليين في الشارع الصهيوني واتهام، نتنياهو، بقتلهم وإفشال أي صفقة لتبادل الأسرى مع المقاومة الفلسطينية بغزة.
وفي أعقاب ذلك، عقد الوزيران السابقان في "كابينت الحرب"، الثلاثاء الماضي، مؤتمراً صحفياً قال فيه، بيني غانتس: "نتنياهو لن يعيد المحتجزين في غزة أحياء فهو منشغل بالبقاء السياسي، مضيفاً "هناك انعداماً لاتخاذ القرارات الاستراتيجية في الوقت المناسب، وهناك فشل بالوصول إلى الأماكن المطلوبة في غزة.
ووجه غانتس انتقاداً لاذعاً لنتنياهو بقوله: "إن لم يكن نتنياهو قادرا على مواجهة الضغوط الدولية فليذهب إلى البيت، مشيراً، إلى أن نتنياهو عرقل صفقات التبادل بشكل ممنهج بما في ذلك الصفقة الأولى".
وفي ظل كل هذه التغيرات التي تشهدها المنطقة يبدو أن الضغط الإسرائيلي والتهديدات ستتزايد وتيرتها في المنظور القريب وربما تترجم على أرض الواقع مع زيادة الاستهدافات الإسرائيلية للمدن في جنوب لبنان، في محاولة لإيقاف حزب الله عن مواصلة جبهة الإسناد لقطاع غزة، مع ما تشكله هذه الجبهة من ضغط حقيقي على كيان الاحتلال على الأصعدة كافة السياسية والاقتصادية والعسكرية، بالإضافة للضغط الداخلي من جمهور المستوطنين على نتنياهو لوضع حلول لهذه الجبهة الساخنة والمؤثرة بقوة على مجريات الأحداث بالتزامن مع تعثر المفاوضات على الجبهتين الشمالية والجنوبية.