ارتفعت نسبة التحويلات المالية من "إسرائيل" إلى الخارج بما يصل إلى سبعة أضعاف منذ بداية العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة في السابع من أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، الأمر الذي أرجعه محللون إلى تحوّط الكثير من الأسر التي رفعت شعار "الشيكل الأبيض لليوم الأسود".
ووفق تقرير أورده الاعلام العبري، فإن الخوف يسطير على "الإسرائيليين" من تضرر مدخراتهم واستثماراتهم من طول أمد الحرب، واتساع نطاق الصراع في المنطقة، ما يدفع الكثير من الأسر إلى إيجاد ملاذ مالي في الخارج، وتحويل الأموال من أجل الحصول على الإقامة والجنسية.
ويظهر التقرير لصحيفة معاريف العبرية، أن الأسباب الرئيسية للقفزة في قيمة التحويلات تعود إلى المخاوف من قلة النمو والمراسيم الحكومية التي ستضر بالمدخرات، والبحث عن ملاذ مالي في الخارج أو الحصول على الإقامة والجنسية، لافتاً إلى أن القفزة في التحويلات المالية تعيد إلى الأذهان أجواء القلق من تداعيات جائحة كورونا، عندما وصلت قيمة التحويلات المالية إلى مستوى قياسي بلغ 1.9 مليار دولار في الربع الثالث من عام 2021 وحده، من أصل ما يقرب من 6.4 مليارات دولار حُوِّلَت طوال ذلك العام. وللمقارنة، يبلغ متوسط التحويلات المالية من إسرائيل في الأعوام 1985-2023 نحو 780 مليون دولار سنوياً.
وتشير البيانات الصادرة عن شركة Trading Economics المتخصصة في الاستشارات المالية الدولية إلى أنه في عام 2023، حُوِّل ما يقرب من 5.6 مليارات دولار من إسرائيل، بصعود يصل إلى سبعة أضعاف التحويلات التي جرت في الأشهر الستة السابقة للحرب.
وتأتي الزيادة في التحويلات من جانب الأسر في أعقاب اندلاع الحرب، لتزيد من وتيرة هروب رؤوس الأموال وخروج استثمارات حيوية، حيث نقلت شركات في مجال التكنولوجيا الفائقة مقارّ وأنشطة لها إلى الخارج، بسبب المخاوف من تطور الحرب واتساعها في المنطقة. كذلك تأتي التحويلات المتزايدة في إطار القلق المستمر من الاضطرابات الداخلية، ولا سيما في أعقاب الاحتجاجات التي شهدتها إسرائيل منذ ما يعرف بـ"أزمة إصلاح النظام القضائي" التي اندلعت قبل أسابيع من نشوب الحرب على غزة.
ويقول الرئيس التنفيذي لشركة GMT fintech الناشطة في مجال تحويل الأموال، إيرين ساروك، إن "اتجاه سحب الأموال من إسرائيل بدأ بشكل رئيسي في قطاع الأعمال مع اشتداد الانتقادات العامة للإصلاح القضائي، لكن الأمر امتد إلى الأسر مع اندلاع الحرب، وهي تتوسع مع استمرارها".
ويضيف: "على حد علمنا، لم يُجرَ أي تقصٍّ متعمق من قبل الجهة التنظيمية حول هذه القضية، ولكن على أرض الواقع نشعر بالفعل بزيادة تحويل الأموال إلى الخارج، وهذا يجب أن يشعل الضوء الأحمر لدى صناع القرار".
ويبين ساروك: "في هذه الأيام، أغلب مستخدمي خدمات المحفظة الرقمية هم من الأسر، إلى جانب الشباب الذين يسافرون بين البلدان، والطلاب في الخارج، وموظفي الشركات الذين يسافرون لإقامة طويلة في الخارج، والمستثمرين العقاريين"، لافتاً إلى أن معظم التحويلات تذهب إلى وسطاء إدارة الأموال والمحامين وكتّاب العدل، أما باقي المدفوعات فتتم بشكل روتيني على شكل مبلغ ثابت يُحوَّل لدعم عائلة في الخارج.
ويوضح أن معظم التحويلات تتم بعيداً عن البنوك بسبب التكلفة المرتفعة، التي تبلغ عدة عشرات من الدولارات مقابل رسوم الإرسال، بالإضافة إلى الاختلافات الكبيرة في معدل التحويل، كذلك فإن التحويلات في المحافظ الرقمية أسرع، وتُجرى على الفور، مقارنة بالتحويلات البطيئة والمكلفة نسبياً التي تتم عبر أنظمة "سويفت" التي تصل في الغالب بعد حوالى ثلاثة أيام عمل. وأشار إلى أن معظم الأسر تتعامل مع شركات التكنولوجيا المالية لسرعة التحويل والمرونة والعمولات المنخفضة.
وحسب معاريف العبرية، فإنه حتى السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي، كانت معظم التحويلات المالية تهدف إلى تغطية الاحتياجات الشخصية بمبالغ صغيرة. لكن منذ بداية العام الجاري 2024، وفي الأشهر الستة الأخيرة على وجه الخصوص، هناك اتجاه لتدفق الأموال إلى الخارج، الجزء الرئيسي منه حركة الصناديق الادخارية والاستثمارية، إلى جانب شراء العقارات في الخارج.
ويذكر ساروك: "من خلال البيانات التي بدأنا بجمعها حول هذا الموضوع، نقدر أنه في هذا الوقت هناك زيادة ستة وسبعة أضعاف في معدل التحويلات المالية بين الأسر، مقارنة بما كان عليه قبل السابع من أكتوبر/تشرين الأول". وأضاف أن "اتجاه إنفاق الأموال من إسرائيل إلى الخارج مثير للقلق بالفعل على المستوى الوطني، ولكنه يخدم شركات التكنولوجيا المالية المحلية العاملة في هذا المجال، التي يبلغ متوسط دخلها الإجمالي ما بين 1% إلى 2% من جميع التحويلات التي تحصل".
وتأتي التحويلات المتصاعدة منذ اندلاع الحرب على غزة لتفاقم المخاوف من ازدياد وتيرتها، ولا سيما من جانب الأشخاص المهاجرين من أوروبا الشرقية، الذين يُحوِّلون ما متوسطه 200 دولار شهرياً لدعم أسرهم، إلى جانب التحويلات المالية التي يقوم بها حوالى 150 ألف عامل أجنبي في إسرائيل. وأوضح ساروك: "منذ بداية الحرب الروسية الأوكرانية (فبراير/شباط 2022)، ارتفع معدل تحويل الأموال من قبل المهاجرين إلى عائلاتهم".
ويلفت ساروك، إلى أن أرقام هيئة السكان والهجرة تظهر أن عدد العمال المهاجرين عاد إلى مستواه قبل العدوان، وكان نحو 137 ألفاً إلى جانب نحو 27 ألف عامل أجنبي، والعمال الأجانب سواء أتوا من الصين، أو تايلاند أو الهند أو سريلانكا أو الفيليبين، يُحوّلون معظم رواتبهم إلى عائلاتهم في الخارج بمبلغ إجمالي يُقدَّر بنحو 12 مليار شيكل سنوياً (3.2 مليارات دولار)، ويستخدمون باقي الأموال لحياتهم اليومية في "إسرائيل".