قضى الشاب - حب الدين مقاط، 90 يوماً في سجون الاحتلال الإسرائيلي بعد اعتقاله في أيار الماضي من مدينة رفح جنوبي قطاع غزة، تخلّلتها خمسون يوماً عاشها مكبّلَ اليدين ومعصوبَ العينين، من دون أن يعلم في أي سجن يقبع، ومن دون أن تعرف عائلته أي معلومة عنه.
يقول الشاب الذي أفرج عنه أخيراً الاحتلال: "لقد كنت في مكان سري، عذبوني مع عشرات المعتقلين من غزة تعذيباً وحشياً، ضربونا على رؤوسنا بالبنادق، وأطلقوا الكلاب الوحشية علينا، من دون حتى أن نعرف ما هي تهمتنا؟!"
ويضيف: "عشت أسوأ أيام حياتي في هذا الاعتقال، فكنت أبيت مع عشرات المعتقلين في بركس مصنوع من حديد، وهو في الأصل مكان لتربية الحيوانات، جلسنا فيه لفترات طويلة خلال أيام هذا الصيف الحار". لافتاََ: بأنه في مرحلة ما بعد تغييبه القسري في سجون الاحتلال اكتشف أنه كان في سجن "سديه تيمان" سيئ السمعة. لافتاً إلى أنه شهد استشهاد عدد من المدنيين هناك بسبب التعذيب، من دون أن يعرف أسماءهم، حيث كان من غير المسموح تبادل الحديث.
وفيما لا تزال آلاف العائلات من سكان قطاع غزة تبحث عن أبنائها الذين فُقدوا أو اختفوا قسراً من دون معرفة مصيرهم، يأتي اليوم العالمي لضحايا الاختفاء القسري الذي يصادف في الـ30 من آب من كل عام، وسط تقديرات لـ"المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان" بأن عدد المفقودين جراء الحرب على القطاع تجاوز الـ13 ألفاً، وأن بعضهم ما زالوا تحت الأنقاض، أو دفنوا في مقابر جماعية عشوائية، أو أُخفوا قسراً في سجون ومراكز اعتقال إسرائيلية، حيث تعرض عدد منهم للقتل داخلها.
كما أصدرت "منظمة العفو الدولية" بياناً عبرت فيه عن "قلق عميق" يساورها بشأن مصير فلسطينيين من غزة ومكانهم، تحتجزهم قوات الاحتلال، مشيرة إلى "أنباء عن وقوع حالات اختفاء قسري بالجملة" طالبت بالتحقيق فيها.
بدورها: قالت "المفوضية السامية لحقوق الإنسان إنها تلقت "تقارير مقلقة" من شمال غزة عن حالات "احتجاز جماعي وسوء معاملة واختفاء قسري لآلاف من الرجال والفتيان الفلسطينيين، وعدد من النساء والفتيات، على أيدي قوات الاحتلال".
حتى الجثامين المدفونة في المقابر لم تسلم من جريمة الاختفاء القسري
وحتى الآن: تبيّن أن قوات الاحتلال قتلت 36 معتقلاً من غزة، بالتعذيب، وخلال اختفائهم قسرياً في سجونها، بحسب بيان صادر عن وزارة الأسرى والمحررين في قطاع غزة.
ومعظم حالات القتل هذه دا تقوم سلطات العدو بالإعلان عنها إلا بعد مضي أسابيع عدة، على غرار ما حصل مع رئيس قسم العظام في مستشفى العودة شمال القطاع، الدكتور - عدنان البرش الذي اعتُقل من مشفاه في شباط الماضي، وقُتل تحت التعذيب في نيسان، وأُعلن عن استشهاده بعد نحو شهر.
وحتى الجثامين المدفونة في المقابر لم تسلم من جريمة الاختفاء القسري، إذ انتشرت أخيراً ظاهرة المقابر الفارغة والجثامين المختفية بسبب قيام جيش الاحتلال بسرقتها وهي مدفونة أسفل الأرض.
وتشير المعطيات المحلية إلى أن هناك 2210 جثث قد اختفت بشكل غامض من المقابر، في ظاهرة تعتبر غير مسبوقة وتثير قلقاً بالغاً حول مصير هؤلاء الضحايا.
من جهته: يقول الخبير في القانون الدولي - صلاح عبد العاطي، إن الاختفاء القسري "يعتبر ممارسة بالغة الخطورة ترتقي إلى الجرائم ضد الإنسانية في كل الاتفاقيات والقوانين الدولية، إذا ما تمَّت ممارستها على نطاق واسع أو بطريقة ممنهجة. لافتاً: إلى أنه "بموجب القانون الدولي الإنساني العرفي، تؤكد القاعدة 98 من دراسة القانون الدولي الإنساني العرفي، أن الاختفاء القسري محظور في النزاعات المسلحة الدولية وغير الدولية".
ويبيّن عبد العاطي أن الاختفاء القسري يعدّ "شكلاً من أشكال العقاب الجماعي، الذي يتضرر منه المختفي نفسه بسبب اعتقاله من دون حقوق وخارج إطار القانون، وأفراد عائلته أيضاً الذين يجهلون مصير أبنائهم المختفين ويبقون في تساؤل مستمر وانتظار دائم، قد يمتد لأشهر طويلة أو سنوات أحياناً، لسماع خبر قد لا يأتي أبداً". مضيفاً: أن جيش الاحتلال يستخدم ذلك كـ"إستراتيجية لنشر الرعب في المجتمع الفلسطيني".
ويطالب عبد العاطي "المجتمع الدولي" بضرورة الضغط على سلطات الاحتلال للإفراج عن جميع المحتجزين الذين تم اعتقالهم تعسفياً من قطاع غزة، داعياً "اللجنة الدولية للصليب الأحمر" إلى "تحمل مسؤولياتها والتحقق من أوضاع الأسرى والمعتقلين الفلسطينيين في جميع مراكز الاحتجاز والسجون الإسرائيلية، والتأكد من ظروف احتجازهم، والبحث عن المفقودين والمخفيين قسراً، والمساهمة في الكشف عن مصيرهم".