تؤكد الوقائع التاريخية أن كره الغرب عموماً والولايات المتحدة الأمريكية للعرب ضارباً جذوره في التاريخ، فمنذ الاستعمار الغربي لدول الشرق وخاصة أسيا وأفريقيا في القرنين التاسع عشر والعشرين، تغلغل هذا الكره ما بين المُستعمر وأصحاب الأرض، ولا شك أن وضع الغرب لـ"إسرائيل" ككيان معادي لأهل فلسطين وشعوب المنطقة قد زاد من حالة الكره بين العرب واليهود، وأدخل المنطقة في دائرة صراع لا نهاية لها، فتارة بالحروب المباشرة كما حدث في العراق عام 2003، ولبنان1982-2006، وتارة بحروب الوكالة كما حدث في سوريا عام 2011 بما سمي بالربيع العربي الذي كان يدعو له العديد من باحثي معهد دراسات الأمن القومي في "إسرائيل".
وفي الحالة الفلسطينية وفي الإطار تبرهن على صدق هذا المبدأ الغربي مشاهد المجازر الإسرائيلية ضمن حرب الإبادة، التي تتكرر يومياً في مدارس الإيواء ومخيمات النزوح وتحوي مئات بل آلاف النازحين داخلها، ويأتي ذلك في ظل تجاهل دولي لهذه المجازر ومشاهدها البشعة التي يقترفها الاحتلال بحق المستضعفين في غزة، فلو كانت هذه المشاهد بحق "الإسرائيليين" من (الجنس الآري- أو الأبيض) لانتفضت الحكومات الغربية وعلى رأسها الولايات المتحدة، إلا أن العالم الظالم لا يعترف إلا بالأقوياء وبالنسبة لهم فإن "إسرائيل" تعتبر من الدول القوية في المنطقة أما الفلسطينيين فمن المنظور الغربي لا يشكلون قوة سواء من الناحية العسكرية أو الاقتصادية أو الاستراتيجية أو السياسية.
يبدو جلياً أن الذي لم يفهمه العالم من أحداث السابع من أكتوبر أن الشعب الفلسطيني قد سأم الظلم الممارس بحقه من "إسرائيل" منذ اغتصاب فلسطين عام 1948، وبات هذا الشعب مقتنعاً تمام الاقتناع بأن الطريق الوحيد لاسترداد حقوقه هي القوة، وليس غير القوة العسكرية؛ لذا كانت عملية "طوفان الأقصى" التي أذهلت العالم من حجم عنصر المباغتة والقوة التي فاجأت إسرائيل بحد ذاتها حتى كتب العديد من الخبراء والمحللين بأن هذه الضربة هي الأقوى للكيان منذ حرب عام 1973.
وشكّل تلفيق الاتهامات "الإسرائيلية" للمقاومة الفلسطينية في أحداث السابع من أكتوبر من خلال بث الاحتلال الإسرائيلي لمشاهد تظهر تمثيل بعض الفلسطينيين في جثة أحد الإسرائيليين، واتهامات أخرى باغتصاب نساء يهوديات، واتخاذها كنوع من الدعاية التي اقتنصتها وسائل الإعلام الإسرائيلية والعديد من المؤسسات الرسمية الإسرائيلية؛ لتسويق سردية مظلومية الشعب اليهودي على مدار التاريخ منذ النازيين قديماً في ألمانيا حتى الآن كما يدعى الصهاينة.
كما تثبت الوقائع على الأرض ويوماً بعد يوم أن هذا العالم يتنكر لحقوق الشعب الفلسطيني المُستضعف؛ فيما ينتصر للاحتلال المستبد الظالم الذي لا يتوقف عن القتل والتدمير وانتهاك الحرمات وسلب الأرض من أصحابها، فمتى نُصبح أقوياء بكل تأكيد سيحسب لنا العالم ألف حساب وهذا ما ظهر بعد عملية "طوفان الأقصى" من مناداة العديد من الدول الغربية بضرورة إيجاد حل للقضية الفلسطينية، وشكلت عملية "الطوفان" صفعة قوية لهذا الغرب الذي لا يعترف إلا بالأقوياء، وأعادت هذه القضية على واجهة الملفات في العالم حتى أن الشغل الشاغل للرئيس الأمريكي الحالي جو بايدن هو تحقيق اختراق في التوصل لوقف إطلاق للنار في قطاع غزة بين المقاومة الفلسطينية و"إسرائيل".