خبر سبع معارك لإنشاء «السلطة الفلسطينية الثانية» ..بلال الحسن

الساعة 08:38 ص|28 يونيو 2009

ـ الشرق الأوسط 28/6/2009

تعيش الأوساط الفلسطينية جو ترقب وانتظار، لما سيسفر عنه الحوار الفلسطيني الشامل الذي ترعاه القاهرة، والذي تبدأ اليوم (28/6/2009) جولته الأخيرة، والتي ستتوج بلقاء ختامي يوم 7/7/2009، تعلن فيه وثيقة الاتفاق النهائي، حول الصيغة الجديدة لإدارة الوضع في قطاع غزة بعد حالة انقسام استمرت ثلاث سنوات.

إلا أن أوساطا فلسطينية وثيقة الاطلاع، ووثيقة الصلة بالفصائل ومواقفها وأوضاعها الداخلية، ترى أن هذا الاتفاق، وأن هذا الجو المتفائل، قد يصمد لفترة قصيرة، ولكنه لا يملك وسائل البقاء لفترة طويلة، وربما يتمخض عن صراع داخلي آخر جديد، يكون أعنف من السابق.

يقوم الاتفاق الجديد حسب المعلومات المتوفرة على الأسس التالية:

أولا: تشكيل هيئة وطنية لإدارة شؤون قطاع غزة، تتكون من 27 عضوا، وتتكون كما يلي: 12 من حماس، 10 من فتح، وعضو واحد لكل من الجبهة الشعبية والجبهة الديمقراطية وحزب الشعب والصاعقة، وامتنعت حركة الجهاد عن المشاركة.

ثانيا: تكون صلة الهيئة مباشرة مع الرئيس محمود عباس، وتعمل تحت إشرافه.

ثالثا: تتولى حكومة سلام فياض في رام الله، مسؤولية الشؤون الإدارية والمالية والصلة مع الهيئات الدولية المتعلقة بقطاع غزة.

رابعا: تشرف الهيئة الوطنية على إعادة الإعمار في قطاع غزة.

خامسا: يتم فتح معبر رفح البري، ويتم تشغيله حسب اتفاق عام 2005، بوجود حرس الرئاسة، مع حضور إداري لحركة حماس.

سادسا: تتشكل هيئة خبرات أمنية، بمشاركة عربية، لإعادة هيكلة الأجهزة الأمنية.

سابعا: تجري الانتخابات المقبلة على أساس القائمة النسبية (75% من النتائج)، وقوائم الدوائر بنسبة (25% من النتائج)، وتكون نسبة الحسم للقوائم 4%. ويعني هذا الاتفاق من جملة ما يعني، أن حكومة حماس في غزة انتهى دورها. هذا الاتفاق، سواء قيض له أن ينجح أو يفشل، هو حصيلة معركة سياسية خاضها الرئيس الفلسطيني عباس ضد حركة حماس، وبمساندة عربية ودولية. وهي واحدة من سبع معارك سياسية خاضها عباس بكثافة وفي وقت متزامن، ولا يزال يخوضها من أجل بلورة صورة جديدة للوضع السياسي الفلسطيني.

لقد تبلورت السلطة الفلسطينية بعد اتفاقية أوسلو (1993)، وبعد الانتخابات الرئاسية والتشريعية عام 1994، ونشأ بعدها ما يمكن أن نسميه (السلطة الفلسطينية الأولى)، حيث كانت حركة فتح هي المسيطرة، وكانت أيضا بمثابة الحزب الحاكم. وتحت راية (السلطة الفلسطينية الأولى)، تم استحداث منصب رئيس الوزراء، ثم جرت انتخابات رئاسية جديدة بعد غياب الرئيس ياسر عرفات (عام 2005)، وأصبح محمود عباس هو الرئيس الفلسطيني الجديد. وكان يفترض أن تكون فترة رئاسته امتدادا وتكميلا لـ (السلطة الفلسطينية الأولى)، إلا أن الوقائع على الأرض أثبتت أن رئاسة محمود عباس كانت بداية لقيام (السلطة الفلسطينية الثانية). ليس بسبب نجاح حركة حماس بالانتخابات التشريعية، وليس بسبب الصراع الذي نشب في قطاع غزة وأدى إلى فرض سيطرتها على القطاع، بل بسبب مجموعة من السياسات مارستها الرئاسة الفلسطينية، وهي التي بلورت ملامح (السلطة الفلسطينية الثانية).

ما هي ملامح السياسات التي ميزت عهد الرئيس محمود عباس؟ يمكن أن نعدد عناوين هذه السياسات كما يلي:

أولا: خاض أبو مازن حربا أمنية ضد التنظيمات المقاتلة للاحتلال، ومنها تنظيم حركة فتح (كتائب الأقصى)، فحجب عنها التمويل، ثم أصدر مرسوما يقضي بأن كل من يحمل سلاحا غير سلاح أجهزة الأمن، هو شخص خارج على القانون. ثم بدأ حملة مصادمات واعتقالات مع كل من رفض تنفيذ هذا الأمر.

ثانيا: خاض حربا ضد قيادة حركة فتح (اللجنة المركزية) لأنها لم تتجاوب مع سياساته. فهمش هذه القيادة، ولم يعد يشركها في مناقشة السياسات والقرارات، وأبعد عناصرها عن الإسهام في السلطة أو في الوزارات. وبلغت معركته مع القيادة ذروتها عند الاختلاف حول مكان وزمان عقد مؤتمر حركة فتح السادس، فرفضت هذه القيادة موقف عباس المصر على عقد المؤتمر في الضفة الغربية وفي شهر آب القادم. وسبق ذلك تعطيل عمل القيادة، بعد اختلافها حول رئاسة حركة فتح، ومن يحق له دعوة القيادة للاجتماع، ومن يحق له ترؤس جلساتها، عباس رئيس الحركة أم فاروق القدومي أمين السر؟

ثالثا: خاض أبو مازن حربا ضد اللجنة التحضيرية المخولة الإعداد لعقد مؤتمر فتح السادس (العضوية، الوثائق، المكان، الترتيبات الإدارية.. الخ)، وكان يرأس هذه اللجنة محمد غنيم أبو ماهر، وهو أيضا مفوض التعبئة والتنظيم في الحركة. وارتأت هذه اللجنة دائما ضرورة عقد مؤتمر فتح في الخارج لكي يمكن حضور جميع الأعضاء. ولكن اللجنة، وبعد عمل طويل، فوجئت بقرار من عباس يعلن انتهاء مهمتها، ثم فوجئت باجتماع بكوادر فتح ينعقد في مقر الرئاسة برام الله، ويتخذ قرارا بحل اللجنة، وبتحديد مكان وزمان عقد المؤتمر في الداخل. وهو الأمر الذي رفضته اللجنة، وواصلت عملها من دون الرئيس عباس.

رابعا: ثم خاض الرئيس عباس حربا ضد المجلس الثوري لحركة فتح، وفيه أعضاء من الداخل والخارج، لكي يناقش ويدعم قرار عقد المؤتمر في الداخل، فاحتج على ذلك أمين سر المجلس يحيى عاشور، فرفض دعوة المجلس للانعقاد، وسافر إلى الخارج. فتم تجاوزه، والإيعاز لنائبه لتوجيه الدعوة باسمه، فتم ذلك، وانعقدت جلسة لمن حضر من أعضاء المجلس الثوري المقيمين في الداخل فقط، ولكن لم يتوفر فيها النصاب اللازم وهو الثلثان، فانفضت الجلسة دون بحث أو قرار. ثم عقدت الجلسة الثانية في اليوم التالي مباشرة بنصاب النصف زائد واحد، واتخذت قرارا مؤيدا لقرار الرئيس عباس. وهو أمر يعني أن حدة الخلاف الداخلي ستتسع على صعيد القيادات، ثم على صعيد أعضاء المجلس الذين يرفضون فكرة عقد المؤتمر في ظل الاحتلال.

خامسا: وخاض الرئيس عباس حربا ضد الكتلة البرلمانية لحركة فتح في المجلس التشريعي الفلسطيني، فأقام حاجزا بينها وبين تشكيل الحكومة الفلسطينية. فبادرت الكتلة إلى انتقاد حكومة سلام فياض ومنجزاتها، واعتبرت أنها تعمل بتعمد لإقصاء حركة فتح عن السلطة، ودعت إلى إقالة الحكومة، وإلى أن يتم التشاور مع حركة فتح عند تشكيل حكومة جديدة. وعندما تشكلت حكومة جديدة برئاسة فياض للمرة الثانية، تواجد بداخلها أعضاء من فتح، ولكن الكتلة البرلمانية برئاسة عزام الأحمد أعلنت أنها لم تتم استشارتها بأي أمر يتعلق بالحكومة، ودعت أعضاء فتح المتواجدين فيها إلى الاستقالة.

سادسا: خاض الرئيس عباس ولا يزال يخوض، حربا ضد حركة حماس في الضفة الغربية، حيث تقوم أجهزة الأمن التابعة لحكومة فياض، بحملة اعتقالات متواصلة ومتكررة لكوادر حركة حماس، وبتهمة اقتناء سلاح، أو بتهمة أنها تشكل خطرا على الأمن، وأحيانا بتهمة التحضير للقيام بانقلاب على السلطة. وقد لعبت هذه الاعتقالات دورا في تعطيل حوارات القاهرة، حتى أن الرئيس عباس أصدر أوامر بالإفراج عن عدد من كوادر حماس المعتقلين، ولكن حركة حماس تتهم بأن الإفراج يتم عن عدد من الأشخاص، ثم يتم اعتقال عدد أكبر في اليوم التالي.

سابعا: بدأت السلطة الفلسطينية في خوض معركة جديدة ضد رئيس المجلس الوطني الخارج لتوه من سجون الاحتلال، وهو الدكتور عزيز دويك، ومنعته عند خروجه من السجن من دخول مبنى المجلس، حيث أعلن عن نيته عقد مؤتمر صحافي للحديث عن الوضع السياسي. وبعد منعه هذا أعلن أنه ينوي دعوة المجلس التشريعي للانعقاد وبحث كيفية الخروج من مشكلة الانقسام القائم، ولكن رئاسة كتلة فتح في المجلس قالت إنه لا يحق لرئيس المجلس التشريعي دعوته للانعقاد، وأن هذه الدعوة هي من حق الرئيس عباس، الذي يجب أن يدعو إلى دورة عادية، ثم تنعقد الجلسة برئاسة رئيس السن، ثم تتم الدعوة لانتخاب رئيس جديد للمجلس (!!!).

وبهذا تكون الرئاسة الفلسطينية في معركة مستديمة مع أجهزة قيادية عديدة في حركة فتح. ومع حركة حماس ذات الأغلبية (الأسيرة) في المجلس التشريعي. ومع رئيس المجلس التشريعي، والذي تنكر عليه كتلة فتح رئاسته للمجلس، بينما اعتقلته إسرائيل وحاكمته وسجنته بسبب ذلك.

وبهذا تكون الرئاسة الفلسطينية قد قررت التعاون مع جزء من حركة فتح هو تنظيمها في الداخل فقط، وتجاهل كامل جسم حركة فتح في البلاد العربية والعالم.

وبهذا تكون الرئاسة الفلسطينية قد قررت إلغاء مبدأ التعاون مع حركة حماس، أغلبية كانت أو أقلية، مع وجود أنباء تقول إن الرئيس جيمي كارتر أبلغ حركة حماس عند زيارته لها في غزة، أن عليها أن تقبل شروطا معينة، وإلا فإن أحدا لن يتعامل معها، حتى بعد المصالحة في القاهرة، وقد لا يسمح لها حتى بالمشاركة في الانتخابات حسب قوله.

وبهذا يكون قد نشأ تحالف جديد بين السلطة الفلسطينية وبين سلام فياض وحكومته وأجهزته الأمنية.

وبهذا يكون عهد (السلطة الفلسطينية الثانية) قد بدأ.