خبر بماذا يُضرُّ اللبنانيون من تملّك الفلسطينيين؟ ..هيثم ابو الغزلان

الساعة 01:16 م|22 يونيو 2009

بماذا يُضرُّ اللبنانيون من تملّك الفلسطينيين؟ ..

هيثم ابو الغزلان

السفير اللبنانية

أمــس، كان يــوم اللاجئ. تذكر العالم مشـكلة اللـجوء، ووضــعها على مســتوى ســياسي وأخـلاقي دولي. فــي لــبنان، لا يوم للاجئ. انه دهر من اللجوء، مع ما يقتـضيه من إذلال وعــذاب وغــربة و... عنــصرية ونـبذ. هــنا، مـحاولة لقراءة واقع الفلســطيني المتـدهور بلا كـوابح إنســـانية أو وطنية.

 

يعاني اللاجئون الفلسطينيون في لبنان الأمرين، بخلاف الدول الأخرى التي تستضيف لاجئين، ويتعرضون في لبنان لشتى صنوف التقييد، ويعلل القادة اللبنانيون ذلك مستندين الى خلفية الرفض اللبناني للتوطين على اعتبار انه يخل بالتوازن الطائفي، وهذا الأمر انعكس تقييدا على الفلسطيني الذي يرفض مبدأ التوطين، وبدل أن يكون رفض التوطين قضية مشتركة لبنانيا وفلسطينيا، بحيث تتكاتف الجهود المشتركة لمنع حدوثه، والعمل على تعزيز الرفض اللبناني والفلسطيني له اختارت الحكومات اللبنانية سلوك طرق عديدة «لمعالجة» هذه القضية؛ بحيث باتت تتعامل مع الفلسطينيين بما لا يخدم فكرة محاربة التوطين، وتم التعاطي بحساسية مفرطة مع هذا الملف، ما انعكس بشكل بالغ وكبير على معاناة اللاجئين الفلسطينيين. ترافق ذلك مع تقليص وكالة غوث اللاجئين الفلسطينيين (اونروا) خدماتها، وشبه إنهاء للخدمات التي كانت تقدمها منظمة التحرير الفلسطينية.

 

وأمام هذا الواقع المرير يجد اللاجئ الفلسطيني نفسه محاصرا من كل الجهات؛ فالعمل يُمنع عليه مزاولته، ويمكن ملاحظة ـ بحسب تأكيد مذكرة منظمة العفو الدولية بشأن انتهاكات الحقوق الاقتصادية والاجتماعية للاجئين الفلسطينيين في لبنان ـ «التمييز الواضح ضد الفلسطينيين بحكم القانون وبحسب الأمر الواقع بالمقارنة مع الأشخاص الآخرين من غير المواطنين في ما يتعلق بحقوق تملك العقار ووراثة الممتلكات العقارية». كما يمكن ملاحظة ذلك من خلال القيود الشديدة التي تفرضها الحكومة اللبنانية على إعادة البناء، وتطوير الأبنية في المخيمات، وهناك تمييز بحكم القانون وبحسب الأمر الواقع أيضاً في ما يتعلق بالعمل، والحق في الضمان الاجتماعي. وهذا التمييز يخلق بالعلاقة مع حقوق الملكية والإرث، والحق في العمل، أوضاعا لا يستطيع اللاجئون الفلسطينيون من خلالها التمتع بمستوى معيشة مناسب.

 

ألغى المجلس النيابي اللبناني بتاريخ (21/5/1987)، اتفاق القاهرة الموقع في (3/11/1969) بين الحكومة اللبنانية ومنظمة التحرير الفلسطينية. ورغم أن الحكومة اللبنانية قد أعادت فتح حوار مع الفلسطينيين، بتاريخ (3/7/1991)، وكلفت لجنة مؤلفة من الوزيرين السابقين عبد الله الأمين، وشوقي فاخوري متابعة هذه القضية، وتسلمت اللجنة مذكرة بمطالب اللاجئين، إلا انه بعد البدء في المفاوضات مع اسرائيل، توقف ذلك. وفي العام (2006) قامت اللجنة الوزارية اللبنانية بزيارة مخيم شاتيلا قرب بيروت، ومخيم الرشيدية والبرج الشمالي قرب صور للاطلاع مباشرة وميدانياً على حقيقة المعاناة التي يعيشها اللاجئون الفلسطينيون في مخيماتهم. وأقر الوزراء بأن ما شهدوه شكل لهم صدمة، حتى ان بعضهم لم يمتلك أعصابه، ولم يقو على منع عينيه من أن تغرورق بالدموع تأثرا بما شاهده وتلمسه ـ ولكن الأوضاع ظلت كما هي ـ. ولّد هذا حالة من البؤس والفقر الشديدين. فقد أشارت إحصاءات وكالة (الأونروا) الى ان 60% من الفلسطينيين في لبنان يعيشون تحت خط الفقر، وان 36% منهم لا يتمكنون من الحصول على أي مورد رزق. وتقدّر بعض الإحصائيات نسبة البطالة بـ60%. ومن وجد عملا فبأجر زهيد وليس له أية ضمانات!! وبسبب البطالة ارتفعت معدلات الأمية الى 23%.

 

وفي تقرير أصدرته «هيئة تنسيق المنظمات الأهلية في لبنان» ذكر أن نسبة الوفيات بين الأطفال الفلسطينيين في المخيمات ممن هم دون الخامسة من عمرهم تتراوح بين 45 و52 في الألف، وهي من أعلى المعدلات في العالم.

 

كما يلفت التقرير الى التمييز الذي يتعرض له الفلسطينيون في لبنان، رغم مصادقة لبنان على بروتوكول الدار البيضاء الذي يعطي الفلسطينيين في الدول العربية المضيفة حقوقا متساوية مع المواطنين الآخرين باستثناء الحصول على الجنسية. ومن أوجه التمييز تلك حظر التملك على الفلسطينيين، وذلك بموجب قانون الملكية، وهو يحرم الفلسطينيين من تملك العقارات دون باقي الجنسيات الأخرى، وهو ما يشكل ضربة للملاكين الفلسطينيين الذين سيعجزون عن توريث أولادهم.

 

وتدرّجت التشريعات اللبنانية في ما يتعلق بتملك الفلسطيني على مدى عقود من وجود اللاجئين الفلسطينيين في لبنان، وذلك على وقع تطورات سياسية متوالية. ففيما كان باستطاعة الفلسطيني أن يتملّك كأي مواطن عربي، وفق ترخيص يعطى بمرسوم يتخذ في مجلس الوزراء بناء على اقتراح وزير المال، وفق قوانين العام 1969 (تملك الأجانب)، عُدّلت هذه القوانين العام 2001، لتمنع الفلسطيني بصورة غير مباشرة من التملك، وذلك لوقوعه ضمن فئة «أي شخص لا يحمل جنسية صادرة عن دولة معترف بها» نص التعديل، أو «إذا كان التملّك يتعارض مع أحكام الدستور لجهة رفض التوطين». لكن بموازاة تغيّر القوانين على وقع التخوّف المتزايد من التوطين بسبب تعثر حل قضية فلسطين، كانت هناك أجيال من الفلسطينيين تشتري وتتملك، واقعة شيئا فشيئا في أشكال قانوني يصعب الخروج منه.

 

وبموجب هذا القانون فقد حُرم الفلسطينيون من التملك في لبنان، ومن تملك منهم فإنه يحرم على ورثته انتقال الملكية اليهم بعد وفاته، كما ترتب عليه كذلك منع الفلسطينيين من البناء في المخيمات أو حتى إعادة بناء المتهدم منها مثل مخيمات جسر الباشا وتل الزعتر والنبطية. وتشير الوقائع الى أن تطبيق هذه المادة أدى الى انعكاسات سلبية خطيرة على العديد من العائلات الفلسطينية. ورأى البعض أن الهدف من هذا القانون هو التهجير القسري للفلسطينيين من لبنان.

 

[ كاتب فلسطيني