خبر إلى متى السكوت على الكذب؟ ..علي عقلة عرسان

الساعة 12:25 م|19 يونيو 2009

 

 

إلى متى السكوت على الكذب؟ ..

علي عقلة عرسان

يكاد يكون شهر حزيران هذا العام شهر الخطابات الاستراتيجية، والانتخابات المفصلية، والتصريحات الاستفزازية التي تخفي وراءها مخططات وسياسات ينزّ منها الخداع والخبث، وتنغل بوباء التدخل والهيمنة اللذين يعلن سدنتهما أنهم لا يرغبون فيهما ولكنهم على أرض الواقع يتشبثون بذلك ويمارسونه بشراسة وتصميم، وينسقون فيه شراكة شريرة فيما بينهم.. فمن خطاب أوباما في القاهرة إلى خطاب نتنياو في بارإيلان، ومن انتخابات لبنان إلى انتخابات إيران، ومن قرارات كوريا الشمالية إلى غضب الولايات المتحدة الأميركية.. نقف على أقوال وأفعال ونُذر ذات أبعاد سياسية وأمنية مستقبلية، وهي محطات ومؤشرات سلبية المردود على الأمن والسلم والتعاون بين الأمم، وعلى الجسور الطيبة التي يدعون أنهم يحاولون مدها بين الدول والشعوب لبناء الثقة وتصحيح الصورة وتغيير السياسات. ويبدو التنسيق الغربي ـ الصهيوني في تلك المواقع والمواقف تاماً، لا سيما ضد المقاومة العربية ومن يدعمها، وضد إرادة الفقراء في إيران الذين اختاروا مرشحهم للرئاسة، وضد وكل من يتوجه توجهاً مستقلاً عن المركز الغربي ويطالب الكيان الصهيوني بتعقل وعدل ووقف لجرائم الحرب وانتهاك حقوق الفلسطينيين.

وتأثير هذه العاصفة في منطقتنا على الخصوص لافت للنظر وباعث للتوتر والقلق ومثير للغضب إلى حد كبير، سواء من حيث من التوقعات والنتائج وردود الأفعال، أو من حيث التحركات والحملات السياسية والثقافية والإعلامية الممهِّدة لذلك الفعل الاستفزازي والمتابِعة له حتى تحقيق أهدافه أو تفتيت القوى والمجتمعات التي لا تستجيب لتلك الأهداف. واللافت بصورة فاقعة الحملة الفاضحة المنسقة ذات الأذرع الداخلية والحماية الخارجية والتغطية المالية، والأدوار المرسومة لدول ومؤسسات وتنظيمات وعملاء وفق توقيت للتحرك وتوزيع للمهام، ضد المقاومة العربية للاحتلال في كل بقعة فيها مقاومة للاحتلال، في لبنان ضد حزب الله، وفي فلسطين ضد الفصائل العشرة المقاومة وصقور فتح، وفي العراق ضد المقاومة العراقية الشريفة، وضد كل من يقف مع المقاومة أو يقول بشرعيتها.. ولافت أيضاً الترويج الإعلامي المنظم للمنطق الصهيوني الإرهابي العنصري الكريه الذي عبر عنه نتنياهو بصراحة وقحة وجهل فاضح وعنصرية عدوانية مقيتة، ناطقاً باسم المؤسسات الرسمية والتجمعات اليهودية المحتلة لفلسطين التي يذهب بعضها إلى أبعد مما ذهب إليه حين لخص "الرؤية الصهيونية النهائية" لما يسميه " السلام؟!"، فأكد الآتي:

[[ ـ يجب على الفلسطينيين الاعتراف حقيقة بإسرائيل كدولة للشعب اليهودي.

     ـ  في كل تسوية سلمية يجب على كل أرض تقع تحت سيطرة الفلسطينيين أن تكون منزوعة السلاح مع ترتيبات أمنية صلبة لدولة إسرائيل. أي من دون جيش، من دون سيطرة في الأجواء ومع ترتيبات أمنية ناجعة تمنع دخول أسلحة إلى تلك المناطق، ومراقبة فعلية."، ومن البديهي أنه لا يمكن للفلسطينيين إبرام أحلاف عسكرية.

ـ القدس عاصمة دولة إسرائيل تبقى موحدة عبر استمرار منح حرية العبادة لكل الأديان.

أما موضوع الأراضي فيبحث في التسوية النهائية.]]

وهذا المنطق الذي سمعناه مراراً وتكراراً، وردده رؤساء وزارة صهاينة وتراجعوا عن بعضه في أوقات معينة، ما زال هو البعد الاستراتيجي الثابت للحركة الصهيونية بأطيافها، وهو منطق لا يبني سلاماً، ولا يقيم جسور ثقة، ولا يقدم ما ينقذ اليهودي من نفسه ومن حقده وغروره وغطرسته وشروره. ذلك لأن أبناء الشعب العربي، وفي مقدمته أبناء فلسطين الخلص المخلصين لقضيتم ووطنهم، يرفضون هذا المنطق جملة وتفصيلاً، ويعرفون أن هذا النوع من الاستعمار الاستيطاني لا يضع لوجوده حداً إلا القوة والمقاومة والتمسك بالحقوق مهما طال الزمن وكبُرَت التضحيات.. ولكن اللافت للنظر بقوة هو موقف من يحسبون على الأمة العربية ممن يُسمون " مثقفين، ومفكرين، وإعلاميين، وسياسيين، و..إلخ"،  ومن تنظيمات ذات ولاءات مشبوهة تاريخياً، وكل أولئك يعلمون ميليشيات حسب الطلب، ويؤجرون ألسنتهم وأقلامه لمن يدفع ويحمي ويُعمْلق الأقزام في السياسة والإعلام. حيث يقومون الآن بحملة غوغائية ضد العروبة والإسلام، ضد القومية والهوية والدين، ضد العقل والمنطق، ضد الانتماء والتمسك بالقيم والثوابت الوطنية والقومية. ويقوم أولئك الذين يعملون في سوق السياسة والكلام، أي سوق سياسة وأي سوق كلام، الذين اعتادوا تاريخياً على القفز من حبل إلى حبل، يقومون بحملات كريهة تخدم العدو، وتروج منطقه، وتدافع عن سياساته وعدوانه ومقولاته.. ويقدمهم إعلام مغشوش ومضلل على أنهم " مفكرون ومناضلون؟" وهم لا يتقنون الإصغاء إن خوطبوا، ولا الفهم إن سمعوا أو قرؤوا، ولا التعبير إن كتبوا، ولا يوجدون في موقع نضالي مشرف، وميادينهم المقاهي والمواقع المشبوهة، ولا يحسنون التفكير السليم النافع ولا التعبير المفيد المؤدب.. ويعيشون تاريخياً على استيراد الفكر والقضايا والنضال والرموز والمعارك، ويعادون الأمة وأصالتها وهويتها وقضاياها ونضالها وعقيدتها ودم شهدائها، وينهشون كل من ينتمي إليها ويدافع عنها.. نتاج عقولهم مثل منتجات أجوافهم، ويصدرهم مستخدموهم "مناضلين ومعارضين ومفكرين؟!"، ويروج بعضهم لبعض، وتفتح لهم قنوات مؤثرة فضاءها ليغثوا الأنفس ويجرحوا المشاعر ويتطاولون على الشعب والحق والمقاومة ودم الشهداء، ويروجوا منطق الاحتلال والصهيونية والعنصرية والإمبريالية التي يدعون أنهم يقاومونها؟ إنهم يخدمون سياسات التدخل والإلحاق والهيمنة والصهْينة والتيئيس، يدفعهم حقدهم على من يصنع المصير، وترتفع أصواتهم بتنسيق تام مع أعداء الأمة، ويكمنون بين جلدنا وعظمنا، ويزيفون الوقائع والتاريخ الثقافي والأدبي والفني والنضالي، ويخدعون الأغبياء في سلطاتنا ومؤسساتنا، حيث يكمنون هناك ويعملون من الداخل، ويُستنفَرون حين يُطلَب إليهم أن يتحركوا وينامون حين يُطلب منهم الكف عن الكلام.. وكل ذلك مدفوع القيمة.

لقد استنفر أولئك في الداخل والخارج، واشتدت حملاتُهم مع اشتداد حملات أسيادهم على من يحمل روح الأمة ومبادئها وقضاياها ويقدم دمه لينير طرقها إلى النصر والتقدم الحق. ولافت على الخصوص استنفارهم في هذه الأوقات ضد المقاومة العربية ومن يدعمها، بتزامن ذي دلالة مع حملات الصهاينة والغرب عليها في شهر الخطابات والانتخابات والتصريحات الاستفزازية هذا.

إن تاريخ أولئك وموقفهم ومنطقهم معروف، ولا يقدم جديداً إلا في مدى انفتاحه على من يقف ضد الأمة والحقيقة والعدالة والإيمان بالله الوطن.. ولكن اللافت بصورة مؤسفة ومؤسية سكوت معظم أهل الحق والقضية والأرض والهوية القومية عن أولئك النفر الذين ينفثون سمومهم وسموم أعدائها في الجسد العربي منذ عقود، ويطفون على سطح الحدث يركبون كل موجة. ولا فت بصورة خاصة مسايرتهم لهم إلى حد البله والغفلة والاستغفال، وتمكينهم من الاستفراد بهم واحداً بعد الآخر، في حلبة فُرْجة معظم نظارتها من الضحايا وذئابها الأعداء وأدواتهم.. وكل ينظر وينتظر.. ويضيع في تلك الحلبة وبسببها الحق والوطن والقيم والإنسان.

لا نلوم أعداء الأمة في شدة عدائهم لها، فذاك هو العدو الذي لا ينتظر منه خير ولا شفقة، ولا نلوم الأدوات التي يستخدمها ثم يلقيها إلى مزابل التاريخ، فتلك الأدوات ارتضت لنفسها مكانة ودوراً وثمناً، وتاجرت بالوطن القيم والشعب.. وهي فئات معروفة ومكشوفة.. ولكنا نلوم المنتمين المخلصين الذين يكتوون بالنار ويدفعون ثمن العدوان عليهم والعبث بهم والإساءة لفكرهم وتاريخهم ووطنيتهم ومبادئهم، والإساءة إلى العدل الذي ينشدونه والدم الذي يريقونه على طريق قضاياهم العادلة.. إذ كيف يسمحون لنفر هم السقوط الفكري والنضالي والوطني، بتشويه صورتهم ونضالهم وهم ساكتون، وكيف يرونهم ينهشونهم أفراداً وجماعات فرداً بعد فرد وجماعة بعد جماعة وهم يتفرجون؟ ونلوم أيضاً من يقف على مسافة وينتظر إلى أن يتبين له الخيط الأبيض من الخيط الأسود فيمشي مطمئناً بأمان على طريق.. أي طريق؟ كيف يبقى سلبياً في معركة تخصه، وكيف يسير في أي طريق من دون أن يعرف أنها الطريق التي يختارها والتي توصله إلى بر الأمان والغاية التي ينشدها؟ وكيف يتفرج على مصيره وعلى من يدافعون عن رؤية سليمة لمصير مشترك له ولهم، ويدفعون ثمن الاختيار والوضوح والموقف والانتماء ويتحملون مسؤولية الدفاع عن الأرض والهوية والشعب.. بينما يبقى هو متفرجاً على من يضحي ويدفع الثمن؟!.. إلى متى يبقى هذا لوضع، إلى أي حد يمكن احتمال هذا الظلم، وكيف يستمر التزييف المستر للوقائع والنضال والحقائق والتاريخ؟.. وإلى متى يبقى الذئب والراعي ضد الخراف. 

إنا نتطلع بأمل إلى موقف المنتمين الواعين المؤمنين بأمتهم، المختارين المقاومة مدخلاً مشرفاً وطريقاً للنصر والاستقلال واستعادة الحق والكرامة، والعودة إلى وطن الآباء والأجداد فلسطين، التي يدعي اليهود على لسان ممثلهم الجاهل بالتاريخ نتنياهو وأمثاله بأنها لهم وأنهم لم يغادروها منذ ثلاثة آلاف وخمسمئة سنة!؟ من دون أن يسأل نفسه والإرهابيين الآخرين الذين معه من أين جاؤوا، وكيف جاؤوا إلى فلسطين؟ إن كل شيء يكذبه.. بما في ذلك التوارة التي يؤمن بها.. ففلسطين أرض الكنعانيين العرب الذين تعلم إبراهيم الخليل عليه السلام شفتهم وساكَنهم فيها، والقدس " يبوس" أسس بناءها اليبوسيون الكنعانيون العرب عام 3200 ق. م ولم يغادروها أبداً ولا غادروا فلسطين أبداً، إلا من اضطر منهم في القرن العشرين إلى ذلك بسبب الإرهاب الصهيوني والمذابح المعروفة، بينما لم يسكن القدس يهودي مدة ألف وخمسين سنة متصلة، بموجب وقائع التاريخ؟ فأي جهل يتعالم، وأي كذب يستمر في التشويه والتزوير، وأي أداء سياسي استعماري يريد أي يفرض نفسه بالادعاء الكاذب، وأية " زعرنة" فكرية وتاريخية يقوم بها نتنياهو الكذاب حسب قول كثرة في الكنيست التي هو منها، وأية مناصرة له ولأكاذيبه يقوم بها أتباع منهجه وعملاء كيانه من العرب، ويسكت عنها العرب المنتمون لأمتم وقضاياهم، والمكتوون بنار العدوان والخيانة والعملاء والمنبتين من أرضهم وتربتهم الثقافية والحضارية.؟ وإلى متى الصمت على ذلك وترك هذا النوع من الزؤان يكتسح حقل الحقيقة والقيم في أرض الخير والرسل والقيم؟.

موسكو في 19/6/2009