الحرب الطويلة ورطة استراتيجية تستنزف اقتصاد "الكيان المحتل"

تقرير خسائر اقتصادية بالجملة ترمي بالاقتصاد "الإسرائيلي" في حرب وجود مفصلية

الساعة 11:29 ص|08 ديسمبر 2023

فلسطين اليوم

إخلاص يوسف طملية

منذ السابع من أكتوبر هددت القيادات العسكرية في تل أبيب بجعل الحرب على غزة أطول الحروب الإسرائيلية، إذ وافقت قيادات سياسية و3 رؤساء أركان سابقين للجيش، على خطة تتضمن اجتياحاً جزئياً وتدريجياً للقطاع، برياً وبحرياً، مترافقاً مع قصف جوي كثيف وترحيل الغزيين من المناطق الشمالية.ويتضح من المعطيات أن الأثر الاقتصادي للصراع الآخذ في التطور يتسم بعدم اليقين بشكل كبير ويتوقف على مدة الصراع ونطاقه وشدته.في هذا المقال سنحاولاستشراف قدرة اقتصاد الكيان على الصمود اقتصادياً في هذه الحرب؟ وكيف ستتأثر المؤشرات الاقتصادية الكلية، والقطاع الخاص للكيان بافتراض استمرار الحرب لمدة طويلة؟ وهل ستدفعالخسائر الاقتصادية إسرائيل لوقف حربها على قطاع غزة؟

انخفاض النمو الاقتصادي

يتجه اقتصاد الكيان الإسرائيلي المحتل في الربع الأخير من العام الحالي إلى إلغاء جميع المكاسب التي حققها في ذات العام، حيث تشير جميع التحليلات أن معركة " طوفان الأقصى" مختلفة عن سابقاتها، حيث ستكون الأضرار المترتبة عليها مركبة، بحيث سيتأخذ هذه المعركة الاقتصاد الإسرائيلي إلى محطة مفصلية، وستتحول دورة الاقتصاد من النمو إلى التباطؤ والركود. حيث كان اقتصاد الكيان يمر بفترة نمو وازدهار قبل السابع من أكتوبر، فالإنتاج القومي كان ينمو بمعدلات عالية، ومستوى الفرد كان يتحسن بشكل مطرد وهو ما تؤكده مؤشرات عام 2022، التي توضح نمو الناتج المحلي الإجمالي لإسرائيل بنسبة 6.5% صعودا من توقعات بنك إسرائيل البالغة 6.3%..

ولقد جاء تأثير "طوفان الأقصى" سريعا إذ تباطئالنمو، ومن المتوقع أن يتحول إلى كساد.حيث سيضعف النشاط الاستهلاكي الخاص مع استمرار الحرب، كما سيتسع العجز الحكومي بسبب ارتفاع الإنفاق وانخفاض الدخل. وتشيرالتقديرات إلى أن تأثير الصراع سيتركز على نحو كبير في الربع الأخير من 2023 مما سيؤدي إلى تباطؤ نمو الاقتصاد الإسرائيلي، الذي بلغ 6.4% العام الماضي، إلى 2.3% في 2023، و1.5% في 2024 قبل أن يتعافى إلى 4.5% في 2025.

وقد نما أن الناتج المحلي الإجمالي لإسرائيل بنحو 3% في أول 3 فصول من 2023 كما اقترب سوق العمل من التوظيف الكامل، لكن بعد السابع من أكتوبر انخفض الشيكل في البداية بشكل ملحوظ لكنه تعافى إلى مستويات ما قبل الحرب بالقيمة الاسمية الفعلية بحلول منتصف نوفمبر، أما سوق الأسهم فما زالت منخفضة بنحو 6% عن مستواها قبل الحرب وذلك حتى منتصف الشهر الجاري كما أن علاوة المخاطر مرتفعة.

 

نقص العمالة

استدعت حكومة الاحتلال 360 ألف من قوات الاحتياط، لتنضم للقوة النظامية التي يبلغ قوامها 150 ألف جندي، وتشكل هذه القوة الاحتياطية 8% من القوى العاملة من موظفين وعاملين بالاقتصاد الإسرائيلي، تركوا وظائفهم وخلفوا وراءهم الكثير من الخسائر في القطاعات الاقتصادية المختلفة نظراً لتعطل العمل فيها.

تخسر إسرائيل أسبوعيا 600 مليون دولار بسبب نقص العمالة؛ منها نزوح 144 ألف إسرائيلي وتغيب 360 ألف عامل، وقلة إنتاجية 210 ألف عامل، يعني إعادة تخصيص للموارد البشرية من الاستخدامات المدنية إلى الاستخدامات العسكرية، ما ينعكس بالسلب على القطاعات المدنية التي فقدت جزءاً من قدراتها الاقتصادية لصالح قطاع الصناعات العسكرية. وشملت عمليات الاستدعاء ما يقربمن 10-15% من القوة العاملة بقطاع التكنولوجيا فهو القطاع الأسرع نمواً منذ سنوات، مع وجود 500 شركة متعددة الجنسيات فيها، ويُسهم بنحو 18% من إجمالي الناتج المحلي ونحو نصف الصادرات مما أثر بالسلب على أدائه، كما منعت اسرائيل العمالة الفلسطينية التي تقدر ب 164 ألف عامل حسب أحدث احصائيات جهاز الإحصاء الفلسطيني من الوصول لأماكن عملها منذ 7 أكتوبر نظراً لسياسة إغلاق الضفة التي اتخذها الاحتلال منذ بداية العدوان.

وقد تأثرت العديد من القطاعات في إسرائيل، بما في ذلك البناء والتكنولوجيا والزراعة والمنسوجات، بسبب نقص العمالة. ويثير نقص العمالة في مجال التكنولوجيا الفائقة القلق بشكل خاص لأن هذا القطاع يمثل ما يقرب من 20٪ من الناتج المحلي الإجمالي لإسرائيل وما يقرب من نصف صادرات البلاد.

كما أعلنت السلطات عن تخصيص حزمة بـ 25 مليون دولار (نحو 100 مليون شيكل) لإعانة الشركات التكنولوجية الناشئة المتأثرة بالتداعيات، فضلًا عن نحو ألفي مزارع انضموا للجيش الإسرائيلي، وهذا يعني أن 70% من قدرات القطاع الزراعي تضررت بفعل الحرب.

هبوط الشيكل إلى أدنى مستوياته أمام الدولار

فمنذ اندلاع الأزمة فقد الشيكل أكثر من 5 في المئة من قيمته الدولارية، وبلغ أدنى مستوياته في ثماني سنوات، على الرغم من التدخل المباشر لبنك إسرائيل (البنك المركزي) وضخه لنحو 30 مليار دولار لاحتواء الطلب المتزايد على الدولار والحيلولة دون تدهور أكبر لسعر صرف الشيكل، إضافة إلى توفير ما يصل إلى 15 مليار دولار من خلال المقايضات ومع ذلك انخفض الشيكل أمام الدولار إلى أدنى مستوى له منذ عام 2012.

وقد أعلن البنك المركزي الإسرائيلي عن بيع 15% من احتياطي الدولار؛ لوقف انهيار الشيكل، الأمر الذي ترتب عليه هروب المستثمرين من إسرائيل، ويأتي تراجع الشيكل رغم بدء “بنك إسرائيل” ضخ ما يصل إلى 45 مليار دولار بالسوق المحلية، سعيا للحفاظ على سعر صرف الشيكل من التقلبات التي سببتها الحرب، وحذّرت وكالة بلومبرج من أن تراجع قيمة الشيكل قد يستمر طويلًا، إذ باتت العملة الإسرائيليّة من أسوأ العملات أداء هذا العام في ظل مخاوف من استمرار الصراع، ومغادرة المستثمرين إسرائيل، لينعكس ذلك على الاحتياطيات النقدية الأجنبية.

شلل القطاع السياحي

يشكل الاضطراب الأمني الناتج عن وصول صواريخ المقاومة حتى أواسط الأرض المحتلة، وحتى مطار بن غوريون، ضربة قوية لقطاع السياحة لدى الاحتلال ، حيث قامت العديد من شركات الطيران الأجنبية بإلغاء رحلاتها الجوية من وإلى الأراضي المحتلة، وهو ما ترتب عليه انخفاض عدد السياح الوافدين إلى إسرائيل بشكل كبير، حيث تخلو الفنادق الإسرائيلية من السياح تقريبا لأن نصفها أصبح يقطنه اللاجئون القادمون من الجانب الآخر من المدينة، وتسهم إيراداتالسياحة بنحو 5.5 مليار دولار من الناتج المحلي الإجمالي أي حوالي 15.3 مليون دولار يومياً خلال العام الماضي، ولكن تراجعت حركة السياحة في أكتوبر الماضي بنسبة 76% على أساس سنوي بحسب التقرير الشهري الصادر عن مكتب الإحصاء الإسرائيلي، كما تراجعت الرحلات في مطار بن غوريون بنسبة 80%، وفقًا لتقرير لموقع “Secret Flights” ، كما ستخسر ميزانية حكومة الاحتلال من ميزانيتها لضمان التأمين ضد مخاطر الحرب لشركات الطيران الإسرائيليّة بقيمة 6 مليارات دولار.

خسائر في قطاع الغاز الإسرائيلي

تُعد إسرائيل ثاني أكبر منتج للغاز الطبيعي في شرق المتوسط بعد مصر، حيث تنتج 276 مليار قدم مكعبة سنوياً، وفقاً لإدارة معلومات الطاقة الأمريكية ولكن مع بداية الحرب أمرت إسرائيل شركة شيفرون الأمريكية بوقف الإنتاج في حقل تمار للغاز، وهو ما يكبد اسرائيل نحو 200 مليون دولار شهرياً أي ما يمثل حوالي 6.7 ملايين دولار يومياً من الإيرادات المفقودة ويعتبر قطاع الغاز أحد القطاعات الحيوية للاقتصاد الإسرائيلي في السنوات القليلة الماضية، إذ بلغت الصادرات الإسرائيلية من الغاز 9.21 مليار متر مكعب إلى مصر والأردن في 2022.

وتضرر قطاع البناء بشدة بسبب إلغاء إسرائيل تصاريح العمل للعمال الفلسطينيين. وأدى قرار عدم السماح للفلسطينيين من الضفة الغربية وقطاع غزة بالعمل في إسرائيل إلى نقص العمال، مما أجبر العديد من شركات البناء على تعليق المشاريع.

سيناريوهات تأثير الخسائر الاقتصادية على استمرار الحرب

ليست هذه الحرب بالنسبة لإسرائيل مثل الحروب السابقة، إذ تتكبد خسائر يومية مهولة وتآكلا يوميا للموارد يشمل الجنود والمعدات والوقت والمال والشرعية (الدعم الداخلي والخارجي)، وستستمر الكلفة في الارتفاع مع طول الحرب أو توسعها.

السيناريو الأول: تحمل الاقتصاد الإسرائيلي تداعيات الحرب الطويلة

تشير معظم التقارير الاقتصادية أن الاقتصاد الإسرائيلي هو أحد أقوى الاقتصادات العالمية مما يجعله قادراًعلى تحمل تداعيات هذه الحرب، وبالرغم من الخسائر الاقتصادية المتلاحقة على الاقتصاد الإسرائيلي، إلا أنه مازال يحافظ على قوتهوذلك لسببين رئيسيي. الأول، احتياطي النقد الأجنبي، على الرغم من خسارة 7 مليار دولار من احتياطي النقد الأجنبي الإسرائيلي إلا أنه ما زال يحافظ على قوته حيث بلغ الاحتياطي 191.2 مليار دولار في أكتوبر 2023، على الرغم من حربها على غزة. أما السبب الثاني فيتمثل بالمساعدات الامريكية، حيث تري الولايات المتحدة الأمريكية في إسرائيل حليفها الاستراتيجي طويل الأمد في الشرق الأوسط، وخلال العدوان الحالي أرسلت الولايات المتحدة الامريكية مساعدات تُقدر بنحو 14.3 مليار دولار لإسرائيل.

فوفقًا لما سبق، يمكن ألا يشكل اضطراب الاقتصاد الإسرائيلي عائقاً أمام استكمال عدوانها على غزة، حيث أن كل من احتياطي النقد الأجنبي ومساعدات الولايات المتحدة الأمريكية تجعل الاقتصاد الإسرائيلي يتماسك أمام تداعيات الحرب.

السيناريو الثاني: ان تؤدي الخسائر الاقتصادي المتصاعدة إلى إيقاف العدوان على قطاع غزة

في هذا السيناريو ستؤدي الخسائر الاقتصادية إلى نكبة قوية تضرب الاقتصاد الإسرائيلي مما يجعل الحكومة الإسرائيلية تفكر مراراً وتكراراً في إيقاف تلك الحرب وأن تلك التداعيات تجعل الاقتصاد الإسرائيلي يعاني على المدى القريب والبعيد،وبالإضافة إلى الخسائر الاقتصادية التي تم ذكرها مسبقا، هناك احتمالات من الممكن ان تُصعب الوضع الاقتصادي: مثل أن يتم تقليل المساعدات الأمريكية، حيث حدث انقسام داخل الكونجرس الأمريكي بين مؤيد لاستمرار ارسال المساعدات وبين معارض، خاصة بعد إعلان بايدن رئيس الولايات المتحدة عن حزمة الأمن القومي التي بلغت 105 مليار دولار منها 14.3 مليار دولار مساعدات لإسرائيل.

وذلك سيؤدي إلي زيادة الضغط على الاقتصاد الأمريكي الذي وصل أسعار الفائدة فيه إلي أعلي مستويتها من أجل خفض معدلات التضخم، مما جعل الآراء تتزايد حول انسحاب أو خفض الولايات المتحدة الأمريكية من تلك المساعدات، بالتالي تقليل الولايات المتحدة الأمريكية حجم المساعدات التي تقدمها لدعم اسرائيل سيزعزع قواها وخاصة قوتها الاقتصادية التي تعتمد بصفة مباشرة على الاقتصاد الأمريكي.