إسرائيل تنزف اقتصادياً

تحليل كيف سينهي الكيان الصهيوني عام 2023؟

الساعة 09:56 م|04 ديسمبر 2023

إخلاص يوسف - طمليه باحثه في التحكيم الإقتصادي

يواجه الكيان الصهيوني منذ بدء طوفان الأقصى انهياراً اقتصادياُ غير مسبوق. فالحرب على جبهة قطاع غزة، والتوترات العسكرية في جبهة الشمال، والانهيارات في الجبهة الاقتصادية الداخلية تؤكد أن هذه الحرب ليست كسابقاتها من ناحية الخسائر الاقتصادية الإسرائيلية. فلم تكتف المقاومة بضرب إسرائيل عسكريا وأمنيا وسياسيا وإنما أثرت بشكل مباشر على اقتصادها. ومن أبرز القطاعات المتأثرة جراء الحرب الدائرة حاليا هي قطاعات الصناعة والتكنولوجيا والطاقة والبنوك والسياحة والطيران والطعام. ومن المتوقع أن يستمر هذا التدهور والتأثير السلبي على قطاعات الاقتصاد المختلفة خصوصا إذا ما امتدت الحرب إلى نهاية عام 2023. نسعى في هذا المقال إلى تحليل التأثيرات الاقتصادية لطوفان الأقصى على الاقتصاد الإسرائيلي، واستقراء التنبؤات الاقتصادية في حالة استمرار الحرب حتى نهاية العام الجاري.

كارثة اقتصادية شاملة 

يُعد الاقتصاد الإسرائيلي من الاقتصادات الصلبة بنيوياً، ويُصنف ضمن الاقتصادات المتقدمة في المنطقة. ويمتلك هذا الاقتصاد قاعدة خدمية، وقاعدة صناعية كبيرة، وقاعدة زراعية على نطاق أضيق، تعتمد جميعها على تكنولوجيا متقدمة.

وعلى الرغم من القوة البنيوية للاقتصاد الإسرائيلي من جهة، والدعم الكبير الذي تلقته إسرائيل من الولايات المتحدة الأميركية وحلفائها الأوروبيين من جهة أخرى إلا أن الاقتصاد الإسرائيلي يتجه في الربع الأخير من العام 2023 إلى إلغاء جميع المكاسب التي حققها خلال العام الجاري، بفعل الحرب على قطاع غزة. مما جعل وكالات التصنيف الائتماني العالمية تعدل النظرة المستقبلية إلى الاقتصاد الإسرائيلي من "مستقر" إلى "سلبي"، وقد توقعت وكالة "ستاندرد آند بورز غلوبال" انكماش الاقتصاد الإسرائيلي بنحو خمس نقاط مئوية في الربع الأخير من هذا العام. 

ووفقاً للتوقعات المصرفية، يتوقع البنك الأمريكي "جيه بي مورغان" انكماش الاقتصاد الإسرائيلي بنسبة احدى عشر نقطة مئوية خلال الربع الأخير من عام 2023. مما يفضي إلى توقعات سلبية للحرب على غزة من ناحيتي النمو الاقتصادي والاستثمارات في إسرائيل. يعود ذلك إلى تفاقم الأزمة الاقتصادية العامة في المنطقة وتراجع الثقة في البيئة الاقتصادية الإسرائيلية. كما يمكن توقع تفاقم البطالة وتراجع الاستثمارات في الكيان الصهيوني مع استمرار الأزمة.

أما التأثيرات على العُملة الإسرائيلية (الشيكل)، فمنذ اندلاع الأزمة فقدالشيكل أكثر من 5 في المئة من قيمته الدولارية، وبلغ أدنى مستوياته في ثماني سنوات، على الرغم من التدخل المباشر لبنك إسرائيل (البنك المركزي) وضخه لنحو 30 مليار دولار لاحتواء الطلب المتزايد على الدولار والحيلولة دون تدهور أكبر لسعر صرف الشيكل.

ان اختيار البنك المركزي الإسرائيلي التضحية بجزء من احتياطاته من العملات الأجنبية من أجل تجنب زيادة أسعار الفائدة؛ يهدف إلى عدم تعمق التراجع المحتمل في الإنفاق الاستهلاكي والاستثماري المحلي، وللحيلولة دون انزلاق الاقتصاد نحو ركود أعمق، وهو أمرٌ يسمح بالقول إن عملية طوفان الأقصى هزت الاقتصاد الإسرائيلي بقدر ما هزت المؤسسة الأمنية والعسكرية والسياسية.

ووضعت عملية طوفان الأقصى السياسات الاقتصادية لحكومة إسرائيل أمام تحديات صعبة؛ فتراجع سعر صرف الشيكل على نحو متسارع من شأنه تشكيل ضغوط تضخمية إضافة إلى الصدمة التي تلقتها سلسلة الإنتاج وما سينجم عنها من ارتفاع في تكلفة الشحن والتأمين على المستوردات. وفي حال إخفاق السلطات الإسرائيلية في احتواء التضخم، فإن اختلالات معيشية قد تترتب على ذلك؛ ما قد تدفع إلى زعزعة دعم الرأي العام الإسرائيلي لأجندة الحكومة العسكرية والسياسية.

عملية عسكرية باهظة الثمن

في مسعى منها لاستعادة هيبة الردع، تسعى الحكومة "الإسرائيلية" بكل ثقلها العسكري في عدوانها المستمر على قطاع غزة، غير مكترثة بتكلفته المالية، فهي تدرك أن فشلها في ترميم صورتها ستكون له تداعيات أشد خطورة؛ ليس فيما يرتبط بالجوانب الأمنية فحسب، بل سياسيًّا واجتماعيًّا واقتصاديًّا أيضًا. ووفقًا لوزير المالية الإسرائيلي تقترب التكلفة المالية للعملية العسكرية التي تقوم بها إسرائيل ضد قطاع غزة من 250 مليون دولار أميركي يوميّاً، أي نحو 7.5 مليار دولار شهريًّا؛ أي نحو 1.5 في المئة من ناتجها المحلي الإجمالي. هذا بالرغم من تقديرالبنك المركزي الإسرائيلي كلفة الحرب مع قطاع غزة في 10 أكتوبر بنحو 6.8 مليارات دولار، إلا أن توسع نطاق العملية وتجنيد 360 ألف جنياً احتياطياً غير المعادلة. 

وعلى الأرجح، لن يكون حجم الدعم المالي الكبير الذي حُشِد لهذا العدوان كافيًا لضمان قدرة الخزينة العامة الإسرائيلية على التكيف مع متطلبات الحملة العسكرية، بما في ذلك التكلفة المرتبطة باستدعاء نحو 360 ألفًا من جنود الاحتياط، والبرامج المحتمل الشروع في تنفيذها لتعويض خسائر الشركات والمؤسسات الكبيرة، والمشاريع الصغيرة والمتوسطة أيضًا، عن توقف أعمالها ونقصان مداخيلها من جراء التبعات الميدانية للعملية العسكرية، وغيرها من البرامج التكيفية.

بيت العنكبوت... يغرق بالهوان الاقتصادي

لن تقتصر تبعات الحرب على أعبائها المالية المباشرة، بل ستمتد إلى الطلب المحلي أيضًا، بشقيه الاستهلاكي والاستثماري، الذي من المتوقع أن يشهد تراجعاً ملحوظاً؛ بسبب الخوف، وتراجع ثقة المستهلكين والمستثمرين. فالشواهد التي تبدو، من خلال ردود فعل المجتمع الإسرائيلي وحالة الارتباك الشديدة التي يعيشها، تؤدّي إلى استنتاج مفاده أن الاقتصاد الإسرائيلي يتجه نحو أزمة عميقة. 

في الأيام الأولى للحرب على غزة، شهد الاقتصاد الإسرائيلي تدهوراً كبيراً، حيث فقد أكثر من 950 ألف وظيفة حتى الآن. وكُشف عن خسائر بممتلكات المدنيين في إسرائيل بما قيمته 1.5 مليار شيكل (375 مليون دولار)، حيث قدمت لسلطة ضريبة الدخل الإسرائيلية بأول 10 أيام الحرب 15 ألف دعوى تعويضات عن أضرار بممتلكات السكان المدنيين ومن المتوقع أن يصل عدد دعاوى التعويضات 45 ألفا. والمبلغ قابل للزيادة المضاعفة في ظل استمرار الحرب واستمرار المقاومة الفلسطينية بإطلاق صواريخها.

يسري الأمر نفسه على الطلب الخارجي الذي سرعان ما بدأت مصادره في الانصياع لمعطيات الحرب. فالسياحة، وما يرتبط بها من خدمات، وهي تُعد رافداً مهماً من روافد الاقتصاد الإسرائيلي وميزانيته العامة بناتج إجمالي يبلغ نحو 7.7 مليار دولار، قد تعرضت لشلل كامل ذلك أن المعطيات تشير إلى إلغاء كل الحجوزات تقريباً في الفنادق والمنشآت السياحية، في حين يجري استخدام نصف طاقتها الاستيعابية حتى الآن في إيواء عائلات جرى إجلاؤها من مناطق ومستعمرات قريبة من الحدود مع غزة، ومن المرجح أن تصل إلى ثلاثة أرباع هذه الطاقة الاستيعابية في ضوء خطة إجلاء سكان المدن والبلدات على الحدود اللبنانية، وهذه تكاليف إضافية ستتحملها ميزانية دولة الاحتلال، وستساهم في اتساع فجوتها التمويلية. 

أما بالنسبة لقطاع النقل، والنقل الجوي على وجه الخصوص؛ فقد أعلنت مجموعة من خطوط الطيران العالمية تعليق رحلاتها إلى إسرائيل، وأصبح دور النقل الجوي المدني ينحصر في إجلاء الرعايا الأجانب والإسرائيليين الفارّين من الحرب. وعلى إثر ذلك، تراجع سعر سهم شركة طيران "إل عال" بنسبة 19 في المئة منذ أن بدأت عملية طوفان الأقصى.

ويُتوقع، وإن على نحو أقل حدة، أن تتراجع الصادرات السلعية، ويتفاقم العجز التجاري الإسرائيلي بسبب الضغوط التنافسية الناجمة عن ارتفاع تكلفة التصدير المدفوعة بارتفاع تكلفة الشحن والتأمين والوقود؛ فقد ارتفع السعر العالمي للنفط بنحو 5 في المئة في الأسبوع الأول من العدوان الإسرائيلي، وتتأرجح أسعاره يوماً بعد يوم، على نحو أكثر ارتفاعًا من المستوى الذي كانت عليه قبل العدوان على غزة.

ولن يكون جانب العرض بمعزل عن هذه التأثيرات؛ فالاستدعاء الاستثنائي لكل قوات الاحتياط سيفرغ القطاعات المحركة للاقتصاد الإسرائيلي من مشغليها، وستتسبب حالة الخوف التي تكتنف العمالة الأجنبية وهروبها خارج إسرائيل، وتوقف استخدام العمالة الفلسطينية، في شلل كبير في الخدمات المساندة.

سيكون لعملية طوفان الأقصى ارتدادات عميقة على الاقتصاد الإسرائيلي؛ ليس بسبب التكلفة المالية المباشرة المرتبطة بتمويل العمليات العسكرية فحسب، بل أيضاً، وعلى نحو أكثر حدة، بسبب التأثيرات الممتدة والمتوالية التي ستجعل الاقتصاد الإسرائيلي يفقد توازنه فترةً من الوقت. وتشير كل المؤشرات أن المعركة في غزة وحولها طويلة ومكلفة على الجانبين، مع فارق أن اسرائيل ستحصل على مليارات الدولارات كتعويض من الولايات المتحدة، بينما لا زالت غزة لم تحصل على فواتير إعادة الإعمار التي عهد بها الحكماء العرب في الحروب السابقة.