“طوفان الأقصى” يصيب “مفهوم الردع”

الساعة 08:45 ص|08 أكتوبر 2023

فلسطين اليوم | نبيه عواضة

"كي نتمكن من البقاء في تل أبيب، علينا الصمود في النقب". عبارة قالها دافيد بن غوريون قبل سبعين عاماً ونيف، حدَّد بها "السور أو الجدار" الذي لا بد من إقامته من أجل "الصمود" في "عصب الدولة" ومركز ثقلها الحيوي على كل المستويات.

لو قُدّر لمؤسس “جيش الدفاع الاسرائيلي” وأول رئيس حكومة ووزير حرب، دافيد بن غوريون، أن يفتح عينيه من جديد، ماذا كان ليقول عندما يرى جنوده يُقتادون جُثثاً وأحياء إلى قطاع غزة، ويشاهد مستوطنيه مرميين قتلى ومختبئين في حاويات القمامة وقابعين داخل منازلهم يراقبون من خلف ستائر النوافذ مرور سيارات مدججة بالمقاتلين الفلسطينين “يجتاحون” مستوطنات “غلاف غزة”؟ ماذا كان بن غوريون ليقول عن مشهد مدنيين فلسطينيين يسحبون جثة جندي إسرائيلي من داخل دبابة ميركافا؛ “درة تاج” الصناعات العسكرية الاسرائيلية؟ لا شك أن بن غوريون كان ليعترف بانهيار نظريته وفشل ما راكمته دولة الإحتلال من حمائية عسكرية وأمنية واستخباراتية طوال سبعة عقود. “حمائية” كانت حتى صباح السابع من تشرين الأول/أكتوبر يُعتقد أن إختراقها أمر يصعب تخيله، فتبين أنها أشبه بخزان مُحصن بالفولاذ والإسمنت والأسلاك وأجهزة الإستشعار والتحكم والمراقبة المتطورة. ما بعد خط “بارليف” لكن، لنقفز فوق خبر دك تل أبيب والقدس وبئر السبع بالصواريخ البعيدة المدى. ولنتجاوز أيضاً السؤال عن “الخبر العاجل” الذي اعتادت وسائل الإعلام الاسرائيلية بثه عند كل جولة قتال مع غزة والذي يقول “تمكنت القبة الحديدية من اعتراض صواريخ غزة، وقد سقط عدد منها في أرض مفتوحة”. لنقفز فوق كل هذا وذاك، ولنعد إلى أصل الخبر “الخرق”.. عدد كبير من مقاتلي كتائب عز الدين القسَّام وغيرها من فصائل المقاومة تجاوزا التحصينات العسكرية الإسرائيلية عند حدود قطاع غزة، براً وبحراً وجواً، وفي توقيت مدروس ومنظم، وتمكنوا من السيطرة على مستوطنات متاخمة خلال ساعات قليلة فقط. هؤلاء المقاومون خاضوا معارك شوارع حقيقية بشجاعة لا يمكن وصفها، وقتلوا عدداً من جنود الاحتلال ومستوطنيه، وأسروا ما لا يقل عن 50 جندياً وضابطاً؛ وفق حصيلة غير رسمية؛ واقتادوهم إلى أماكن آمنة داخل القطاع.

لا حديث بعد اليوم عن معادلات تثبت بعد صمود يمنع العدو من تحقيق أهدافه. تلك مفردات يمكن إدراجها اليوم في خانة التراكم الكمي لهذا الحدث النوعي. المقاومة الفلسطسنية نفذت عملية “طوفان الأقصى”، وهي عملية أقرب لحملة عسكرية، وحررت مناطق في فلسطين المحتلة منذ عام 1948 ضمن رقعة تمتد لـ 912 كيلومتراً مربعاً (تفوق مساحة قطاع غزة بثلاثة وعشرين مرة) وخاضت اشتباكات ملحمية في عمق 30 كيلومتر (مستوطنة اوفاكيم غرب مدينة بئر السبع). مشهد تخطى في دلالته، وبعد خمسين عاماً، عبور القوات المصرية خط “بارليف” ووصول القوات السورية إلى أطلال بحيرة طبريا، لكنه اجتمع على إجراء واحد: إصدار يوأف غالانت، وزير الدفاع الإسرائيلي في حكومة بنيامين نتنياهو، الأمر العسكري الذي يحمل الرقم “8” يختصر المأزق الذي وجدت إسرائيل نفسها فيه. “الأمر العسكري رقم 8” يعني “استدعاء للخدمة الاحتياطية، وبأمر طوارئ، كل من خدم في الجيش حتى أولئك الذين خدموا ليوم واحد فقط أو حتى لنصف يوم. والإستدعاء الصادر هو لـ”زمن غير محدد”. وهذا، وفق النظام العسكري الإسرائيلي، يعتبر الإجراء الأكثر أهمية ويتعلق بخطورة الموقف، وهو ما يفسر استخدامه من قبل إسرائيل في حرب عام 1973. كرة الحرب ستكبر العناوين الإسرائيلية التي تأرجحت بين “الكابوس” و”حرب العار” و”إخفاق غير مسبوق”، التي استبقت القرار الرسمي لتسمية الرد الإسرائيلي بـ”سيوف حديدية” تشي بأن الحرب قد بدأت فعلياً، وأن النقاش بات الآن حول المدى الذي قد تذهب إليه هذه الحرب، وعن عناصر القتال فيها، وكيفية الإستعداد للأسوأ، أي لـ”حرب متعددة الجبهات”. النقاش الآن يتجاوز استعادة مفهوم “الردع” الذي تلقى في 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023) الضربة القاضية. بالتأكيد الصور والمشاهد على طاولة الطابق الثاني عشر في مبنى الكارياه، وسط تل أبيب، تدفع بكل واحدة منها إلى سيناريو مختلف، لكن كلها تصب في احتمال أن “كرة الحرب ستكبر”. هل يمكن إخضاع قطاع غزة كله إلى بروتوكول “هانيبال” وشن حرب مدمرة حتى لو كان الثمن مقتل “الجنود والمستوطنين” الذين تم أسرهم مع ما يعنيه ذلك من إراقة للدماء قد تصبح معها مشاهد المجازر والحروب والإبادة الجماعية أمراً عابراً؟ ما عناصر القوة التي تملكها المقاومة؟ وماذا لو أن “خرق الجدار” من جهة قطاع غزة تكرر من الشمال، من جنوب لبنان؟ بالتاكيد، إن طبيعة الأرض المنبسطة وشبه الصحراوية التي تحيط بغزة شرقاً وشمالاً؛ والتي رغم ذلك تمكن رجال المقاومة من التقدم في مناطق مفتوحة؛ لا تشبه طبيعة التضاريس والجبال والمنحدرات التي اعتادت “قوات الرضوان” التابعة لحزب الله القتال فيها. هذا إذا ما أضفنا إليها أربع مسائل مهمة يحسب لها كبار القادة العسكريون والأمنيون في إسرائيل ألف حساب، وهي أن في الجهة الشمالية حزب يمتلك “المدى، والقدرة، والإرادة والدقة”. عندها، والكلام للإسرائيلي، “الكارثة سوف تقع”. والكارثة ستكون أقوى من الكابوس الذي عاشه الجيش الإسرائيلي اليوم، واضطره أن يُرسل مُسيرة ليقصف هدفاً فلسطينياً داخل مستوطنة إسرائيلية لا تبعد سوى أمتارٍعن غزة التي تسيطر عليها المقاومة. فكيف سيكون الحال لو فُتحت جبهة الشمال؟ قد لا تتمكن الطائرات الحربية الإسرائيلية من الإقلاع من مطاراتها.

كلمات دلالية