عالم الكائنات الدقيقة.. رحلة الميكروبات في جسد الإنسان وما بعد الوفاة..!

الساعة 10:52 م|04 أكتوبر 2023

فلسطين اليوم

يُعد جسم الإنسان موطناً لعالم غني ومعقد من الميكروبات البشرية، هذه الكائنات الحية الدقيقة التي تبلغ الملايين والتي نكتسبها منذ لحظة ولادتنا وترافقنا طوال مدى حياتنا، إذ تمتلك هذه الميكروبات دوراً أساسياً في دعم صحة الجسم البشري، حيث تشترك في عمليات الهضم وإنتاج الفيتامينات الأساسية، وحماية الجسم من العدوى والغزاة.

وعادةً، تتركز هذه الميكروبات البشرية في الأمعاء، حيث تجد بيئة دافئة ومستقرة توفر لها إمدادات ثابتة من الطعام. ولكن، ماذا يحدث لهذه الميكروبات بعد وفاة الإنسان الذي كانت تعيش في جسده؟

باحثون من جامعة تينيسي، بقيادة العالمة في الأحياء الدقيقة البيئية، جينيفر ديبروين، قاموا بدراسة مثيرة حول هذه الظاهرة. عادةً، يُفترض أن الميكروبات تموت معنا بمجرد وفاتنا، ولكن الأدلة التي حصلوا عليها تشير إلى أنها لا تنتهي بالفعل هنا. فهي تلعب دوراً هاماً في عملية إعادة تدوير الجسم بعد الوفاة، مما يساهم في استمرار الحياة بشكل جديد.

فعندما يتوقف قلب الإنسان عن النبض ويتوقف عن توزيع الدم الذي يحمل الأكسجين في الجسم، تبدأ الخلايا المحرومة من الأكسجين في تسمم نفسها. تنتج هذه الخلايا مواداً غذائية تُشكل طعامًا للبكتيريا الموجودة في الجسم. بدون نظام المناعة للحفاظ على السيطرة وبدون إمدادات ثابتة من الطعام من الجهاز الهضمي، تتجه هذه البكتيريا نحو هذه المصدر الجديد للتغذية.

وبكتيريا الأمعاء، وبخاصة فئة منها تُعرف بكلوستريديا، تنتقل عبر الأعضاء وتهضم الجسم من الداخل إلى الخارج في عملية تعفن. بمجرد عدم توفر الأكسجين داخل الجسم، تعتمد هذه البكتيريا اللاهوائية على عمليات إنتاج الطاقة التي لا تحتاج إلى الأكسجين، مما يؤدي إلى تحللها وإفراز الغازات ذات الرائحة المميزة.

ومن وجهة نظر تطورية، يُعتبر من المنطقي أن الميكروبات قد طورت استراتيجيات للتكيف مع الجسم المحتضر. يجب على هذه البكتيريا أن تجد مضيفًا جديدًا للاستمرار في البقاء. إذا ازداد عدد البكتيريا، فإنها تزيد من فرص البقاء على قيد الحياة في بيئة أكثر قسوة والعثور على جسد جديد بنجاح.

وعندما يُدفن الفرد في التربة، تُدفع الميكروبات التي كانت تعيش في جسده إلى التربة جنبًا إلى جنب مع السوائل التي تنتج أثناء تحلل الجسم. يُعد هذا الاختلاط بين المجتمعين الميكروبيين مثيرًا، حيث يحدث اندماجًا بين البيئات الميكروبية المختلفة.

التربة، بما تحمله من مجتمع ميكروبي متنوع، تعد بيئة قاسية يُفترض أن تكون معتادة على استضافة مجتمع ميكروبي مستقر. ولكن البحث أظهر أن بقايا حمض النووي المرتبطة بالمضيف يُمكن اكتشافها في التربة لفترة طويلة بعد وفاة الإنسان. هل هذا يعني أن هذه الميكروبات لا تزال على قيد الحياة ونشطة، أم أنها في حالة سبات تنتظر الظروف المناسبة للنشاط؟

نتائج البحث أظهرت أن الميكروبات المرتبطة بالمضيف تعمل بالفعل على تعزيز دورة النيتروجين الحيوية، وهي عنصر غذائي أساسي للحياة. ومن خلال تحويل الجزيئات الكبيرة المحتوية على النيتروجين، مثل البروتينات، إلى أمونيوم، تساهم هذه الميكروبات في دعم الحياة الجديدة في التربة. وهذه النتائج تُظهر أن الميكروبات المرتبطة بالمضيف قد تلعب دوراً هاماً في عملية إعادة التدوير، حيث تُحوِّل الجزيئات العضوية إلى مواد يمكن استخدامها من قبل الكائنات الحية الأخرى في البيئة.

إن هذه الدراسة المبهرة تكشف عن أحد الجوانب المثيرة للحياة والموت، حيث تُظهر لنا أن الحياة تستمر حتى بعد الموت، حيث يساهم جسد الإنسان الذي تركناه في دعم الحياة الجديدة في هذا العالم الميكروبي المعقد.

كلمات دلالية