خبر ما بعد خطاب أوباما: ماذا تبقى من فلسطين؟ ..ماجد الشيخ

الساعة 09:17 ص|15 يونيو 2009

 ـ السفير 15/6/2009

بغض النظر عما إذا كان تاريخ الرابع من حزيران، وإلقاء الرئيس الأميركي باراك أوباما خطابه من القاهرة في هذا التاريخ، عرضيا أو مقصودا، فإن موضوعات الخطاب واتجاهاته المستقبلية تبقى هي الأهم، كونها، كما وردت كبنود على جدول الأعمال الأميركي، موجهة إلى بيئة عربية وإقليمية يفترض أنها متعاونة، وذلك من قبيل بلورة شكل من أشكال التحالف الاستراتيجي، ليس بين إسرائيل والولايات المتحدة، بل بينهما وبين قوى النظام الإقليمي العربي، وإعلانه الولاء لأهدافهما الخاصة بمجموع ما يسمى «التهديدات الوجودية»، من قبيل التهديد النووي الإيراني ومن ثم الكوري الشمالي، وأخيرا تهديدات المنظمات الأصولية المتطرفة الإسلاموية. أما التهديد النووي الإسرائيلي فحدّث ولا حرج.

وفي الطريق إلى مواجهة هذه التهديدات الوجودية، يمكن الإطلالة على الوضع الفلسطيني ـ الإسرائيلي ومسألة التفاوض على المسار السوري ـ الإسرائيلي، وقضايا التعاون الإقليمي التي يؤمل أن تمهد لسلام إقليمي يحمل في أحشائه، أو في مقدماته ـ لا فرق ـ خطوات تطبيع تدريجية بين قوى النظام الإقليمي العربي وإسرائيل. أما الديموقراطية وحقوق الإنسان وما إلى ذلك من شعارات قديمة تتجدد على يد إدارة أوباما، فهي مسائل يأمل خطاب النوايا الأوبامي أن يرفعه إلى مصاف «الوسيط النزيه»، وبوساطة وتعاون أوروبيين يستهدف إقامة مقاربة جديدة، لإقامة وتقوية علاقات تطبيعية وصداقة إستراتيجية بين قوى النظام الإقليمي العربي ودول منظمة المؤتمر الإسلامي من جهة، وإسرائيل من جهة ثانية. فهل تستطيع الإدارة الأميركية في ضوء خطاب أوباما القاهري، ومبادرته واقتراحاته، تغيير نظرة العالم للسياسة الأميركية، والأهم هل يستطيع مقاربة أو الاقتراب من تسوية إقليمية شاملة، تنضوي تحت لوائها حكومة نتنياهو اليمينية المتطرفة التي تحاول الظهور بمظهر المتمرد، تحت ضغط أولوياتها المختلفة عن أولويات النظام الأميركي؟

يمكننا الافتراض هنا أن نوايا أوباما وإدارته وهي على المحك، لن يكون في مقدورها أن تحيل جدول أعمالها الدولي والإقليمي، من قبيل المسألة الكورية الشمالية ومن قبلها المسألة الإيرانية بتشابكاتها، واستراتيجية إدارة الحرب في أفغانستان وباكستان، واستراتيجية الخروج من العراق، إلى أولوية له في معالجة مسائل التسوية الإقليمية، ومن ضمنها خلافه مع إسرائيل على مسألة الاستيطان. لكن على المقلب الآخر، فإن اعتقاد نتنياهو بجدية التهديد النووي الإيراني للغرب، بالقدر ذاته كما لإسرائيل، جعله يحذّر من أنه إذا ما تحولت إيران إلى قوة نووية فعلا، فإن الولايات المتحدة ستكون ليس أمام باكستان واحدة، بل أمام ست دول تشبه باكستان، وهذا ما سيجعل إيران تدخل في منافسة على الهيمنة مع الولايات المتحدة.

من هنا تلك المحاولات المستميتة من جانب نتنياهو لمماهاة المصلحة الإسرائيلية بالمصالح الغربية، واعتبار إسرائيل رأس رمح الناتو في هذه المنطقة، واللعب على وتر الدور الوظيفي المتجدد لإسرائيل في خدمة المصالح الغربية، مقابل عدم ممارسة المزيد من الضغوط عليها، بهدف دفعها للموافقة على استئناف مفاوضات التسوية، أو لتقديم تنازلات ولو محدودة وشكلية على مسار التفاوض مع سوريا ومع الفلسطينيين.  والسؤال هنا: هل يمكن إسرائيل أن تعمل في هذه الحالة خلافا لإرادة الولايات المتحدة الصريحة؟ خاصة أن القول بأن «كل الخيارات مفتوحة» لا يعني حتمية توجيه ضربة عسكرية لإيران، في الوقت ذاته الذي يمكن أن يفشل الحوار الدبلوماسي والسياسي الأميركي ـ الإيراني، فما سيكون رد الفعل الأميركي، وما التحول الذي يمكنه أن ينشأ في الموقف الإسرائيلي؟ ولكن في كل الأحوال وإذا ما نجح الحوار، فلا شك بأنه سيكون على إسرائيل استبعاد الخيار العسكري من تلك «الخيارات المفتوحة»، هذا في حال كان لديها بالأصل خيار عسكري فعلا، علما بأن ما يوجه السياسة الأمنية الإسرائيلية على الصعيد الإستراتيجي، لا يمكنه أن يتناقض مع المصالح الإستراتيجية الواضحة لواشنطن، أكان هنا أم في أي بقعة في العالم، فهل يمكن حكومة نتنياهو الأكثر يمينية أن تذهب بعيدا في معاندة سياسة الأمن الاستراتيجي التقليدية التي اتبعتها حتى الآن، لا سيما أنها تصور الملف النووي الإيراني تهديداً وجودياً، لا يمكنها مع استمراره أن تسمح لطهران بتطوير أسلحة نووية؟ أما في شأن العملية التفاوضية، فإن إصرار إسرائيل على أسلوب التفاوض المباشر والحلول الأحادية والمنفردة، فقد أدى إلى تحجيم القضية الفلسطينية، وساعد حكومات إسرائيل المتعاقبة الاستفراد وفرض الشروط المجحفة ضد الطرف الفلسطيني. فقد انتهى كامب ديفيد في تسعينيات القرن الماضي إلى شرذمة أطراف «التسوية الشاملة» من العرب، وإلى التفريط بالرعاية الدولية، والإقرار بتسويات ثنائية غير مكتملة، كما تحول مؤتمر مدريد إلى منطلق لانفتاح بعض العرب على إسرائيل والتطبيع معها وإقامة علاقات تجارية، حتى قبل أن يبدأ تنفيذ أي خطوة من خطوات الانسحاب أو إنهاء الاحتلال، أو غير ذلك من بنود التسوية مع هذا الطرف أو ذاك. كما أدى اتفاق أوسلو إلى تنازل الأطراف العربية عن دعم الطرف الفلسطيني، حتى في «كفاحه التفاوضي» لنيل حقوق شعبه. وتركت منظمة التحرير الفلسطينية وحيدة في مواجهة جبهة من الأعداء في الداخل والخارج، ليجري استفراد الفلسطينيين شعبا وقضية وانتفاضة ومقاومة ومفاوضة، وحيدين إلا من تضامنات غير منسقة وغير متسقة وأهدافهم الوطنية العليا. في مطالع عقد التسعينيات، لم تستطع الولايات المتحدة إنجاح صيغة تسوية شاملة لقضايا المنطقة، بل على العكس من ذلك «نجحت» في إثارة خلاف مع إسرائيل، انتهى بـ«صلابة» إسرائيلية في الإصرار على أهدافها، وبتنازلات عربية بالجملة والمفرق، دون أن تصيب «التسوية الشاملة» أي تحقيق لمضامينها، وإن تحققت جزئيا هنا أو هناك على جبهات عربية غير منسجمة ولا وازنة في طبيعة الصراع. أما هنا والآن، فلا يختلف الوضع كثيرا أو قليلا عما سبق، فالخلاف الأميركي ـ الإسرائيلي في شأن «حل الدولتين» كما في شأن الاستيطان، ما زال يجدد نفسه وبتكرار نمطي في واقع الحال العربي والفلسطيني، حيث الرهان على «حل أميركي» منقذ؛ سيد الرهانات العربية، وكأن في موضوع الاستيطان هناك ما هو شرعي وغير شرعي، و/ أو وكأن «حل الدولتين» لا يزال على حاله، ففيما بقيت الدولة الإسرائيلية على حالها، بل توغل في عنصريتها وسياساتها الفاشية، تحولت «الدولة الأخرى» إلى «ميني دولة»، أو على أحسن تقدير إلى دولة حكم ذاتي، على جزء من بعض ما كان مفترضا أن يكون الدولة الفلسطينية، كما كانت تتبدى في مطالع تسعينيات القرن الماضي.