نفق الحريَّة.. الأسرى في معادلات المقاومة

الساعة 09:13 ص|06 سبتمبر 2023

فلسطين اليوم | شرحبيل الغريب

شرحبيل الغريب

السادس من أيلول/سبتمبر قبل عامين كان يوماً استثنائياً في تاريخ الحركة الفلسطينية الأسيرة وسِجل نضالها ضد السجان الإسرائيلي. بجينات البطولة والتحدي، بزغ فجر حرية 6 أبطال حفروا نفقاً أسفل سجن "جلبوع" الإسرائيلي الأكثر تحصيناً من حيث الإمكانات. بدأت قصة حريتهم بملعقة وزنزانة ونفق صغير، وانتهت بملحمة أسطورية خالدة في حقول فلسطين الأبية وأحراجها، سيظل الفلسطينيون يتغنون بها في كل وقت وحين.

محمود ومحمد العارضة وأيهم كممجي وزكريا زبيدي ويعقوب قادري ومناضل نفيعات أفذاذ دخلوا التاريخ من أوسع أبوابه بعدما انتزعوا حريتهم رغم أنف السجان ومرَّغوا أنفه في تراب نفق العبور والحرية الذي حفروه بصبرهم وصمودهم وعزيمتهم وإصرارهم على انتزاع الحرية من بين أنياب المحتل، وسجلوا ضربة قوية هزت أركان الاحتلال الإسرائيلي وهيبته

دروس وعبر ورسائل خالدة وبقعة مضيئة سجّلها أبطال نفق الحرية في سجلّ النضال الفلسطيني أو نفق المعجزة والصفعة، كما أحب أن أسميه؛ المعجزة في تحقيق الحرية والمستحيل بأبسط الوسائل، والصفعة التي تلقتها "إسرائيل" على وجهها من هؤلاء الأبطال، فما فعلوه هو نموذج حي وبرهان كبير على لغة التحدي بالإرادة التي امتلكوها والإصرار على نيل حريتهم وانتزاع حقوقهم، مهما كانت محاولات الاحتلال جادة في كسر عزيمتهم عبر الاعتقال والعزل والتعذيب.

من الدروس المهمة للتجربة الفريدة التي خاضها الأبطال الستة في تجربة نفق الحرية أنهم سجلوا بكل شموخ واعتزاز أن قضية الأسرى هي أم الثوابت الفلسطينية ورأس الأولويات الوطنية والقضية المركزية الجامعة. وقد كانت وما زالت وستبقى حاضرة حتى تبيضّ السجون الإسرائيلية من آخر أسير فلسطيني.

تحرير الأسرى مسؤولية فردية وجماعية، وحمل قضيتهم واجب على عاتق كل حر. هو درس عظيم جسّده أبطال نفق الحرية والمحكومون غالبيتهم مدى الحياة. وفي الوقت الذي يحيي الشعب الفلسطيني ذكرى ملحمة البطولة الثانية، يزداد الإصرار والعمل على ضرورة استخدام كل السبل من أجل تحريرهم في وقت يواجهون قرارات تعسفية جديدة ومجحفة أصدرها مؤخراً إيتمار بن غفير؛ الوزير الإرهابي في حكومة نتنياهو.

تأثيرات عملية نفق الحرية قبل عامين ما زالت تعيش فينا ونعيش فيها، فلم تكن تلك التأثيرات مقتصرة على قضية الأسرى، بل أرست وقائع جديدة على الأرض، وفي مختلف المسارات، فأشعلت ثورة فلسطينية عارمة متدحرجة في وجه الاحتلال الإسرائيلي الذي يمارس أبشع الجرائم بحق الأرض والإنسان والمقدسات في الضفة الغربية والقدس، ومقاومة حية متصاعدة متنامية فيها أشكال عدة من العمليات الفدائية في نابلس والقدس والخليل وحوارة وجنين التي خرّجت أبطال نفق الحرية.

إنها ترسم معادلات جديدة لتظهر مدى عجز المحتل عن حماية سجونه من جهة، وفشله في اقتحام مخيمات الضفة الغربية من جهة أخرى، وكأنها تبعث رسالة في ذكرى أبطال نفق الحرية، وتقول للمحتل إن جنين ستبقى حصناً متيناً ومهداً للثوار، تعانقها ساحة مواجهة مشتعلة وثورة مستمرة داخل السجون في وجه السجان الإسرائيلي الذي يمارس سياسة القتل البطيء والمتعمد بحق الأسرى والأسيرات في سجون الاحتلال.

ثمة رسائل لا بد من أن نتوقف أمامها في الذكرى الثانية لعملية نفق الحرية، أولها رسالة الحرية التي يتوق إليها هؤلاء الأبطال، ومعهم الأسرى كافة في سجون الاحتلال، ورسالة تعرية وكشف عجز وخذلان الأنظمة العربية الرسمية التي لم تحرك ساكناً أمام مسلسل طويل من معاناتهم وعذاباتهم، ولم تعمل لأجل تحريرهم.

وأبرز رسالة تُستوحى من التاريخ، ومفادها أن الحرية ينتزعها طالبها، وأنها استحقاق يشقه صاحبه بالعرق والدم من باطن الأرض، ويبث منه حياة تشرق الدنيا بها حرية.

استطاع أبطال نفق الحرية أن يعيدوا قضية الأسرى الفلسطينيين كقضية إنسانية إلى الصدارة ولفت أنظار العالم إلى الحديث عن معاناة أكثر من 6 آلاف أسير فلسطيني يقبعون خلف قضبان الاحتلال ويتعرضون لأبشع الانتهاكات الممنهجة.

ثمة تأثير بالغ الأهمية نتوقف عنده بعد عامين على عملية نفق الحرية، هو أن الأسرى قضية دخلت فعلياً في معادلات المقاومة الفلسطينية، وباتت المقاومة تربط قضيتهم بالمسرى (الأقصى) كقضيتين مركزيتين من الثوابت الوطنية الفلسطينية. وتتعزز هذه المعادلة أكثر في تلويح المقاومة مراراً وتكراراً بأن قضية الأسرى ستكون الصاعق الذي سيفجر مواجهة كبيرة مع الاحتلال.

بعد عامين على عملية نفق الحرية، باتت قضية الأسرى في سجون الاحتلال الإسرائيلي تحتل رمزية وطنية كبيرة في وجدان الشعب الفلسطيني وأجندة مقاومته. النفق أشعل الأمل من باطن الأرض مرة أخرى لستة أقمار، رغم إعادة اعتقالهم، إلا أن المقاومة الفلسطينية، وعلى لسان الناطق باسم كتائب القسام أبو عبيدة، تعهّدت بتحريرهم مرفوعي الرأس، وهم يتصدرون قوائم صفقة تبادل الأسرى المقبلة مع الاحتلال الإسرائيلي، فعهد المقاومة مع شعبها سيكون بالوفاء بالوعد الصادق، كما كان عنوان الصفقة الأولى؛ "وفاء الأحرار" التي حررت 1027 أسيراً وأسيرة من أصحاب الأحكام والمؤبدات رغم أنف السجن والسجان وجبروته وقهره.

ويبقى أبطال عملية نفق الحرية على موعد قريب مع الحرية، والتاريخ يثبت أن معارك كثيرة خاضها الأسرى الفلسطينيون سجلوا فيها انتصارات عظيمة، وعملية نفق الحرية لن تكون الانتصار الأخير. وكما كشفت هشاشة الأمن الإسرائيلي، فقد أثبتت أيضاً أن المستحيل يمكن تحقيقه في مقابل إرادة الأحرار ومقاومة الأبطال.

كلمات دلالية