الجولان والجليل وجنوب لبنان محور توتر جديد بين إسرائيل وحزب الله

الساعة 01:29 م|27 أغسطس 2023

فلسطين اليوم

بقلم : وديع عواودة

بلغت حالة التوترّ المتواصل بين إسرائيل وحزب الله منذ مطلع العام ذروته في تبادل التهديدات بإعادة البلدين إلى العصر الحجري، لكن التوتر لم يتبدد وما زالت أوساط إسرائيلية تدعو لإزالة التهديد الاستراتيجي المتمثّل بصواريخ دقيقة بيد حزب الله كي لا يزداد خطورة. ويعتبر مسؤولون أمنيون حاليون وسابقون في إسرائيل، إنّ ثمة رابطا بين التوتر مع حزب الله على الحدود بين جنوب لبنان وفي الجولان السوري المحتل وبين الهجمات في الضفة الغربية من جهة وبين السجالات الداخلية الإسرائيلية. ونقلت إذاعة جيش الاحتلال في تقريرها، تصريحات رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، ووزير أمنه يواف غالانت قبل أيام، بأنّ إيران هي الممول الرئيسي لحزب الله وحركة الجهاد الإسلامي، بالإضافة إلى توفير تمويل كبير لحركة حماس وإن طهران تتحرك من فكرة محاصرة إسرائيل بين فكي كماشة. وكان نتنياهو، قد أوعز، في وقت سابق من هذا الشهر، بالحفاظ على كفاءة واستعداد الجيش في الحالات الروتينية والطارئة لمواجهة أي تحد. وجاء ذلك على خلفية عملية جريئة نفذها عنصر حزب الله الذي فجّر لغما قريبا من سجن مجيدو على بعد نحو 100 كم من الحدود اللبنانية أدى لإصابة مواطن بجراح بالغة. وقتها قال مسؤول دفاعي إسرائيلي لرويترز إن الهجوم كان يهدف إلى التسبب في خسائر كبيرة وإنه «لو حدث ذلك لاشتعلت الجبهة الشمالية».

خيمة على سفوح جبل الشيخ

كما تصاعدت التوترات بسبب خيمة نصبها حزب الله على أرض تقول قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة إنها تقع على الجانب الإسرائيلي من الخط الأزرق، وهي حدود رسمتها الأمم المتحدة تحدد الخط الذي انسحبت إليه القوات الإسرائيلية عندما رحلت عن جنوب لبنان في العام 2000. وتعتبر أوساط من المراقبين والمعارضة في إسرائيل صمت حكومتها واستيعابها لهذا «الاختراق» ضعفا وخنوعا لحزب الله. وجاء نصب الخيمة بعدما كانت إسرائيل قد قامت بإجراءات على الأرض ضمّت فيها عمليا الجزء الشمالي من قرية الغجر منتهكة الخط الأزرق واتفاقات سابقة. وفي الشهر الماضي أقامت إسرائيل سياجا من الأسلاك الشائكة على الجانب اللبناني من الخط الأزرق ما أثار توترا. وجاءت الخطوة الإسرائيلية بعد تبادل لإطلاق النار عبر الحدود في نيسان/أبريل هو الأخطر منذ الحرب الأخيرة بين القوات الإسرائيلية وحزب الله في العام 2006. وأتى ذلك بالتزامن مع سلسلة من الحوادث التي أثارت مخاوف من احتمال انزلاق الجانبين نحو التصعيد وقد يترتب عن أي سوء تقدير من أحد الجانبين عواقب وخيمة فالحروب تنشب أحيانا دون رغبة الأطراف المشتبكة باندلاعها.

حرب لبنان الثانية

يشار أنه خلال حرب لبنان الثانية عام 2006 التي استمرت شهرا بين حزب الله وإسرائيل، قضى في الجانب الإسرائيلي 160 بينهم 38 مدنيا وبقيتهم من الجنود. وقبل تفجر التوتر في الغجر وتحديدا في السادس من تموز/يوليو، أطلق صاروخ مضاد للدروع من الأراضي اللبنانية تجاه السياج الجديد، فردت إسرائيل بقصف مدفعي ما صعّد التوتر المتواصل حتى اللحظة. على خلفية ذلك دعا وزير الأمن القومي الإسرائيلي إيتمار بن غفير إلى تحرك إسرائيلي ضد «حزب الله» وفي حديث لراديو تل أبيب اعتبر بن غفير أنه «يجب الرد في كل مكان، لا يمكننا السكوت عن الاستفزازات وخرق الحدود وعبور الخطوط الحمراء، لا في غزة ولا على الحدود الشمالية» في إشارة إلى الحدود اللبنانية. لكن إسرائيل وجهت رسالة إلى «حزب الله» مفادها أنها لا تريد تصعيدا، لكنها لن تسمح بالمساس بالسياج الحدودي أو عبوره.

الجولان وسوريا

ولا شك أن استمرار الهجمات الإسرائيلية ضد أهداف لإيران وحزب الله في الأراضي السورية، بواسطة صواريخ تطلق من هضبة الجولان السورية المحتلة أو بالطائرات الحربية تغذي هذا التوتر باستمرار خاصة أن هذه الهجمات تخلّف ضحايا في صفوف قوات إيرانية وقوات حزب الله. ويرى مراقبون أنه رغم تبادل التهم بإحداث خراب واسع يعيد كل طرف لـ «العصر الحجري» لا توجد رغبة لديهما بالدخول في حرب عبر الحدود اللبنانية الإسرائيلية منذ آخر اشتباك كبير بينهما قبل 17 عاما فيما يستمر الصراع بينهما في الأراضي السورية.

النووي الإيراني

لكن محللين يقولون إن الهدوء أصبح على المحك في الآونة الأخيرة بسبب سلسلة من الحوادث التي زادت من مخاطر التصعيد مع احتدام التوترات الإقليمية بشأن برنامج إيران النووي وتصاعد العنف بين الإسرائيليين والفلسطينيين. ويرى الباحث في معهد دراسات الأمن القومي التابع لجامعة تل أبيب والرئيس الأسبق للاستخبارات العسكرية الإسرائيلية عاموس يادلين أن هذه التوترات تأتي على خلفية أزمة سياسية داخل إسرائيل تشجع أعداءها وتدفعهم للتجرؤ عليها، ويشاطره الرأي عدد من المراقبين والمسؤولين الإسرائيليين السابقين. وفي المقابل يقول حزب الله -الذي يسره رؤية بعض جنود الاحتياط وهم يرفضون تأدية الخدمة- إن إسرائيل الآن أكثر ضعفا من الماضي. يادلين الذي يدعو بشكل منهجي لإزالة التهديد المتصاعد من قبل حزب الله يقول إن «القلق الأساسي والتهديد العسكري الأكبر هما حزب الله». في حديث إلى «القناةالـ 12» الإسرائيلية أشار يادلين إلى أن «إيران أعطت حزب الله ثلاثة مكونات للقوة لم تكن موجودة في عام 2006 وهي صواريخ دقيقة ودفاع جوي وقوات الرضوان، التي من المفترض أن تحتل منطقة الجليل». بدوره قال العميد أوري أغمون من «منظمة قادة أمن إسرائيل» إن «الوضع الحالي بين إسرائيل وحزب الله في ظل الصراعات الإسرائيلية الداخلية يذكرنا بالشعور الذي كان سائدا قبل حرب 1973».

لا رغبة لدى إسرائيل بالتصعيد

ويحذّر عدد من المراقبين الإسرائيليين من استغلال حزب الله الأزمة الداخلية في إسرائيل للقيام بهجمات مباغتة تبلغ حد احتلال مستوطنات في الجليل الأعلى على يد وحدات النخبة «وحدة الرضوان» كما تفيد تسريبات حزب الله. هذه التهديدات دفعت رئيس الحكومة الإسرائيلية لتكرار تحذيره في الآونة الأخيرة من مغبة إساءة فهم ما يجري ومحالة اختبار القوة الإسرائيلية. تبعه وزير الأمن يواف غالانت الذي أطلق هو الآخر في الأسبوع الماضي تهديدات سبق واستخدم فيها مصطلحات لوزراء أمن سابقين بقوله إنه سيعيد لبنان للعصر الحجري. فهل يعكس التصعيد اللفظي اقترابا من اندلاع حرب لبنان الثالثة؟ الباحث في الشأن الإسرائيلي صالح النعامة قال إن التهديدات التي أطلقها غالانت لا تعبر -في الحقيقة- عن رغبة أو مصلحة إسرائيلية في التصعيد ضد حزب الله. منوها أنها قد جاءت بالأساس لردع حزب الله عن الإقدام على عمل عسكري ضد إسرائيل، بعد أن لاحظ جيش الاحتلال انتشار عناصر وحدة «الرضوان» التي تمثل قوات النخبة لدى حزب الله على طول الحدود، بعد أن أجروا مناورة عسكرية تم توثيقها إعلاميا. وتجاهر النخبة العسكرية الإسرائيلية بالتخوف من أن يستخدم حزب الله وحدة «الرضوان» في تنفيذ عملية توغل بري مباغتة يسيطر في إطارها على مستوطنات في شمال إسرائيل ضمن عملية عسكرية واسعة. في الوقت ذاته، تقر تل أبيب أن تهديدات غالانت، تأتي لمحاولة إقناع حزب الله بألا يستخلص استنتاجات «خاطئة» بأن الوقت مناسب لمهاجمة إسرائيل، ولا سيما في أعقاب إقرار جيش الاحتلال بتراجع كفاءته بسبب تعاظم مظاهر رفض الخدمة العسكرية في أوساط قوات الاحتياط احتجاجا على التعديلات القضائية. ويضيف النعامي في قرائته للدوافع والحسابات خلف التهديدات الإسرائيلية العالية بقوله: «كما تقف اعتبارات داخلية أيضا خلف تهديدات غالانت، حيث تشعر حكومة بنيامين نتنياهو بحرج شديد إزاء الانتقادات الواسعة من المعارضة والنخبة الإعلامية في تل أبيب التي تحملها مسؤولية تهاوي قوة الردع الإسرائيلية بسبب مواصلتها غض الطرف عن استفزازات حزب الله وعدم الرد عليها».

حسابات حزب الله

وفي المقابل، يرى النعامي إن نمط سلوك حزب الله على طول الحدود لا يشي بالضرورة برغبة في اندلاع مواجهة شاملة مع إسرائيل ويسوّغ تقديراته هذه بالقول إن نشاطاته العسكرية تعكس رغبة في تصعيد «محدود وحذر» يرمي إلى تأكيد حقوق لبنان في «مزارع شبعا» ويحسّن من مكانة الحزب الداخلية والإقليمية عبر إبراز دوره في تآكل قوة الردع الإسرائيلية. مرجحا أن شروع لبنان في التنقيب عن الغاز في المياه الاقتصادية التي منحها إياها اتفاق ترسيم الحدود البحرية مع إسرائيل، سيشكّل ورقة ضغط على حزب الله، الذي سيخشى تحميله مسؤولية حرمان لبنان من موارد الطاقة في حال استهدفت إسرائيل حقول الغاز اللبنانية في إطار أية مواجهة مستقبلية معه. ويتفق النعامي مع تقديرات مراقبين كثر بأن الانزلاق للحرب قائمة بقوله إن الطرفين لا يرغبان في مواجهة شاملة، فإن تعقيد الحسابات الداخلية لهما، وقراءة أحدهما سلوك الآخر بشكل خاطئ قد يورطهما في هذه المواجهة. وعن ذلك يتابع «فما يعده حزب الله تصعيدا محدودا، يمكن أن يدفع نتنياهو -المأزوم داخليا- إلى الرد بقوة تحت ضغط اتهام المعارضة له بالتقصير والتفريط في قوة الردع الإسرائيلية، ويحدث عندئذ ما يحذر منه الطرفان».

 

 

كلمات دلالية