قراءة في مواقف الأمين العام لحركة الجهاد الإسلامي

الساعة 01:07 م|06 أغسطس 2023

فلسطين اليوم | أحمد الصباهي

يبدو أنه في كل إطلالة تلفزيونية للأمين العام لحركة الجهاد الإسلامي زياد نخالة، يتثبت لدينا أن هذا الرجل لا يعرف إلا طريق الصدق والصراحة، حتى في المقابلات الإعلامية التي تفترض في عالم السياسة أن يجانب المسؤول عين الحقيقة بالحديث عن أطراف داخلية أو خارجية، في مواضيع حساسة، يمكن أن تستدعي ردات فعل. وإن كنت أعتقد بعد مشاهدتي المقابلة التي أجراها على قناة "الغد" كاملة، أن نخالة تجنب أن يثير أي حزازية حزبية، سواء مع فتح أو حماس، لكن هذا لم يمنعه من الحديث بصراحة عما يجول في فكره، وما تعتمده الحركة من نهج سياسي، في ثلاث قضايا رئيسية تناولها اللقاء، هي: لقاء الأمناء العامين المرتقب في القاهرة؛ العلاقة مع السلطة والتنسيق الأمني؛ العلاقة مع القوى الفلسطينية فتح وحماس، كما سأتطرق إلى ردات فعل بعض الصحافيين تجاه هذه المقابلة.

تعليق المشاركة في لقاء القاهرة

كانت الحركة في البداية قد أعلنت مشاركتها بلقاء القاهرة، على لسان بعض قادتها، إلا أن مسارعة الأجهزة الأمنية للسلطة باعتقال مقاومين في الضفة، وتحديداً مقاومين وقادة من سرايا القدس والجهاد الإسلامي من محافظة جنين، ورفض كل النداءات والمواقف المنددة التي أطلقتها "الجهاد" وبقية الفصائل الفلسطينية، وعلى رأسها حماس، أدى بالحركة لاتخاذ قرار بتعليق مشاركتها بلقاء الأمناء العامين، حيث وضع النخالة ممارسة السلطة في إطار أنها "تريد أن تظهر أنها تحكم، بخطوات منسقة، وهي لا تريد موقفاً فلسطينياً مشرفاً يواجه الاحتلال".

ولدى سؤاله حول الوساطات من فتح وغيرها، وصولاً إلى اتصال رئيس جهاز المخابرات الفلسطيني ماجد فرج بالنخالة لدى وصوله بيروت، نفى النخالة أن تكون هناك بوادر إيجابية، ذلك أن السلطة رفضت حتى إطلاق مقاومي الجهاد فقط.

ولم يخفِ النخالة ما يشعر به "كل الشعب" الفلسطيني من أي لقاء مرتقب مع السلطة، فلقد أطلق على هذا اللقاء أنه "فاشل ولا يحمل أي عوامل إيجابية للنجاح، وهو ليس لديه برنامج واضح"، ولسائل يسأل لماذا أعطت الحركة إشارة بالموافقة على اللقاء في الأصل؟ أعتقد أنه دون الموافقة سيجري تحميل الحركة مسؤولية إفشال اللقاء، وضياع فرصة توحيد الصف الفلسطيني، مع أنه من الواضح، حسب كلام النخالة، أن الحركة لا تعوّل كثيراً على هذا اللقاء لو حضرته، وهو ما يؤيده الشعب الفلسطيني في الداخل والشتات، نظراً للتجارب الفاشلة السابقة.

 التنسيق الأمني والسلطة الفلسطينية

يرى النخالة بشكل واضح وصريح أن التنسيق الأمني مع الاحتلال الذي تعتمده السلطة يؤدي بها إلى أنها "تمارس السلوك نفسه الذي يمارسه الاحتلال، وكأن هناك برنامجاً لإنهاء إرادة الشعب الفلسطيني"، كما أن المفاوضات في إطار ما تطلق عليه السلطة مشروعاً وطنياً لم تعد "تقنع الشعب الفلسطيني". ويكاد يسخر النخالة من حديث الرئيس أبو مازن عندما زار مخيم جنين مؤكداً "التنسيق المسبق مع كتيبة جنين" لدى حضوره المخيم، عندما تحدث الرئيس محمود عباس عن "سلطة واحدة، وقوة أمنية واحدة"، بالقول "هناك 600 حاجز إسرائيلي في الضفة، والمسؤولون في السلطة يمرون عبر تلك الحواجز ببطاقات، فأين هي القوة الأمنية الموحدة؟".

وبالرغم من كل هذه المواقف الصلبة والمتشددة وطنياً، فإن النخالة كان حريصاً على توضيح أمر مهم جداً، اعتمدته الحركة في مسارها النضالي الطويل، فيما يخص الوحدة الوطنية، وحرمة الدم الفلسطيني، عبر تأكيده في معرض جوابه عن سؤال حول إمكانية حدوث صدام بين الحركة والسلطة بالقول: "لن يحدث صدام بين المقاومة والسلطة، لدينا برنامج مقاوم للاحتلال".

العلاقة مع فتح وحماس

كان من الواضح جداً أن النخالة يميز بين السلطة الفلسطينية صاحبة مشروع أوسلو الفاشل، والتنسيق الأمني المعيب، وبين حركة فتح، حيث أكد "إننا نعمل مع شباب فتح وكتائب شهداء الأقصى في جنين"، ذلك أن الوحدة الميدانية التي ازدان بها مخيم جنين من مختلف الفصائل والتوجهات تتجاوز بنظر النخالة "الوحدة السياسية وتفرض نفسها على صانع القرار الفلسطيني، والذين نتقاسم معهم الطعام".

لم أتفاجأ من كلام النخالة، الذي أكد على وحدة الشعب الفلسطيني، وأن قوى المقاومة ومن ضمنها حماس في إطار الغرفة المشتركة قد شاركت بالدعم والمساندة وحتى بإطلاق الصواريخ في معارك الجهاد الأخيرة في غزة

إلا أن هذا شعبياً، ومن وجهة نظر الفلسطينيين، لا يعفي حركة فتح من صمتها وتماهيها مع مشروع السلطة، وبالممارسة اعتبار كل من يطلق النار على الاحتلال من كوادرها خارجاً ومتمرداً على قرار السلطة، وهي تستميله إما ترهيباً، وإما ترغيباً، وليس ببعيد أن تعبث يد حركة فتح عبر السلطة وأجهزتها تخريباً بمخيم جنين، وأن يصيب هذه الحالة الوحدوية في جنين ما أصاب عرين الأسود في نابلس، بحيث لم نعد نسمع من أخبارهم، ولا يخفى ما فعلته فتح لتغييب وإنهاء هذه الحالة.

أما حركة حماس، فيرى النخالة، أن العلاقة تتراوح بين التنسيق، والاختلاف في الرؤى، وما أستطيع أن أطلق عليه "العتب"؛ لقد كشف النخالة بوضوح عن التنسيق بين الحركتين في مخيم جنين: "كنا نتابع ما يجري في جنين مع بقية القوى الفلسطينية، وخصوصاً مع حماس، ونتحفز لمراقبة الموقف"، بل أكد أنه لو تعرّض مخيم جنين كما جرى في عام 2002، لتدخلت المقاومة من غزة، و"بالتأكيد الجهاد كانت فعلت ذلك".

أما الاختلاف في الرؤى فهو وإن كانت الجهاد، بنظر النخالة، تتقاطع مع حماس في "الإسلام، وفلسطين، والجهاد"، إلا أن الرؤية مختلفة حول ما أسماه "توقيت القتال وكيفيته"، وهو وإن لم يسمِ حماس بالاسم، إلا أنه أطلق عليها وصف "البراغماتية" في تعاملها السياسي، بحيث ربما "تستفيد منه داخلياً وخارجياً"، في إشارة إلى موافقة حماس على المشاركة في لقاء القاهرة.

لم أتفاجأ من كلام النخالة، الذي أكد على وحدة الشعب الفلسطيني، وأن قوى المقاومة، ومن ضمنها حماس في إطار الغرفة المشتركة، قد شاركت بالدعم والمساندة وحتى بإطلاق الصواريخ في معارك الجهاد الأخيرة في غزة، إلا أن الحركة من وجهة نظر النخالة تحمّلت 95% من المعركة منفردة.

أما ما أستطيع القول إنه العتب، ففي معرض جوابه عن سؤال حول مدى مساندة حماس للجهاد في معاركها في غزة، فكان الجواب: "لو كانت حماس بالكامل في المشهد لكنا أفضل"، ولا أعتقد أن هذا الموقف يعيب المرء في شيء، خصوصاً أن القسام صاحبة القوة الأكبر في غزة، وقادرة على تغيير معادلة أي حرب مع الاحتلال.

ردات فعل على مواقف النخالة

يحق لأي صحافي أن يبدي رأيه في أي موقف يطرحه سياسي، في إطار حرية الرأي والتعبير، كما يحق لي كصحافي أن أنتقد آراء صحافيين آخرين، واعتراضي ناشئ مما أعتبره تحميل المواقف ما لا تحتمل، وإعطاء النصائح في أي شاشة يظهر المسؤول، ومن يقاطع، وهو ليس من الموضوعية في شيء، وبالتالي هو يعين نفسه مستشاراً ووصياً من غير طائل.

أطلق الصحافي ياسر الزعاترة، عبر تغريدة من حسابه الخاص عبر "تويتر"، الكثير من المواقف حول هذه المقابلة، وهي إن كانت نظرياً من حقه كصحافي تعليقاً على مواقف النخالة، إلا أنه من حقي القول إنني أخالفه في الكثير مما قاله، خصوصاً اتهام النخالة "بالحساسية من حماس، ومزاحمتها على الموقع"، وبوسعي القول إنه لو استمع جيداً لتلك المقابلة لعلم أن النخالة عندما تحدث عن حماس قال: "لو كانت معنا في المشهد لكنا أفضل"، هل هذا يعبر عن حساسية حزبية، هل هذه مزاحمة لحماس، وهل هذا هجاء كما يقول الزعاترة.

أما الغمز واللمز من تصريحات النخالة حول ما اعتبره "تأكيد العلاقة الطيبة مع التيار الإصلاحي، ومع زلمته المشهراوي"، فليس بغريب عن الزعاترة الذي اتهم حماس في مقال منشور له في "الجزيرة نت" (في 10-7-2017)، تحت عنوان "حماس وتحالفاتها الجديدة.. تيه لابد من تجاوزه"، عندما اتهم حماس في غزة بعد اتصالها بدحلان "أنها لم تأخذ مصالح عموم الحركة بعين الاعتبار، وخصوصاً في الضفة، فضلاً عن مصالح القضية الفلسطينية".

أما الصحافي ياسر أبو هلالة من جانبه فقد أطلق الكثير من المواقف عبر تغريدة أيضاً من حسابه في "تويتر"، والمثير للانتباه هو الوقوف على قوله إن "حماس لا تستطيع خوض مواجهات مفتوحة أو حسب التوقيت الإيراني"، مع تأكيده على ارتباط الحركتين بإيران، إلا أن "الجهاد مرتبطة عضوياً حسب قوله، وهما يدفعان ثمن هذا الارتباط". وبغض النظر عن بقية المواقف، أطرح سؤالاً، هل المعركة التي خاضتها المقاومة عام 2021، معركة سيف القدس، والتي تناولتها في مقال لك تحت عنوان "الحرب الثالثة في غزة والانتفاضة الثالثة" في 16 مايو عام 2021، كانت بإيعاز إيراني؟! مع الإشارة إلى أنك في هذا المقال غيّبت الفصائل الفلسطينية جميعها، ومنها الجهاد، ولم تتحدث إلا عن حماس، مع احترامنا الشديد لها، وسؤالي الآخر، ما المقياس كون أي حرب في غزة هي بمفعول إيراني أم لا؟!

يذكرني بما ذكرته آنفاً بالمثل الذي يقول "الأكل أكل حوت والحال مسحوت". واللبيب من الإشارة يفهم.

كلمات دلالية